الأمرُ لا علاقة له بصواريخ “باتريوت”

بقلم بلال صعب*

أفضل طريقة لوصف قرار إدارة دونالد ترامب بسحب وإزالة أنظمة الدفاع الصاروخية “باتريوت” من المملكة العربية السعودية هي من خلال تسليط الضوء على عدم أهميته العسكرية وأهميته السياسية. والواقع أن هذه الخطوة لا تُقلّل بأي حال من الأحوال قدرة الولايات المتحدة في الردّ على أيّ عدوان إيراني إذا اختارت ذلك. يُمكن لواشنطن القيام بذلك حتى مع وجود نسبة أقل بكثير من القوات الموجودة حالياً في المنطقة. إن الموقف الأميركي في المنطقة، وفي المملكة العربية السعودية خصوصاً، سعى دائماً إلى ردع التهديدات، وليس الدفاع عنها. هناك مساحة جغرافية وجوية كبيرة للدفاع عنها، والآن مع الدقة والتكنولوجيا المتطورة في أيدي الخصوم، بما في ذلك إيران، فأميركا هي أقل قدرة على مواصلة ومتابعة الدفاع الشامل.

المشكلة هي أن واشنطن ليست قادرة حتى على ردع مَن ترغب بردعه في هذه الأيام، كما أوضح الهجوم على منشآت أرامكو السعودية في بقيق وخريص في أواخر العام الفائت. وهذا السحب الأميركي للأصول لا يُعزز الردع ولا يُعيقه أو يُعوّقه. إن ما يُقوِّض هو كامل السياسة الأميركية إزاء المملكة العربية السعودية القائمة على الردع والتزام الولايات المتحدة الأمني تُجاهها، وهو أمرٌ مشكوكٌ ومُشتَبَه به في أفضل الأحوال. عندما يزعم الرئيس ترامب أنه هدّد القيادة السعودية بسحب وإزالة جميع القوات والمعدات الأميركية إذا لم تُوقف الرياض حرب أسعار النفط مع روسيا، فإن إيران تفرح. وعندما يقول الرئيس الأميركي مراراً وتكراراً أن المملكة العربية السعودية لن تعيش لأكثر من أسبوعين إذا انسحبت أميركا (بغض النظر عما إذا كان على حق أم على خطأ)، فإن إيران تصغي وتستمع.

ليست الأجهزة الأميركية الموجودة في المنطقة هي التي تؤثر في حسابات الإيرانيين (على الرغم من أنني لا أقترح إزالتها كلها، فبدلاً من الهَوَس بحجم الوجود الأميركي، سأُركّز كثيراً على الإستعداد العسكري ونشر القدرات). الواقع إن العلاقة بين الولايات المتحدة مع السعوديين، وبأي معيار موضوعي، هي في أزمة. بالطبع، إن واشنطن ليست مسؤولة وحدها عن هذا المأزق. لقد جلب السعوديون ذلك على أنفسهم أيضاً، وقد لعب كلٌّ من الحرب في اليمن وقتل الصحافي جمال خاشقجي دوراً كبيراً في ذلك. كما أن اعتماد أميركا بشكل أقل على النفط السعودي مُهمٌّ في الوقت الحاضر أيضاً.

سيواصل الإيرانيون، كما فعلوا دائماً، إختبار الشراكة الأميركية – السعودية. وإلى أن نعرف مَن سيؤدّي اليمين الدستورية كرئيسٍ للولايات المتحدة في كانون الثاني (يناير) 2021، ستكون الأمور مُتوتِّرة في المنطقة.

  • بلال صعب زميل كبير في معهد الشرق الأوسط في واشنطن ومدير برنامج الدفاع والأمن. الآراء الواردة في هذا المقال هي خاصة به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى