براغماتية أم ضعف؟

بقلم راشد فايد*

يتسابق الخصوم، قبل الحلفاء، على اغفال دور “حزب الله” وسلاحه في ما وصلت اليه أمور البلاد وأهلها، ويكتفون بنقد مشاركته في استراتيجية الهيمنة الايرانية على المنطقة، ولَوم المتواطئين معه على الإلتحاق بها، وحتى خدمتها. إلّا أن الحزب وأمينه العام، السيد حسن نصرالله، حريصان على ان يظل دلوهما في بئر الأزمة، حتى حين ينكران أبوّتهما للحكومة الوليدة، ويريان في تسميتها بـ”حكومة حزب الله” ما يؤذي لبنان والعلاقات اللبنانية الدولية، حسب رأي نصرالله في خطابه أمس الأول، مُحدِّداً توصيفها بذلك بانه “من الكذب”. ولاستفظاعه “التهمة” وصفها بالتحريض.

لكن، لا بيان الحكومة عبّر عن موقع قوة للحزب، ولا خطاب الأمين العام، بلوَر ذلك. على العكس، يلمس المُتابع قتالاً تراجعياً، وبحثاً عن هدنة مع الخصوم. من ذلك غياب الثلاثية الشهيرة عن البيان الوزاري، وهي التي عطل البحث عن تحويرها وضع بيانات عدد من الحكومات السابقة، التي ما لبثت ان خضعت لمنطق الحزب. ومن ذلك، اضطرار الأمين العام ، في الخطاب نفسه، الى عرض التفاهم مع القوى المواجهة لدعم حكومته. يُضاف الى ذلك، قبوله بإسقاط  تمثيله وحلفائه بوزراء سياسيين رئيسيين، وإحلال مموهين بالتكنوقراط.

أهي لحظة ضعف، أم تصرّف براغماتي؟

الواضح انها براغماتية لتجنّب إشهار الضعف، وعكس ذلك سيزيد الحصار على الحزب (و لبنان) وهو أعجز من ان ينفي مسؤوليته عن تردّي الوضع المالي والإقتصادي، ولن يصمد تواريه خلف حكومة التكنوقراط أمام وضوح مسؤوليته المتراكمة منذ 2006، كما لن تبقى بيئته في حمى الدولارات المتوافرة لديه. فالدخول في حروب المنطقة، وشنّ الحملات السياسية ضد الدول العربية، ولعب أدوار في تخريب استقرارها، وخدمة المشروع الايراني، أتت ثمارها اليوم بأن صرفت الإهتمام العربي عن لبنان، وتركته وحيداً في مواجهة انفجار الأزمات. وما زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، أمس إلّا من علامات الأزمنة: نُحرّض على العرب ونُرحّب بايران.

ينسى الأمين العام ل”حزب الله” ان عنوان أغلب الحكومات منذ اتفاق الدوحة كان حكومة وحدة وطنية، شارك فيها جميع القوى السياسية، ولم تُقدّم شيئاً، فيما نحن اليوم أمام حكومة مُنسَجمة مبدئياً وفريق واحد أساساً، ما يجعل من الدعوة الى تفاهم لدعمها، تهرّباً من المسؤولية، على رأي رئيس حزب “القوات اللبنانية”، الدكتور سمير جعجع، خلال جلسة نقاش. وفي تقديره أن أكثر مَن يُمكنه دعم الحكومة هو “حزب الله”، بأن يرفع الغطاء عن حلفائه في السلطة و”ينسحب من حروب المنطقة، ويؤكد انخراطه في الحرب على الفساد وعنوانها الأبرز قطاع الكهرباء، وكذلك العمل على استرجاع صدقية الدولة” ومالها المهدور في المعابر غير الشرعية، والجمارك، والمرفأ، والمطار، والاتصالات، إضافة الى 5,300 موظف لا يَعمَلون.

ضربت الحكومة، في بيانها، موعداً، مبدئياً، لجدّيتها هو “وضع خطة طوارئ قبل نهاية شباط (فبراير) الجاري لمعالجة حاجات الناس الطارئة والمُزمنة ومواجهة الإستحقاقات الداهمة”. 16 صفحة من الوعود، إمتحانها مسألة أيام.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي، مُحلّل سياسي لبناني، وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشَرُ هذا المقال أيضاً في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى