“الدشمة”

بقلم راشد فايد*

لِمَن لم يَعِش الحرب، وزمن “الدشمة”، وجب الشرح له أنها المُكعّبات الإسمنتية التي تُحيط اليوم بدور وقصور كبار هذه الأيام، من سلالات الميليشيات السياسية والإقتصادية، للوقاية من العاتيات الشعبية التي لا بدّ آتية. وهي كانت في ذاك الزمان لصدّ نيران “العدو” وحجب الرؤية عنه، وحماية السكان من القَنص.

لا تنطبق هذه التسمية، قدر ما تنطبق على رئيس الحكومة المستحدث، الدكتور حسّان دياب، فهو يتقدّم، طائعاً مُختاراً، إلى هذا المقام، دشمة دفاع عن “العهد القوي” الذي اعتاد صاحبه القيادة من الصفوف الخلفية، كما يروي زملاؤه، معارك سوق الغرب الشهيرة إبّان الحرب البائدة. ولولا استلحاق الحكومة إقرار ما سُمّي ورقة إصلاح إلى صندوق النقد الدولي لكادت  تنهي، بصفر انجاز، المئة يوم، المُتعارَف عليها كفترة اختبار لكل حكومة جديدة. ولا يرعوي، دولته عن استنفار العداوات السياسية، لكأنه يستدعي السهام إلى السراي، بدل بعبدا، وحتى اللقلوق، حيث يتريض “الداماد” وهذا اسم صهر السلطان العثماني. من ذلك افتعال “إعتداء معنوي على الحراك الشعبي بالتهويل بوجود “مُندسّين” في صفوفه، “معروفين من الأجهزة الأمنية” بما يُذكّر بحال الأنظمة الديكتاتورية حين تتهدّد بانتفاضة شعبية، فيحل الهذيان الأمني محل حكمة القيادة. كما في القول، في السراي، إنه يريدون انهيار البلد.

لا يبعد عن هذ الدور سحب التعيينات في المصرف المركزي من على طاولة مجلس الوزراء، وعدم مناقشة تجزئة التشكيلات القضائية، واستدامة عقد جلسات مجلس الوزراء في مقر رئاسة الجمهورية إلّا ما ندر، بينما العكس هو السليم دستوريًا، كما لا يبعد أيضاُ تصدي دياب للإشتباك مع حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة، استكمالاً لدورٍ أطلقه صهر رئيس الجمهورية، جبران باسيل، ثم إرتأى أن يبتعد ليلزّمه إياه، مُتنسّكا في اللقلوق، مُبتعداً عن الشاشة السياسية، قدر الإمكان، لصياغة إطلالة جديدة تُناسب معركة خلافة عمه.

لعل أبرز مظاهر دور “الدشمة” إدمان دولته على اسطوانة مجروحة اعتاد “التيار الوطني الحر”، من رأسه ورئيسه إلى أصغر جرموز فيه، على ترنيم لحنها، وهي تحميل عبء الأزمة المالية إلى حكومات الرئيس رفيق الحريري والتعامي عما أنجز من المطار إلى الجامعة اللبنانية وإعادة بناء قلب بيروت، وتطوير شبكة المدارس الرسمية، وشق الأوتوستراد العربي، واسنضافة القمم العرببة والفرانكوفونية، واعتراف المجتمع الدولي بالشرعية الدولية لحق المقاومة اللبنانية في الدفاع عن لبنان.

نهاية الـ 100 يوم تقترب وهي عادة وصلتنا من الإدارات الأميركية، وربما سيكون آخر أيامها سبباً ليُبلغنا رئيس الحكومة بالإسم عن الإصلاحات الـ57 في المئة التي نفّذتها مما وعدت به بعدما نالت الثقة في مجلس النواب.

قد يكون غداً الأربعاء (6/5/2020) يوماً تاريخياً، بحجة أن الفئات السياسية كافة تلتقي لنقاش مفترض في الورقة الإصلاحية، فتكون حكومة دياب أول حكومة تسجل 3 أيام تاريخية متتالية: التنقيب عن الغاز، ووضع الورقة الإصلاحية، واللقاء النيابي بسببها.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن التواصل معه عبربريده الإلكتروني: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى