هل سيُعرقِل الوباء أجندة الإصلاح في المملكة العربية السعودية؟

تواجه المملكة العربية السعودية تقلباتٍ في سوق النفط والإغلاق الناجم عن فيروس كورونا، الأمر الذي ولّد ضغوطاً على اقتصادها، وهذا ما جعل بعض المتابعين يقول بأن هذا الوضع سيختبر مدى التزام الرياض باستراتيجيتها الإقتصادية ل”رؤية 2030″. التقرير التالي يُلقي الأضواء على ذلك.

محمد عبد الله الجدعان: “الحكومة لديها قدرة كبيرة على تنويع مصادر التمويل لمعالجة التحديات الناشئة”

 

الرياض – راغب الشيباني

بدأ عهدٌ جديد من التحوّل الإقتصادي في المملكة العربية السعودية في نيسان (إبريل) 2016. مع انخفاض أسعار النفط إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ 12 عاماً، كشفت البلاد عن “رؤية 2030″، وهو برنامجٌ طموح مُصمَّم للحد من اعتماد المملكة على عائدات النفط، وتعزيز القطاع الخاص، وزيادة الإستثمار الأجنبي، بما في ذلك في القطاعات الإقتصادية المُتخلّفة حتى الآن مثل السياحة والترفيه.

تضمّنت المعالم الرئيسة للاستراتيجية الإقتصادية ما يلي: محاولة لتعزيز فُرَص العمل للمواطنين السعوديين من طريق فرض قيودٍ على العمالة الوافدة؛ إستثمار غير مسبوق في المشاريع السياحية والترفيهية، بما في ذلك مشروع البحر الأحمر والقدية؛ والطرح العام الأولي البارز بقيمة 26 مليار دولار لشركة النفط الوطنية أرامكو السعودية في كانون الأول (ديسمبر) 2019.

سريعاً حتى العام 2020، تواجه “رؤية 2030” أصعب تحدّ لها حتى الآن، حيث تُصارع المملكة صدمات مزدوجة ناتجة عن تفشّي فيروس كورونا العالمي وأزمة نفط أعمق من أزمة العام 2016. وبينما لا ينبغي الإفراط والمبالغة بالتأثير في الموارد المالية الوطنية، فإن خفض الإنفاق في المدى القصير سيؤدي بلا شك إلى تعليق العديد من المشاريع الطموحة.

يقول جون سفاكياناكيس، خبير في شؤون الخليج في جامعة كمبريدج البريطانية: “يواجه العالم والمملكة العربية السعودية أزمة فريدة في العمق والإتساع في العام 2020. في مثل هذا المناخ، سيكون من الضروري بالطبع إعادة تحديد “رؤية 2030″، لأن مكافحة الهزات الإرتدادية لـ”كوفيد-19″ أصبحت الآن أولوية أساسية للجميع”.

صدمة نفطية

بعد أربع سنوات من إطلاق “رؤية 2030″، لا يزال الإقتصاد السعودي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط. وبصفتها ثاني أكبر منتج في العالم بعد الولايات المتحدة، يُمثل النفط في المملكة أكثر من 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وما يقرب من 70٪ من الإيرادات المالية ونحو 80٪ من الصادرات، وفقاً لصندوق النقد الدولي.

إعتباراً من العام 2020، تراجعت أسعار النفط من 68 دولاراً إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل في منتصف آذار (مارس)، مدفوعةً بانهيار الطلب العالمي وحرب أسعار كبيرة بين السعودية وروسيا. وقد فشل اتفاق تخفيض الإنتاج في منتصف نيسان (أبريل) بين منظمة البلدان المصدرة للبترول وروسيا وأميركا، الذي أزال 10 ملايين برميل يومياً من الإمدادات العالمية، في رفع الأسعار، التي ظلت عند أدنى مستوياتها منذ 17 عاماً وقت كتابة هذا التقرير.

“نُقدّر أن الإيرادات المالية للمملكة العربية السعودية ستنخفض بما يقارب 40٪ (أو ما يقرب من 9٪ من الناتج المحلي الإجمالي) هذا العام، وسيتضاعف العجز المالي إلى ما يقرب من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 بعدما كان 4.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2019″، قالت وكالة “موديز” في مذكرة بحثية نُشرت في منتصف نيسان (أبريل). وأضافت: “نتوقع أن يزيد الدين الحكومي [بأكثر من] 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2021 من 22.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019”.

في مواجهة مثل هذا الواقع، أعلن وزير المالية محمد عبدالله الجدعان في 18 آذار (مارس) أن المملكة العربية السعودية ستُخفّض الإنفاق في العام 2020 بمقدار 50 مليار ريال سعودي (13.32 مليار دولار) – وهو ما يعادل أقل بقليل من 5٪ من إجمالي الموازنة العامة – في المناطق التي سيكون فيها الأثر الإجتماعي والإقتصادي في حدّه الأدنى. بعد ذلك بيومين، كشف النقاب عن تدابير تحفيزية بقيمة 120 مليار ريال لمساعدة القطاع الخاص، بما في ذلك 50 مليار ريال مُخصّصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وأعلن أن الحكومة رفعت سقف ديونها من 30٪ إلى 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

وشدّد الجدعان على أن الحكومة “لديها قدرة كبيرة على تنويع مصادر التمويل بين الدين العام والإحتياطات الحكومية لمعالجة التحديات الناشئة بشكل ملائم”، لكنه أصرّ على أنه ليست لديها خطط لتصفية أصول أو الاستفادة من احتياطاتها العميقة.

كانت استجابة السوق إيجابية حتى الآن. في 15 نيسان (إبريل)، جمعت البلاد 7 مليارات دولار من أسواق الديون من خلال إصدار ثلاث شرائح، مع وجود طلبات بأكثر من 35 مليار دولار، وفقاً ل”رويترز”. وجاء هذا الإصدار بعد أن قامت السعودية باستغلال أسواق الديون مقابل 5 مليارات دولار في كانون الثاني (يناير) عبر إصدار خارجي.

في حين أن إصدارات الديون هذه ستؤدي إلى اتساع عجز الموازنة في المملكة العربية السعودية بشكل ملحوظ، فإن هذا الإجراء لم يكن مؤشراً حقيقياً إلى قدرة البلاد على تجاوز الأزمة، وفقاً لما قاله وليام جاكسون، كبير الاقتصاديين في قسم الأسواق الناشئة في “كابيتال إيكونوميكس”. “من المرجح أن يلعب عجز الحساب الجاري دوراً أكبر من عجز الموازنة في تحديد تحمل السعودية لانخفاض أسعار النفط. حتى إذا انخفضت أسعار النفط إلى 25 دولاراً للبرميل، فقد تكون الرياض قادرة على تمويل عجز الحساب الجاري لمدة تصل إلى عشر سنين”، حسب قوله.

المصاعب غير النفطية

يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الإقتصاد السعودي بنسبة 2.3٪ في العام 2020، بعد أن نما بنسبة 0.3٪ في العام 2019، قبل أن يعود إلى نسبة 2.9٪ في العام 2021، على افتراض الرفع المتوقع للقيود في الداخل والخارج لاحتواء انتشار الفيروس التاجي.

في حين أن مثل هذا الإنكماش في العام 2020 سيُشير إلى أسوأ أداء للإقتصاد منذ 18 عاماً، فإن الإنخفاض ليس حاداً مثل ذلك الذي حدث في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى الأوسع (التي من المقرر أن تنكمش بنسبة 2.8 ٪)، مع توقع أن تشهد كلٌّ من الإمارات العربية المتحدة وقطر وعُمان انخفاضات أعمق خلال العام. ولعلّ الأمر الأكثر إثارة للقلق في المدى القصير هو انتكاسة القطاع غير النفطي المهم في المملكة العربية السعودية، والذي يُنظر إليه على أنه لبّ وقلب استراتيجية التنويع في المملكة. بعد تسجيل نمو مرتفع لمدة ست سنوات بنسبة 3.3٪ في العام 2019، من المقرر أن ينكمش القطاع غير النفطي بنسبة 4٪ في العام 2020، وفقاً لصندوق النقد الدولي.

كمؤشر إلى الأمور المُقبلة، إنخفض “مؤشر مديري المشتريات” في المملكة العربية السعودية لشهر آذار (مارس) (بناءً على استطلاعات المديرين غير النفطيين قبل الإغلاق الكامل) إلى أدنى مستوى على الإطلاق عند 42.4 مقارنةً بـ 52.5 في شباط (فبراير)، وهي المرة الأولى التي انخفض فيها إلى ما دون 50 نقطة، وهي درجة تُشير إلى انكماشٍ في الإقتصاد غير النفطي.

“القطاعات الأكثر ضعفاً هي التجارة المحلية، حيث نتوقّع انخفاضاً بنسبة 10٪ في القيمة الحقيقية، وقطاع البناء، حيث نتوقع انخفاضاً بنسبة 3٪، على الرغم من أن [القطاع] يجب أن يتلقى بعض التعويضات من الإنفاق من قبل صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادية للمملكة)”، يقول جيمس ريف، كبير الاقتصاديين في مجموعة سامبا المالية.

وفي أواخر آذار (مارس) أعلنت المملكة عن تعليق العمل في المرحلة الثالثة من توسعة المسجد الحرام في مكة بتكلفة 100 مليار دولار بسبب مخاوف من الإصابة بالفيروس التاجي. وكان تباطؤ النمو الاقتصادي في العامين 2016 و2017 أدّى إلى تأخير طويل في مدفوعات الحكومة للمقاولين، مما أثّر بشدة في القطاع الخاص.

يقول ريف: “آمل بشدة أن يكون الأمر مُختلفاً هذا العام، وأعتقد أن السلطات تُدرك ما حصل في العام 2016 وستبذل قصارى جهدها لتجنّب تكراره. ما يمنحني الثقة هو أن أنظمة إصدار الديون وإدارتها قد تحسنت كثيراً على مدى السنوات الخمس الماضية. لقد أصدرت السلطات ديناً تقليديا وإسلامياً بعملات متعددة في كل من الأسواق المحلية والخارجية، وأنشأت مُنحنى للعائد ونظام تاجر أساسياً. وهذا يعني أن تمويل العجز هو أكثر وضوحاً مما كان عليه في العام 2016”.

قطاعات ضُرِبت

من المُرجَّح أن يتأثر الإنفاق سلباً في قطاع التجزئة وصناعة الترفيه والسياحة الوليدة في المملكة العربية السعودية أيضاً، بسبب الإغلاق المستمر المُصمَّم لمنع المزيد من انتشار الفيروس التاجي. “خلال العام 2019، كان قطاع تجارة التجزئة والضيافة أحد المحركات الرئيسة لنمو القطاع الخاص غير النفطي، ويرجع ذلك جزئياً إلى الإنتعاش القوي في الأحداث العامة، بما في ذلك المهرجانات الرياضية والموسيقية والثقافية والتسوّق التي تم الترويج لها ورعايتها من قبل الهيئة العامة للترفيه، وهي من أهداف رؤية السعودية 2030″، بحسب وكالة موديز.

علاوة على ذلك، فإن تفشّي الفيروس التاجي سيضرب بشدة قطاع السياحة الدينية، مع تعليق الحج والعمرة منذ أوائل آذار (مارس)، والحج السنوي، الذي يقع في أواخر تموز (يوليو) من هذا العام، والذي جذب في العام الفائت 1.9 مليون زائر أجنبي بالإضافة إلى 600,000 من السكان المحليين، “من المرجح أن يكون مُقيّداً بشكل كبير”.

على الرغم من تضرّر الإقتصاد في المدى القصير، فإن المحللين واثقون من أن أجندة تحويل “رؤية 2030” لن يتم التخلّي عنها بخفة. ويقول ريف: “أعتقد أن هذا العام سيُعتبَر استثنائياً على مستوى العالم، ليس فقط في المملكة العربية السعودية، ولكن لا يوجد سبب للإعتقاد بأن خطة “رؤية 2030″ سوف تتوقف. يُمكن – وينبغي – مواصلة إدخال التعديلات على بيئة الأعمال هذا العام”.

ويوافق سفاكياناكيس من جامعة كمبريدج على هذا الكلام، ويُلاحظ أن الارتفاع المستمر لبدائل النفط يجعل الإصلاح الاقتصادي المستمر ضرورياً للبلاد: “إن “رؤية 2030″، حتى لو أعيد تشكيلها أو تعديلها، هي ضرورة أكثر من أي وقت مضى في بيئة من عدم اليقين بشأن أسعار النفط. ليس أمام المملكة العربية السعودية من خيار سوى البقاء في زورق الإصلاح، لأن الوقت والتكنولوجيا ليسا إلى جانبها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى