العرب ومناعة القطيع؟

بقلم عرفان نظام الدين*

دروسٌ كثيرة تعلّمناها ونُحاول فكّ طلاسمها نتيجةً لجدول جائحة “كورونا” الشريرة الغامضة، من بينها أن العالم كلّه مُهدَّدٌ بخطرِ الإنقراض بطرفة عين وإن كان يختبئ في بروج مُشيَّدة لا حصانة له بعدما اتضح فشل الكبار والصغار في مجابهة الخطر.

درسٌ بليغ علينا ان نُدرِك معانيه وتبعاته، وأن نُعيد حساباتنا وأسلوب حياتنا، ونعمل على ترميم.الروابط العائلية والعلاقات الإجتماعية والإنسانية والوطنية في زمنٍ إنكشفت فيه عَورات المُهيمِنين على مصير الشعوب دون ان يُدركوا أن الله أكبر منهم ومن غرورهم وجبروتهم.

إلّا أن أهمّ درسٍ استخلصناه من البلاء يُثبت أن القوى المُهيمنة، التي تتغنّى بحقوق الإنسان والدفاع عن المظلومين، لا تملك ذرّةً واحدة من الإنسانية بعدما تمادت في الظلم وتهديد الحياة وتدمير البيئة والتسلّح الجنوني ضمن الصراع على المصالح الآنية الزائلة.

وأكبر دليلٍ على ذلك إستردادٌ من زمن الكوليرا يحمل عنوان “مناعة القطيع”، ويُدافع عنه عددٌ من العلماء وكبار المسؤولين وقادة الدول، وهو يتلخّص في رفض أي علاجٍ او لقاحٍ للكورونا والأوبئة الاخرى، وترك الناس تحت رحمة الفيروس فليمُت مَن يمت وليبقى مَن يصمد ويُقاوم.

وهذا بالفعل ما جرى وأدّى إلى زيادة عدد الضحايا، ولا سيما من المُسنّين والمرضى والضعفاء المُعرّضين، حتى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يخفِ تعاطفه مع هذه الفكرة عندما قال أن كلفة علاج هؤلاء العجزة يُكلف أكثر بكثير من كلفة إيجاد العلاج واللقاح (علماً أن ترامب يبلغ 73 عاماً).

هذه النظرية.لها ايضاً جانبٌ عنصري لضم الجاليات العربية والإسلامية الى قائمة المُرشَّحين للموت. وهي مُستمَدّة من مبدأ قديم يحمل اسم مُطلِقه (نظرية مالتوس)، وتبنّاها العنصريون أخيراً، ومُلخّصها وجوب وقوع حربٍ كل فترة أو انتشار وباء قاتل يحصد ارواح الملايين، ويخفف من زيادة عدد سكان الكرة الارضيّة.

لم تترك هذه النظرية أثراً في العالم العربي لأنه ما زال يتبنّى مبادئ وقَيَماً لا إنسانية إلّا أن “مناعة القطيع” طُبِّقت في مجالات أخرى مثل القمع والقتل والتجميع وتعميم الناس على التحوّل الى قطيعٍ يُصفّق ويمضي الى المسلخ بكل استسلام وسعادة، ويعيش حالة فرح بلقمة خبز، أو بساعات إنارة، أو بمكرمة تبشِّره بقطعة لحم او قالب جبنة.

هذا النهج يُبنى على مقولة قديمة وهي: “جَوّع كلبك يتبعك”، واعتذر من البشر لان التشبيه جاء من أطراف اخرى.

وقضية الطعام والأكل هي الحالة الاستراتيجية الكبرى، ولا أهمية لأي شان قومي آخر بعد تحوّل القطيع إلى “روبوت” مُطيع يأكل ويشرب وينام ويسكت.

وأذكر أن الملك الحسن الثاني، عاهل المغرب الراحل، قال يوماً: “إن الجالس على الحكم يُشبه الإنسان الذي يجلس على عتبة داره ويُمسك بحبلٍ يجر فيه اسد، فإن لم يُطعمه انقضّ عليه والتهمه، وإن أفلت الحبل فتك به”.

أخيراً أذكر مقولة شهيرة للملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، في وصف السياسة والإدارة المتوازنة التي تقول بأن “الحكمَ سيفٌ ومَنسَفٌ” ولا حاجة للتفسير.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى