سوريا: إستنزاف المجتمع لإطعام الجيش

فيما يعمل الرئيس بشار الأسد على ضمان بقائه وتعزيز سلطته، فإن التغييرات التي أدخلها على قانون التجنيد العسكري السوري ستمنع إصلاح العلاقات بين القوات المسلحة والمدنيين.

الرئيس بشار الأسد: بقاؤه أهم من المجتمع؟

 

بقلم مُحسِن المُصطَفى

أقرّ مجلس الشعب السوري في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2019 تعديلاً على المادة 97 من قانون التجنيد في البلاد (المرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2007)، والذي ينطبق على الأشخاص الذين تهرّبوا من الخدمة العسكرية الإجبارية و”امتنعوا عن دفع رسوم فوات الخدمة مباشرة”. فهو يسمح بـ”الحجز التنفيذي على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمُكلّف بالدفع المُمتنِع عن تسديد بدل فوات الخدمة … وذلك بقرار يصدر عن وزير المالية من دون سابق إنذار عندما يبلغ 43 عاماً من العمر، وكذلك الحجز المؤقت على رأس المال الذي تحتفظ به زوجته أو زوجاته وأطفاله، إلى أن يتم الإثبات أن هذا المال لم يأتِ من “الشخص المعني”، في الحالات التي يكون فيها رأس ماله غير كافٍ” لتغطية رسوم فوات الخدمة المُحدَّدة.

يَعكِس هذا التعديل كيف يُواصِل النظام استنزاف الموارد المالية والبشرية والمؤسسية للمجتمع السوري لخدمة أجهزته العسكرية وضمان استقراره. لقد تمّ تمرير التعديل لتعزيز إيرادات النظام، وكان واحداً في سلسلة من الخطوات الوقائية التي تهدف إلى تخفيف آثار “قانون قيصر للحماية المدنية في سوريا” (أو “قانون قيصر”) الذي أصدرته الولايات المتحدة، والذي فرض عقوبات على النظام. لا يولي التعديل سوى القليل من الإهتمام للتأثيرات السلبية الناتجة على العلاقات المدنية – العسكرية في سوريا، والتي تدهورت منذ عقود.

كانت للنظام أسبابٌ لتعديل التشريع. وقد سمحت له المادة 97 وتعديلاتها بإجبار الرجال الذين تجاوزوا سن التجنيد والذين يسعون إلى إبراء الذمة على دفع 8000 دولار أو ما يعادل هذا المبلغ، بالإضافة إلى مصادرة الأصول المنقولة وغير المنقولة لأولئك الذين رفضوا دفع رسوم فوات الخدمة (للتحصيل بموجب قانون تحصيل الأموال العامة). ومع ذلك، فإن تشريع المصادرة المؤقتة لمبلغ مُعيّن يتناقض مع الفائدة المقصودة للتشريع، والتي كانت إجراء احترازياً في حالة احتاج النظام للاستيلاء على الأصول التي تم الطعن فيها أو غير الثابتة، ولأن مثل هذه المصادرات تحتاج إلى مراقبة لإثبات الحقوق وفقاً لقانون الإجراءات المدنية.

التحوّل في كانون الأول (ديسمبر) 2019 من “المصادرة المؤقتة” إلى “المصادرة التنفيذية” حدث بعد عامين من إقرار التعديل السابق، ربما من أجل إتاحة الوقت لفهم القانون وتفسيره وتجنب تفاقم الأزمة الإقتصادية في سوريا. كما أتاح الوقت للنظام للإحتفاظ ببعض السيطرة على الموارد البشرية داخل الجيش.

أي رجل سوري مؤهل للخدمة العسكرية، سواء كان مغترباً أو لاجئاً، لديه أربعة خيارات بمجرد تنظيم وضعه في السفارة السورية. يُمكنه أولاً العودة إلى سوريا وإكمال خدمته الإلزامية؛ ثانياً، دفع مبلغ 8000 دولار قبل بلوغه 43 عاماً، كما هو مُوَضَّح في المادة 13 من قانون الخدمة العسكرية؛ ثالثاً، دفع المبلغ عينه بدلاً من الخدمة، بعد بلوغ سن الـ 43؛ أو رابعاً، مواجهة المصادرة التنفيذية لأصوله والمصادرة المؤقتة لأصول زوجته أو زوجاته وأطفاله من دون سابق إنذار.

بمعنى آخر، أعلم النظام السوري مواطنيه الذين يعيشون في الخارج أنهم يستطيعون إكمال خدمتهم العسكرية الإلزامية، تعويضاً للنقص في الأفراد في القوات المسلحة، أو سيتعيّن عليهم عاجلاً أم آجلاً دفع المبلغ المُحدّد. وإلّا، فإنهم يخاطرون بالمصادرة التنفيذية الحتمية لأصولهم لتوفير الموارد المالية لمساعدة النظام على التغلب على أزمته الإقتصادية الخانقة.

إن التغيير الذي نناقشه هنا، التعديل الخامس للمادة 97، هو الأحدث في سلسلة من التعديلات المُماثلة، إلّا أنه لم يتم التصديق عليه رسمياً بعد من قبل رئيس الدولة، كما هو مطلوب بموجب المادة 100 من الدستور السوري لعام 2012. منذ النسخة الأولى من القانون الصادر في العام 2007، تم تغيير المادة 97 أربع مرات، على النحو التالي:

  • المرسوم التشريعي رقم 20، 2008: أُضيفت عبارة “تأخير إداري قانوني”.
  • القانون رقم 36 لعام 2009: تم تغيير قيمة المبلغ الواجب دفعه بدلاً من الخدمة، من 35 إلى 30 شهراً للملازم أو ضابط صف أو رقيب أول أو رقيب أو عريف، وفقاً لأعلى شهادة تعليمية للشخص.
  • المرسوم التشريعي 33 لعام 2014: حدّد المبلغ بدلاً من الخدمة بمبلغ 8000 دولار بدلاً من راتب 30 شهراً المذكور أعلاه، وفقاً للمستوى التعليمي للشخص. تم تعيين هذا المبلغ بغض النظر عن الراتب الذي كان الشخص سيحصل عليه في الجيش، وبالتالي جني مبالغ أكبر بسبب الإختلافات بين الرواتب.
  • القانون رقم 35 لعام 2017: هذا التعديل لأول مرة شُرِّعَ للمصادرة المؤقتة للأصول المنقولة وغير المنقولة لأولئك الذين يرفضون دفع رسوم فوات الخدمة.

يوضح الجدول التالي تعديلات على المادة 97 والإيرادات التي جلبتها للخزينة السورية منذ صدور القانون لأول مرة في العام 2007 – على افتراض أن الشخص هو ملازم مُجنَّد. هذه هي الرتبة التي يمنحها الجيش السوري للمجنّد الذي أتم أربع سنوات من الدراسة الجامعية. بشكل عام، يتم تحديد رتبة لكل نوع من أنواع التأهيل، وسيحتفظ الجندي بها طوال مدة خدمته.

إن سعر السوق السوداء المُتصاعد لليرة السورية، والذي تجاوز الآن 1,100 ليرة مقابل كل دولار أميركي، يعني أن الفوائد المالية للنظام من رسوم الإعفاء من التجنيد قد تغيّرت بشكل كبير. يُغطي مثل هذا الرسم الفردي الآن رواتب 132 ملازماً لمدة شهر.

أجبرت التغيّرات الإقتصادية الهائلة التي هزّت سوريا منذ الإنتفاضة في العام 2011، وانهيار عملتها مقابل الدولار، النظام على البحث عن طرق لزيادة عائداته بسرعة. تحقيقاً لهذه الغاية، فقد استخدم كلاً من التشريعات البرلمانية والمراسيم الرئاسية. لقد حدّد أولاً رسوم تجنّب التجنيد بمبلغ 8000 دولار، مما أدّى إلى تحويل ورفع المصادرة المؤقتة، ثم التنفيذية، على أصول أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 42 عاماً (الحد الأقصى لسن التجنيد)، إلى أولئك غير القادرين على الدفع أو غير الراغبين في الدفع. كانت هذه خطوة استباقية ضد السوريين الذين يعيشون خارج البلاد، وخلق آلية يمكن للدولة من خلالها الاستيلاء على أصول المعنيين (المعروفين للنظام بالإسم)، والتي تشكل الغالبية العظمى من هذه الحالات في السنوات المقبلة.

يُعَدُّ هذا التغيير أيضاً إعتداء على حقوق اللاجئين، على غرار القانون رقم 10 لعام 2018 والآليات الأخرى التي صادر النظام من خلالها ممتلكات خصومه – سواء من المدنيين أو الذين انشقوا عن الجيش – بذريعة محاربة الإرهاب أو البحث عن الهاربين.

هذا التشريع هو الأحدث في سلسلة من القوانين والمراسيم التشريعية منذ العام 2011 التي تخدم وتُعزّز الجيش على حساب المجتمع. في المدى الطويل ومن خلال آليات متعددة، التي يُمكن أن تتطور أكثر استجابة للظروف المستقبلية، يُمكن لهذا التشريع إما أن يُزوّد الجيش بزيادة في عدد الأفراد أو ُيعزز إحتياطات الدولة من العملات الأجنبية. لكن بإقرار هذا التعديل، يُعمّق النظام السوري الإنقسامات الإجتماعية القائمة. فهذا المسار لن يساعد أبداً على التئام الجروح الهائلة التي خلّفتها تسع سنوات من الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى