لحفظ الحق

بقلم غسان سعادة*

كَثُرَ الحديث في الآونة الاخيرة في لبنان عن الدستور ودولة القانون من قبل المسؤولين وممثلي الشعب والإعلاميين، وكلٌّ منهم يقول ما يقوله لغاية في نفسه في حين ان المُواطنَ اللبناني يُدركُ أن ما ورِد في هذا الشأن لا يتعدّى كونه كلاماً للإستهلاك اليومي، وأن احداً من المُتكلّمين غير معني جدياً بتطبيق القانون او تفعيله بدليل انه بموجب القانون الدستوري الصادر في ١٩٩٠/٩/٢١ أُضيفت الى الدستور اللبناني مُقدّمة نصت الفقرة (ج) منها على أن ”لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعية، والمُساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين ودون تمييز“.

كما نصّت الفقرة (ه) منها أن ”النظام الإقتصادي حرٌّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة“.

إن نصّي الفقرتين (ج) و(ه) من مقدمة الدستور واضحان ولا يحتاجان إلى تفسيرٍ أو اجتهادٍ او تأويلٍ، إذ أنهما يضمنان لكلِّ لبناني العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات، كما يكفلان المبادرة الفردية والملكية الخاصة.

كذلك فإن حقّ التقاضي وسلوك سُبُل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالدستور (المادة ٢٠) ومكفولٌ بالقانون.

رغم ذلك يمتنع القضاء اللبناني عن النظر او البت في دعاوى اللبنانيين عندما يدّعون على المصارف باستثناء ما صدر عن قاضي الأمور المستعجلة في النبطية.

المصارف اللبنانية قامت وما زالت تقوم بحجز أموال المُودِعين لديها ومنعهم من التصرّف بها غير آبهة بكون هذه الأموال هي اموالاً خاصة مكفولة بالفقرة (ه) من مقدمة الدستور وبالمادة ١٥ منه، مُخالِفةً بذلك أحكام القوانين اللبنانية لا سيما المادة ٦٩٠ من قانون الموجبات والعقود وما يليها، ومُتعدّية بذلك على أملاك اللبنانيين الخاصة وعلى استقرارهم المادي والحياتي والمعنوي من دون أن تتوفر للبنانيين اية حماية لممتلكاتهم وحقوقهم من أيٍّ من سلطات الدولة التنفيذية او التشريعية او القضائية.

إعتبر الفيلسوف الإلماني “إيمانويل كانت” (Immanuel Kant) أن دولة القانون هي الدولة الدستورية، واستند في ذلك الى مبدأ سيادة الدستور المُدوّن في الدولة إنطلاقاً من مفهوم أن سيادة الدستور هي الضمان لقيام حياة سلمية دائمة كشرطٍ اساسي لإسعاد الشعب وازدهاره، وفي هذا المجال أورد: ” يستند الدستور لدولة ما على قِيَمِ مواطنيها والتي بدورها تستند على صلاح هذا الدستور“.

قَيَمُ المجتمع اللبناني كُرِّسَت في دستوره فجاء في الفقرة (أ) من مقدمته المُضافة بالقانون الدستوري رقم ١٩٩٠/٩/٢١ ان ”لبنان وطنٌ سيّدٌ حرٌّ مُستقل، وطنٌ نهائي لجميعِ أبنائه أرضاً وشعباً ومؤسسات قي حدوده المُعترَف بها دولياً“.

ونصّت المُقدّمة أيضاً كما أشرنا الى احترام الحريات العامة وحرية الرأي والمعتقد والعدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين اللبنانيين من دون تمييز او تفضيل، كما ضمن الإقتصاد الحر والمبادرة الفردية والملكية الخاصة.

سيدي فخامة رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، أوجبت المادة ٥٠ من الدستور عليك ان تحلف اليمين التالي عند تسلّمك لمهام الرئاسة الذي نص: ”احلف بالله العظيم اني احترم دستور الامة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه“.

اليوم يمتنع القضاء عن النظر وبالسرعة والعدالة المطلوبة عن النظر في دعاوى اللبنانيين على المصارف التي خالفت وتُخالف أحكام الدستور والقانون.

اليوم اللبنانيون غير متساوين في الحقوق والواجبات. فعندما أُعلِنت التعيينات الإدارية فقد تمّت على أساس المُحاصصة وليس على أساس الكفاءة ووفق معايير مجلس الخدمة المدنية.

اليوم مُدّخرات اللبنانيين وأموالهم وجنى أعمارهم واستقرارهم الحياتي والمعيشي والمعنوي في خطر، وهم  ليسوا بسلام او استقرار في حياتهم مما يُشكّل إنتهاكا وخرقا لقيمهم ولدستورهم وقوانينهم. وهنا ألفتُ الى مقولة قانونية إنكليزية تقول: ”لا يُمكنك ان تأخذ القانون بيديك” “You can not take the law into your own hands“.

المقصود من هذه المَقولة عدم قيام الفرد بعمل غير قانوني الذي في الغالب بترافق مع العنف لمُعاقبة شخصٍ ما لعلمه أن القانون لن يُعاقب ذلك الشخص.

فيا فخامة الرئيس، ويا ايها المسؤولون أينما كنتم في السلطة التنفيذية او التشريعية او القضائية، في الطوائف أو الأحزاب أو العشائر، اليوم المواطن اللبناني غير آمن في سلامه الإجتماعي او الإقتصادي أو الحياتي، ولا هو آمن في ملكيته الخاصة أو في أمواله، ولا حتى في عمله، والقضاء والسلطة ممتنعان او عاجزان عن حمايته مما دفعه الى التظاهر او السير في المسيرات التي انخرط بها.

أيها السادة لكلِّ لبناني حقوق حدّدها وحماها الدستور والقوانين اللبنانية، فحافظوا له عليها. فإذا ما استمر التعدّي على هذه الحقوق من دون أن تُبادروا الى تفعيل وتطبيق الدستور والقانون، فقد يلجأ اللبناني لأخذ حقوقه بيده مع قد يرافق ذلك من عنف.

  • غسان سعادة هو محامٍ لبناني يعيش في بريطانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى