حكومةُ “المُستَشارين” بحاجةٍ إلى استشارة!

بقلم فيوليت غزال البلعة*

اليوم، تقفُ حكومةُ “المُستشارين” في لبنان أمام امتحان استنزاف ما بقي من احتياطاتٍ للبلد، سواء في المصرف المركزي حيث قرّرت الحكومة والعهد ضخّ الليرات في سوق بيروت لتُشحن إلى دمشق، أو في المصارف التي شحّت سيولتها وتكاد تلبي بعض الطلبات الملحّة، وأيضاً في ما يتّصل بقدرة اللبنانيين على تحمّل المزيد من الضغوط المالية والمعيشية المُنزَلقة بسرعة نحو الهاوية.

اليوم، تقفُ حكومةُ “المُستشارين” أمام استحقاقِ خفضِ سعر الدولار بقوة القرار، الى ما دون 3250 ليرة، مُتغاضيةً عن كتلةٍ نقدية بقيت في الأسود من السوق، عاصية على قرار الحكومة في اجتماعَي السراي وبعبدا يوم الجمعة الماضي، إذ تمّ تداول الدولار في عطلة الأسبوع بما بين 4450 و4250 ليرة.

اليوم، تقف حكومة “المُستشارين” أمام الرهان على بقاء حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في الحاكمية، لتلوّح بورقة “الإقالة” -المُخالِفة لأحكام قانون النقد والتسليف – كلما عصى أوامر تتقلب على مزاجٍ تدميري حاد، يُهدّد حيناً بتحميله كل المسؤولية على “أداء مريب”، مُطالباً إياه بـ”وقف التدخل في السوق لتحرير سعر الصرف”، ويتهدّد حيناً آخر بتحميله كل وزر كل الأزمات، مُصرّاً عليه “التدخل في السوق لتثبيت سعر الصرف”!.. وفي الحالين، قرّرت الحكومة أن يكون “كل الحقّ على رياض سلامة… وشو ما عمل”!.

كلامٌ كثير قيل في الإقالة، بدءاً من النقاشات التي تسرّبت من كواليس “اجتماع المواجهة” ما بين الحكومة والقطاع المالي صباح الجمعة، وتحديداً من مداخلة وزيرة العدل، ماري كلود نجم، “غير المشغول بالها” بتوقّف مسيرة التعيينات القضائية عند جملة معوقات وضعت البند الإصلاحي المهم في الأدراج بدلاً من قائمة الإصلاحات، مروراً بوزير التربية، طارق المجذوب، المشغول عن أزمة القطاع التعليمي التي أوقعت الخلاف ما بين المدارس والأهل والأساتذة نتيجة أزمة الليرة، وصولاً الى مواقف السياسيين المُتفاوتة بين مُعارض على خلفية “جريمة” حصر المسؤولية بشخص الحاكم وبرغبة جعل إقالته “تنفيسة” لغضب الشارع، وبين مؤيدٍ يمضي، وإن بغير اقتناع، في تنفيذ سياسات إقصائية لأهدافٍ بعيدة سياسية الأمد بدليل ما يُحكى عن بديل من داخل او خارج، جاهز لدخول “جنّة” الحاكمية.

السبت الماضي، وقف رئيس حكومة “المستشارين”، الدكتور حسّان دياب، أمام جميع اللبنانيين في خطاب تحدّث فيه عن نفسه، وعن حكومته، وعن المتآمرين عليه وعن إحباط “محاولة الإنقلاب” (!) على جهوده في فضح الفاسدين. أغفل، وكما كان متوقَّعاً، الإشارة الى المغلوبين والمقهورين والجياع الذين فلشوا همومهم ومعاناتهم في الشارع المُتخَم بالفقر والقلق، من الجنوب الواقع تحت سياسات القمع المُنظّم، الى الشمال العاصي على مرور شاحنات الغذاء من لبنان الى سوريا وبالعكس. لم يعتذر عن معاناة بلغها اللبنانيون من دون استئذان نتيجة سوء سياسات الحكومة… هذه الحكومة أو سابقاتها، لا همّ، ما دام الحكم مسؤولية تجاه مواطن رُمي من قائمة الإهتمامات، وتُرك لمصير تتحكّم به أهواء “مُستشارين” يُجاهرون بالتوقيع على إفلاس القطاع المالي ونهب المودعين “على عينك يا تاجر”، ورياح عاتية تهبّ من واشنطن على سوريا بموجة عقوبات “قيصر” بدءاً من الخميس المقبل، وتمرّ بلبنان المعبر المفتوح حتما…

هل تؤمن حكومة “المُستشارين” حقاً بأن الدولار سيُذعن لقرارٍ حكومي يستهدف إنقاذ سياسات الفشل المُتعدّد الإتجاهات؟

أصرّت الحكومة على انتزاعِ “تعهّدٍ” من الحاكم لاستخدام ما بقي من احتياطي أجنبي لديه، بغية إنقاذ ليرة تُدرك أن الحاجة هي الى اكثر، إلى: دولة تتحمّل كامل مسؤولياتها حيال ما أهدرته من أموال بقوة القانون، دولة تجهد لاستعادة الثقة بغية استرجاع “دولارات المنازل” أولاً ومن بعدها دولارات الإستثمار المحلي والخارجي، دولة قادرة على الخروج من نظام المُحاصصة الذي انغمس فيه رئيس الحكومة، القادم حديثاً الى النادي السياسي، بدليل التوزيعات المُدوزَنة التي تجلّت في تعيينات “محاصرة حاكم مصرف لبنان”، دولة مُقتنعة بان الإصلاح الفعلي يبدأ من قطاع الكهرباء وصفقاته التي ما زالت تستمتع بالنزف المالي على البواخر كما على معامل التغويز.. والسلسلة تطول وتطول.

الأهم، أن رئيس الحكومة طمأن المُودعين على أموالهم. لكنه لم يتوقف لحظة لدرس “خطة التعافي المالي” التي تقول بإفلاس القطاع المالي صراحة. فكيف سيُحافظ حينها على أموال المودعين؟ ومن أين ستأتي المصارف المُفلسة ومصرف لبنان بالأموال لردّها الى أصحابها؟ الخسارة تعني بوضوح تبخّر الأموال حين ترفض الدولة ردّ ما يتوجّب عليها. الخسارة تعني فقدان الثقة المحلية والخارجية الى الأبد. الخسارة تعني ان الدولة ماضية في سياسة الفساد مهما كلف الأمر. الخسارة تعني فقدان صدقية لبنان لدى المجتمع الدولي الذي مدّ يده للإنقاذ، ولكن على قواعد علمية لا كيدية، واستناداً الى معلومات ووقائع لا تقديرات وتخمينات. وفي كل ذلك، خسارة للبلد وللإقتصاد وللمواطن.

الوقت حرج ولا يتّسع لتقاذف المسؤوليات ولتعميم ثقافة التخاطب بالأوامر. فسعر الدولار لن يتحدّد بقرارٍ حكومي، بل هو معادلة قائمة على الثقة والإصلاحات والتخطيط العلمي للإنقاذ وتفعيل النمو مُجَدَّداً ليُتيح فرصَ عملٍ جديدة ويُحافظ على الصامد منها، وإن بنصف راتب. وهذا يتطلّب تعاوناً مَرِناً وتقارباً تنسيقياً ما بين السلطات والأجهزة المعنية بالقطاع المالي، لتكون الحكومة هي الحاضنة والمُشرفة لا الآمرة الناهية والمُتفرّجة!

إستعادة الثقة هو المطلوب اليوم، لا قرارات اعتباطية لحكومة “مُستشارين” اتضح انها في حاجة الى استشارة لتصوّب ما أصاب رؤيتها الإنقاذية من انحرافات حادة!

  • فيوليت غزال البلعة هي صحافية وباحثة إقتصادية لبنانية.يُمكن متابعتها على الموقع الإلكتروني التالي والذي يُنشَر عليه في الوقت نفسه هذا المقال: arabeconomicnews.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى