مُنقَسِمٌ ومُقَسَّمٌ، اليمن يتجه نحو التفكّك والإنهيار!

يبدو أن الحرب الأهلية المُستَعِرة منذ أكثر من خمس سنوات في اليمن وتداعياتها الخطيرة لا تكفي أهله، إذ أن حدوداً داخلية محلية قد نشأت لتُفاقم المعاناة، وهو أمرٌ استفادت منه واستغلّته المليشيات بشكل كبير جداً.

 

الرئيس عبد ربه منصور هادي: صفة من دون سلطة

 

بقلم أحمد ناجي*

تفاقمت الكارثة الإنسانية التي عانى منها اليمن خلال السنوات الخمس الماضية بسبب عزلة البلاد الخانقة عن العالم الخارجي. حاصر التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية معظم الموانئ الجوية والبحرية اليمنية. وفي الوقت عينه، أدّى القتال إلى عزل مناطق اليمن عن بعضها البعض. إن توسيع منطقة النزاع وسيطرة الأطراف المحلية المُتنافسة على مناطق مختلفة قد ساهما في نشوء حدود داخلية أبقت السكان مُنقَسمين ومُقَسَّمين بصورة منهجية.

أحد الأمثلة على هذه الديناميات هو الصعوبة المتزايدة للعبور من الجزء الشمالي من تعز، الذي تسيطر عليه ميليشيات “أنصار الله”، المعروفة أكثر بحركة الحوثيين، إلى وسط المدينة، الذي تُسيطر عليه أحزابٌ موالية للحكومة المُعتَرَف بها دولياً. على الرغم من أن المسافة بين المنطقتين لا تبعد سوى بضعة كيلومترات، إلّا أن الرحلة قد تُشعِرُك بأنك تعبر حدوداً دولية. يُجبَر أكثر المسافرين على استخدام طُرُقٍ وَعِرة بديلة تؤدي إلى رحلات قد تستغرق ساعات طويلة في الغالب.

هناك وضع مُماثل موجود على الطرق التي تربط مدن اليمن الشمالية، والتي يسيطر عليها الحوثيون. تم إنشاء العشرات من نقاط التفتيش العسكرية لفحص المسافرين وتفتيش أمتعتهم. عادة ما يطلب الرجال المسلحون الوثائق الصادرة عن رعاة المسافرين في الأماكن التي يزورونها، أو من طريق السلطات التي ينوي المسافرون رؤيتها. الهدف هو منع دخول أي شخص يُحتَمل أن ينتمي إلى المعسكر المعارض. كل مَن لا يستوفي المعايير يتعرّض لخطر الإعتقال.

يجد سكان المناطق الغربية والشمالية من اليمن صعوبة متزايدة في دخول عدن في الجنوب. لقد قيّدت قوات المجلس الإنتقالي الجنوبي، التي تسيطر على المدينة والبلدات المحيطة بها، تدفق الأشخاص إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها. ومع ذلك، هناك استثناء لذلك، إذ أنه يمكن للمسافرين عبر مطار عدن الدخول إلى المدينة، بشرط أن تكون لديهم تذكرة سفر صالحة والتعهّد بعدم البقاء في عدن.

في وسط وشمال اليمن، قام كلٌّ من الحوثيين والقوات الموالية للحكومة المُعترَف بها دولياً بإنشاء حدود داخلية من خلال إقامة نقاط تفتيش على أطراف المناطق التي يسيطرون عليها. وأبرزها نقطة التفتيش التي يسيطر عليها الحوثيون في منطقة رداع بمحافظة البيضاء، ونقطة تفتيش باب الفلج التي تسيطر عليها الحكومة في مأرب. كل هذه الحواجز، مرة أخرى، تُقيّد حركة الناس والبضائع.

بدورها فاقمت الجهات الفاعلة الإقليمية من التمييز والتقسيم الجغرافي في اليمن. في أوائل العام 2018، ضغطت الإمارات العربية المتحدة على حاكم سقطرى آنذاك لمنع دخول جميع اليمنيين باستثناء أولئك الذين كانوا في الأصل من الأرخبيل. دفع هذا الأمر السلطات المحلية إلى فرض قيود أخرى على غير المقيمين، مثل المطالبة برعايتهم من قبل السكان المحليين عند الرغبة في الزيارة. كما حدّت من استخدام القوارب من قبل المسافرين إلى الجزيرة، لمنع أعداد كبيرة من النازحين من الوصول إلى سقطرى. وبهذه الطريقة جعلت السفر الجوي الوسيلة الرئيسة للنقل إلى الأرخبيل. هذه الإجراءات ما زالت سارية على الرغم من الاختلافات بين الإمارات والسلطات المحلية في سقطرى.

فرضت الأطراف المُتحاربة هذه الحدود الداخلية الجديدة كتدبير مؤقت لإقرار سيطرتها. ومع ذلك، فقد تطورت هذه الأدوات إلى أدوات أكثر ديمومة لتقسيم اليمنيين وتقييد حركتهم، الأمر الذي خلق واقعاً جديداً من جيوب الأرض المعزولة جغرافياً. هناك مُبرّر إقتصادي للحفاظ على الوضع كما هو. مع استمرار الصراع ورسوخ اقتصاد الحرب أكثر، صارت لهذه الحدود الجديدة أدواراً إقتصادية قَيّمة. على سبيل المثال، أنشأ الحوثيون مركزاً للجمارك بالقرب من العاصمة صنعاء في مدينة ذمار. وقد فرض هذا المركز تعريفة عالية على البضائع الآتية من مناطق خارجة عن سيطرة الحوثيين، والتي تُمثّل مصدراً قَيِّما للدخل يساعد على تمويل الميليشيات.

وبالمثل، كما التهريب أمر شائع عبر الحدود الدولية، فقد تطور أيضاً على طول الحدود الداخلية لليمن. لتسهيل جهود التهريب، قام بعض الشبكات بالتنسيق مع الميليشيات في نقاط التفتيش ودفع لها جزءاً من إيراداته من عمليات التهريب. وقد ساعد هذا أيضاً على تشديد رغبة الميليشيات في الحفاظ على الوضع الراهن. كما أصبحت شبكات التهريب هذه مُنتشرة على طول الحدود البرية والبحرية لليمن، وتحوّلت إلى نقل سلع مثل الأسلحة والمخدرات.

لقد أثّرت الحدود الداخلية لليمن بشكل كبير في حياة المدنيين. بخلاف تقييد حريتهم في الحركة، فقد عزّزت هذه الحدود النزعة الإقليمية وحشدت المجتمع وراء الهويات المحلية، وهي ظاهرة ستكون لها آثار قصيرة وطويلة الأجل. من الناحية الإقتصادية، تتمتع هذه الحدود الداخلية بفُرَص عملٍ محدودة وتزيد من تكلفة السلع الأساسية، مما يُضاعف من معاناة اليمنيين العاديين. لقد تأثر الناس بشدة بقرار الحكومة المُعتَرَف بها دولياً بنقل البنك المركزي إلى عدن في العام 2016، والذي أضر بالقطاع المصرفي في صنعاء، وأدى إلى قرار الحوثيين الأخير بوقف استخدام الريال المطبوع حديثاً.

إن وجود الحدود الداخلية قد أضاف طبقة إضافية للتحديات العديدة التي تواجه اليمن، والتي تشمل إدارة حدودها الدولية والتعامل مع معركة الهيمنة بين دول المنطقة. لكن الحدود الداخلية ليست أقل أهمية. إن فهمها يسمح لفهمٍ أفضل لليمن والصراع الذي يدور فيه.

  • أحمد ناجي باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تتركز أبحاثه حول اليمن.
  • تم إنتاج هذا المقال بدعم من شبكة أبحاث “X-Border المحلية، وهو برنامج تموّله المملكة المتحدة. الآراء المعبر عنها في هذا المقال لا تعكس بالضرورة السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى