لماذا لا يَتَعاطَف اليهود غير المُحافظين في إسرائيل وأميركا مع الفلسطينيين؟

فيما ثار البيض، أكثر من السود، في أميركا على مقتل مواطن أسود تحت ركبة رجل شرطة أبيض، يموت كل يوم مئات الفلسطينيين تحت أحذية وركبات وقمع الجنود وقوات الأمن في إسرائيل ولا أحد بين اليهود العاديين أو الليبراليين في إسرائيل أو أميركا بُحرّك ساكناً. لماذا؟

 

جورج فلويد تحت ركبة شرطي أميركي: التكتيك إسرائيلي

بقلم داود كُتّاب*

عندما ظهر فيديو لرجل شرطة في مينيابوليس يضغط بركبته على عنقِ جورج فلويد وهو مُستلقٍ على الأرض، فوجئ الفلسطينيون بالصورة – كانت التقنية مألوفة للغاية. في غضون ساعات من نشر الفيديو، تمكّن فلسطينيون من العثور على صورٍ متطابقة تقريباً لجنودٍ إسرائيليين يضغطون برُكَبِهم للسيطرة على شاب فلسطيني. هذا ليس مفاجئاً تماماً، فقد أفادت منظمة العفو الدولية في العام 2016 أن إسرائيل كانت مكاناً لتدريب رجال الشرطة الأميركيين من معظم مدن الولايات المتحدة، بما في ذلك مينيابوليس. وصرّحت ليندا منصور، محامية مُتخصّصة في شؤون الهجرة الأميركية في توليدو بولاية أوهايو، لموقع “المونيتور” أنه منذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001، “شاركت 31 ولاية أميركية على الأقل في برامج تدريب تبادل قوات الأمن والشرطة في إسرائيل. التكتيكات القمعية والخطيرة المُستفادة تشمل الضغط بواسطة الركبة على العنق أو الرقبة”.

بالنسبة إلى الفلسطينيين، هذا ليس بجديد. لعقودٍ، إلتقطت صورُ الفيديو الجنودَ الإسرائيليين، والذين يقومون بحمايتهم من المستوطنين اليهود، وهم يُسيئون معاملة وقتل المتظاهرين الفلسطينيين العُزَّل وأحياناً مهاجمة المارة الأبرياء أو الإعتداء على عمال الإغاثة الإنسانية المعروفين بوضوح. خلال الإنتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1988، إلتقط طاقم شبكة “سي بي أس” (CBS) الأميركية لقطات لجنود إسرائيليين يستخدمون خوذاتهم لكسر أذرع الفلسطينيين، بعد التوجيه الصادر عن كبار المسؤولين الإسرائيليين بكسر عظام المتظاهرين. في السنوات التي تلت ذلك، أصبح الجيش الإسرائيلي أكثر وحشية وأقل ردعاً. وفي وقت سابق من هذا العام، ظهر مقطع فيديو لقواتٍ إسرائيلية تُطلق النار على متظاهر فلسطيني بالقرب من السياج الحدودي لغزة، ثم تقوم بسحب جثمانه وإزالته باستخدام جرّافة بينما كان فلسطينيون آخرون يحاولون استعادته.

وجدت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة تُحقّق في مقتل 189 فلسطينياً في غزة بين 30 آذار (مارس) و31 كانون الأول (ديسمبر) 2018 أن هناك “أسباباً معقولة للإعتقاد بأن القنّاصين الإسرائيليين أطلقوا النار على الأطفال والأطباء والصحافيين، على الرغم من أنه يمكن التعرف عليهم بوضوح”. في العام 2016، أعلنت منظمة “بِتسيلم” الإسرائيلية لحقوق الإنسان بأنها تشعر بالإشمئزاز الشديد من “تبييض” تحقيقات الجيش في مثل هذه الحوادث، حيث قررت على أثر ذلك التوقف عن التعاون معها حتى لا تمنحها المصداقية.

بعد أيام قليلة على نشر فيديو مؤلم لجورج فلويد، مُدّته ثماني دقائق ونصف، طارد الجنود الإسرائيليون في القدس الشرقية رجلاً فلسطينياً غير مُسلَّحٍ يُعاني من مرض التوَحّد. وعلى الرغم من أن مُقدّم الرعاية صرخ بالعبرية لقوات الأمن الإسرائيلية بأنه مُعاقٌ، إلّا أنه فشل في منعهم من إطلاق سبع رصاصات على جسد أياد حلّاق الضعيف في أثناء اختبائه في غرفة قمامة خارج “بوابة الأسود” في القدس.

الإستجابات لا يمكن أن تكون أكثر اختلافاً

خرج مئات الآلاف إلى الشوارع للإحتجاج على مقتل جورج فلويد، وهو رجل أميركي أسود، على أيدي الشرطة في جميع أنحاء الولايات المتحدة وحول العالم، ويظهر فحص سريع للحشود أن غالبية المتظاهرين كانت من البيض. هذا الدعم القوي من معظم قطاعات المجتمع الأميركي يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على النخبة الحاكمة تجاهل الإحتجاجات ببساطة، والأهم من ذلك، يجعل محاولة سحقهم بعنف أكثر صعوبة.

ولكن على عكس رد الفعل على مقطع الفيديو الخاص بمعاملة الشرطة السيئة في الولايات المتحدة، فإن الرد بين الإسرائيليين واليهود الأميركيين على العنف ضد الفلسطينيين مُختلفٌ تماماً. العديد من القادة والمفكرين اليهود الليبراليين الذين تحدّثوا بقوة ضدّ قتل فلويد هم صامتون عندما يتعلّق الأمر بالفظائع التي يرتكبها الجنود الإسرائيليون. جرت مظاهرة ضد الضمّ يوم 6 حزيران (يونيو) في ميدان رابين في تل أبيب، لكن ذلك لم يفعل الكثير لتحريك الإبرة عندما يتعلّق الأمر بالأفعال الإسرائيلية القمعية ضد الفلسطينيين.

بينما يوجد عددٌ قليل من الأصوات الحقيقية ضد العنصرية والإحتلال ضد الفلسطينيين في الولايات المتحدة (مثل “الصوت اليهودي من أجل السلام” (Jewish Voice for Peace)، “إن لم يكن الآن” (If Not Now)، و”أميركيون من أجل السلام الآن” (Americans for Peace Now)) وفي إسرائيل (مثل “بِتسيلم”، “السلام الآن”، و”حاخامات من أجل حقوق الإنسان”)، فإن ذلك غائبٌ عن التيارات الرئيسة. إن القادة اليهود الأميركيين لمنظماتٍ مثل “رابطة مناهضة التشهير”، واللجنة اليهودية الأميركية”، و”لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية، وكذلك جميع الأطراف الإسرائيلية الرئيسة (باستثناء القائمة العربية المشتركة)، غير عابئين أو  مُلتزمين بالمساواة وتقرير المصير للشعب الفلسطيني.

لماذا الأمر كذلك؟

ما الذي يُفسّر الفرق؟

على الرغم من أن إسرائيل تدّعي أنها “الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، وكثيراً ما يتحدّث المسؤولون الأميركيون عن القِيَمِ المُشتركة، إلّا أن القوانين والسياسات والإجراءات الإسرائيلية على أرض الواقع لا تُبرّر مثل هذه الإدّعاءات. بادئ ذي بدء، على عكس الولايات المتحدة، لا يوجد لإسرائيل دستورٌ أو حدودٌ مُحَدَّدة، وهي تُكافح من أجل تحديد ما إذا كانت دولة يهودية أو دولة لجميع مواطنيها. والواقع أن 20٪ من المواطنين الإسرائيليين ليسوا يهوداً، ويعيش حوالي خمسة ملايين فلسطيني تحت الحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.

في حين يُمكِن للأميركيين من كل المشارب والفئات الإلتفاف حول مبادئ المساواة وحرية التعبير التي يكفلها الدستور الأميركي والبند الأول فيه، لا يوجد في إسرائيل نصٌّ قانوني مُلزِمٌ يُعلن أن جميع المواطنين يتمتّعون بحقوق مُتساوية ويضمن لهم التعبير عن النفس بحرية ومن دون قيود. في الواقع، إستعار الفلسطينيون شعار الإحتجاجات ضد الإنتداب البريطاني والإنتفاضة الأولى من شعار الاحتجاجات الأميركية المُبكرة “لا ضرائب بدون تمثيل”. يحتج الفلسطينيون على حرمانهم من حق تقرير المصير غير القابل للتصرف الذي روّج له الرئيس الأميركي وودرو ويلسون في مبادئه “النقاط الأربع عشرة” للسلام بعد الحرب العالمية الأولى.

في حين أن إسرائيل ليس لديها دستورٌ يضمن حقوق مواطنيها، فإن بعض قوانينها وأنظمتها الأساسية عنصرية بشكل واضح. في العام 1950، أقرّت إسرائيل قانون العودة، الذي يضمن الجنسية لأيّ شخصٍ لديه أسلاف وأجداد يهود، بينما مُنع اللاجئون الفلسطينيون الذين فرّوا خلال الحرب قبل عامين من العودة واستولت الدولة على أراضيهم ومنازلهم. في العام 2018، أقرّت إسرائيل قانون الجنسية اليهودية، وهو قانون أساسي جديد أعلن أن “الحقَّ في ممارسةِ تقرير المصير الوطني في دولة إسرائيل هو حقٌّ فريدٌ للشعب اليهودي”، وبذلك يصبح تلقائياً 20 في المئة من سكان إسرائيل الذين ليسوا يهوداً من الدرجة الثانية. كما أن القانون نفسه لا يُبَرّرُ المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة فحسب، بل “ينظر إلى تطوير المستوطنات اليهودية كقيمة وطنية وسيعمل على تشجيع وتعزيز قيامها وتوطيدها”. وقد قضت هيئات دولية عدة، بما فيها محكمة العدل الدولية، بأن المستوطنات التي بُنيت في الأراضي الفلسطينية المُحتلّة غير شرعية بموجب القانون الدولي الإنساني وتُشكّل جريمة حرب.

لسببٍ ما، لم يؤدِّ هذا إلى تغيير الكثير من الإسرائيليين، الذين يبدو أنهم موافقون وعلى ما يرام مع العنصرية المُعادية للعرب في قوانينهم وسياساتهم الحكومية لأنهم يشعرون بأن كونهم يهوداً هي “حالة فريدة” إلى حد ما – فرقٌ طفيف، إن لم يكن هائلاً، عن أفكار المُتعصّبين البيض. في حين أن مؤسسي إسرائيل والعديد من قادتها الحاليين ليسوا مُتدَيّنين، فقد استخدموا الدين بطريقة انتهازية، بما في ذلك في انخراطهم مع الأصوليين المسيحيين. وقد نتجت عن ذلك حركة استيطانية مسيحية خطيرة التي تصرّ على أن وجودها في الأراضي المحتلة مبنيٌّ على الفكرة بأن لليهود حقاً لا يُمكن إنكاره، وهو حقٌّ منحه الله لهم على الأرض الذي لم يمنحه للآخرين، بمَن فيهم السكان الأصليين للبلاد، الذين يعيشون على أراضيهم لقرون.

لكي نكون مُنصفين، تقوم مجموعات صغيرة من الإسرائيليين أحياناً بزيارة الأراضي المحتلة وحتى الاحتجاج لمدة ساعة أو ساعتين قبل العودة إلى منازلهم الآمنة في تل أبيب أو نتانيا. الصحافية الإسرائيلية الشجاعة أميرة هاس تُعامَل وتُعتبَر على أنها انحرافٌ في المجتمع الإسرائيلي لأنها عاشت في وقت ما في غزة ورام الله. الأصوات الغريبة مثل هاس وجدعون ليفي تستبعدهما الغالبية العظمى من وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية الإسرائيلية، التي نادراً ما تعترف بأن الفلسطينيين موجودون، ناهيك عن أنهم يُعانون تحت احتلال عسكري استمر لعقود تقوم به قوة غاشمة. إن الليبراليين اليهود الأميركيين، الذين كثيراً ما يتم اقتباس أقوالهم المُتعلّقة بالدفاع عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم بناءً على القانون الدولي، لا يعترفون بما تمّ الإتفاق عليه بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تم التعبير عنه بوضوح في ديباجة قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، حول “عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب”.

إن الرواية الصهيونية القوية التي تتجاهل حقوق غير اليهود وتُجرّدهم من إنسانيتهم ​​لا تختلف كثيراً عن الطريقة التي يتعامل بها المُتعصّبون البيض في الولايات المتحدة مع السود وحقوقهم. ومع ذلك، يستمر التعامل مع العنصرية النظامية في الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل مختلف. في حين أن الأميركيين بدأوا منذ وقت طويل الإعتراف بالعنصرية في قوات الشرطة لديهم والتحرّك نحو معالجتها ومحاولة إيجاد حلّ، إلا أن العنصرية في إسرائيل مُنَظَّمة ومَشروعة، واستيعابية إلى حدّ أن غالبية الإسرائيليين لا تعترف حتى بوجود أي خطأ يحدث. ربما يخافون من أنهم إذا اعترفوا بالعنصرية النظامية، فإن ذلك سيُقوّض وجود دولتهم نفسها، المبنية على أرض وحقوق شعب آخر.

الفلسطينيون ارتكبوا أخطاء أيضاً

في حين أن هناك اختلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل والتي يُمكن أن تُفسِّر عدم استجابة اليهود الإسرائيليين والأميركيين للظلم تجاه الفلسطينيين، فمن المهم إلقاء الضوء على بعض الأخطاء التي ارتكبها الفلسطينيون والتي ساعدت على تغذية رواية الإسرائيليين بأنهم ضحية.

لم يكن هدف الفلسطينيين السياسي واضحاً. في البداية، جعلت منظمة التحرير الفلسطينية هدفها تحرير كل فلسطين وخلق دولة ديموقراطية علمانية لجميع المواطنين، بما في ذلك المسلمين والمسيحيين واليهود. في حين أن هذا قد يبدو جيداً على الورق، فقد نجح الإسرائيليون والمدافعون عنهم في قلب هذه الفكرة وعكسها ليقولوا إن هدف الفلسطينيين هو تدمير إسرائيل. لم يُساعد ذلك في أن بعض القادة الفلسطينيين والعرب استخدموا الخطاب المُعادي لإسرائيل الذي يمكن للدعاة الإسرائيليين أن يعكسوه عليهم بسهولة. كما أن ذلك لم يساعد الفلسطينيين على عدم توضيح ما سيحدث لليهود الذين يعيشون في فلسطين/إسرائيل بمجرد إنشاء هذه الدولة الديموقراطية العلمانية الطوباوية. قال بعض القادة الفلسطينيين بأن اليهود الذين عاشوا في فلسطين قبل الثلاثينات من القرن الماضي يُمكنهم البقاء، في حين أن المهاجرين الصهاينة اليهود، وخصوصاً أولئك الذين وصلوا في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، يجب أن يعودوا إلى البلدان التي أتوا منها.

في حين خففت القيادة الفلسطينية في نهاية المطاف من خطابها وعدّلت هدفها إلى إقامة دولة مستقلة تعيش إلى جانب إسرائيل، كانت هناك أصوات متطرفة كافية، بخاصة بين “حماس” ودول مثل سوريا وإيران، لتغذية آلة الدعاية الصهيونية بسهولة ودعم السرد أنه في عمق قلوبهم يُريد الفلسطينيون والعرب “محو إسرائيل من على الخريطة”.

كما تم إعاقة القضية الفلسطينية من خلال التكتيكات الخاطئة والافتقار العام إلى الإنضباط من قبل بعض مقاتليها مما أدّى إلى إصابة ومقتل مدنيين إسرائيليين. تم التعامل مع هذه القضية بشكل سيئ وسمحت للمُدافعين الإسرائيليين بتبرير عدم دعم القضية الفلسطينية من خلال الإشارة إلى عدم وجود معارضة فلسطينية حازمة لما تُسمّيه إسرائيل الإرهاب – وهو تصنيفٌ ينطبق على كل هجوم فردي ضد الإسرائيليين، سواء كانوا مدنيين أو مستوطنين أو جنود. وقد تمكّنت آلة الإعلام الإسرائيلية وداعموها حول العالم من تثبيت صفة الإرهاب على الفلسطينيين ولا يُمكن للفلسطينيين فعل أي شيء لتغيير ذلك.

عندما بدأ المجتمع المدني الفلسطيني والأكاديميون ومؤيدوهم “حركة المقاطعة وسحب الإستثمارات وفرض العقوبات”، جرى حتى هذا الشكل السلمي من المقاومة تشويهه مرة أخرى واعتباره مُعادياً للسامية، في حين أن غياب خطة سياسية بين قادة هذه الحركة إستُخدم للقول بأن هدفهم الحقيقي هو تدمير إسرائيل.

تحريفٌ إعلامي

لم تفعل وسائل الإعلام السائدة في كل من إسرائيل والولايات المتحدة ما يكفي للإبلاغ والحديث بدقة ونزاهة عن الواقع على الأرض، بما في ذلك التمييز المنهجي الذي يواجهه الفلسطينيون. السرد اليهودي-المسيحي السائد الذي تطور على مدى عقود والذي يتضمّن التعاطف مع اليهود الذين فرّوا من المحرقة استمرّ لسنوات. لم تُركّز وسائل الإعلام الرئيسة في كلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة بشكل كافٍ على سياسات إسرائيل العنصرية والتمييزية. ولكن في السنوات الأخيرة مع الثورة الرقمية والقدرة على نشر الروايات الإعلامية البديلة، أصبح الواقع الفلسطيني معروفاً أكثر على نطاق واسع في كل من إسرائيل والولايات المتحدة. في حين أن الشباب الأميركيين صار لديهم فَهمٌ أكبر للقضية الفلسطينية، فإن نظراءهم الإسرائيليين، الذين يُطلَب منهم الخدمة لمدة عامين في الجيش، لا يزالون في الظلام في ظل السلطات القائمة. وتُظهر مقارنةٌ بسيطة للتغطية الأميركية من الجدار إلى الجدار لحركة الاحتجاج والطريقة التي تُغطي بها وسائل الإعلام الإسرائيلية الأراضي المحتلة هذه الفجوة. وفي الوقت الذي يتم فيه عرض القادة السود والمسؤولين المنتخبين بانتظام في وسائل الإعلام الأميركية، نادراً ما تتم مقابلة ممثلي المواطنين الفلسطينيين الإسرائيليين في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وممثلي خمسة ملايين فلسطيني في غزة والضفة الغربية المحتلة.

ليس هناك شك في كلٍّ من أوجه التشابه والإختلاف بين العنصرية النظامية في الولايات المتحدة وتلك في فلسطين/إسرائيل. ومع ذلك، في حين أن مقتل جورج فلويد على يد شرطي أميركي أبيض أدّى إلى ردِّ فعلٍ كبير من الأميركيين البيض، كان هناك القليل من التعاطف في إسرائيل أو بين اليهود الأميركيين لمحنة الفلسطينيين والعنف الذي يواجهونه على أيدي الجنود وقوات الأمن الإسرائيليين. إن إصرار الحركة الصهيونية على دولة يهودية وإنكارها للمساواة بين المواطنين العرب في إسرائيل والحقوق غير القابلة للتصرف للفلسطينيين في الأراضي المحتلة يجعل من شبه المستحيل أن يكون هناك رد فعل مثل ذلك الذي أعقب مقتل جورج فلويد. في حين أن معظم الإسرائيليين يعارضون تماماً حل الدولة الواحدة (الذي من شأنه أن يُضعف هدفهم في بناء دولة ذات غالبية يهودية)، فربما فقط عندما يتضح أن هذا هو الطريق الذي يدفع الفلسطينيون تجاهه، سيكون من الممكن إيجاد تسوية تاريخية.

لذا، لكي يشعر المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل بالمساواة ويحصل أولئك الذين يعيشون في الأراضي المحتلة على دولة سوف يحتاجون إلى تغيير جذري. من غير المُرجَّح التوصّل إلى حلٍّ وسط تاريخي حتى يختبر الإسرائيليون ومؤيدوهم تغيّراً كبيراً في المواقف – على غرار ما يبدو أن الأميركيين البيض يمرّون به الآن. بالطريقة نفسها التي بدأ بها الأميركيون البيض في النهاية الإعتراف بالعنصرية النظامية في المجتمع الأميركي ومناقشة طرق معالجتها، يحتاج الإسرائيليون إلى الإعتراف بإنسانية الفلسطينيين وحقوقهم.

  • داود كُتّاب هو صحافي فلسطيني حائز على جوائز عدة، وأستاذ سابق للصحافة في جامعة برينستون. يُمكن متابعته على تويتر: daoudkuttab@. الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراؤه الخاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى