الفرد أساس الجماعة؟

بقلم راشد فايد*

ربما أن الأُمنية الأكبر التي يُفتَرَض ان يتمنّاها المُحبّون للشعب اللبناني، هي أن يُوقِف السياسيون التلاعب بالدستور، وفق مصالح احزابهم الطائفية، وانانياتهم النفعية، ومشاريع هيمنة إقليمية، ليسوا سوى ادواتٍ لتحقيقها، ولا قرار لهم فيها.

يقول السيد المسيح إذا فسد الملح بمَ يُمَلَّح؟ وعلى خطاه يتساءل اللبنانيون: اذا أفُسِدَ الدستور، فبمَ يُصلَّح البلد؟ وآخر المفاسد، ان يسوغ بعض أهل الحكم، دوراً لوزير سابق في تشكيل الحكومة المُنتَظَرة بحجة أنه رئيس أكبر كتلة نيابية وهو أمرٌ لو سَمِعَ به الخبير الدستوري الشهير، الدكتور إدمون رباط، الجدّ، لاهتزّت عظامه في لحده، استنكاراً. لكن هذا الزعم لا يخرج عن نهجٍ اعتمده “العهد القوي” منذ حلّ في قصر بعبدا، قبل 3 سنوات ونيّف، مفاده تعديل الدستور بالممارسة، لإرساء قواعد عمل تُناقضه، وتحل محله، مع مرور الوقت، ولم تكن رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب لطلب تفسير المادة 95 من الدستور، سوى مَعلَم بارز على هذا الدرب، لحق بغيره، وتوّجه، كالاستشارات الرئاسية قبل التكليف، وتجاهل ما تنطوي عليه استقالة رئيس الحكومة من ضرورة المبادرة الى تسمية رئيس حكومة جديد، يُسمّيه النواب لتشكيل حكومة جديدة. لكن الحجة الرئاسية لعدم الإقدام، ضمن وقت قليل، كان أن الدستور لا يُحدّد مدة لرئيس الجمهورية ليُبادر الى التشاور مع النواب، وأن التشاور، قبل التكليف يُسهّل مهمّة رئيس الحكومة الجديد، قبل ان يُسمّيه النواب.

عملياً، إبتدع هذا المنطق دوراً استباقياً لرئيس الجمهورية، لا نصَّ دستورياً في شأنه، وتجاهل أن غياب طابع العجلة في النص، لا يعني أن مهلة التسمية أمرٌ استنسابي يُقرّره الرئيس.

أزكى النقاش لهيب الطائفية التي لم يُقصّر وزير العهد في تأجيجها تحت مسمّى حقوق المسيحيين، لغاية في نفس جبران، وليس حرصاً على الدستور. وبما ان الضدّ يُظهر حسنه الضدّ، كما يُظهر سوأه، أيضاً، بدليل ان تظاهرات خرجت في بيروت وغيرها اعتراضاً على تكليف الدكتور حسان دياب، وعلى “ظلم السنة”، وهو شعار يُثلج صدور الطائفيين الذين لا يتقدّمون الصفوف إلا على جثّة الوطن. فبين “حقوق المسيحيين” و “شيعة… شيعة” صرخة “سنة…سنة” تكمل تأجيج الأجواء الطائفية.

في الصرخات الثلاث، المُتعمَّد منها والعفوي، ما يرسم أفاقاً سوداء، يُراد منها ان تُسقِط قبضة الإنتفاضة، التي تفتح المدى، جدّياً، أمام تضامن وطني يرفع من شأن الفرد كأساس للجماعة، لا كرقم في مجموعها، لذا لا يكون الرد على تحريف الدستور بالإرتداد الى المربع الطائفي، بل بالإحتماء بدستور الطائف، وحمايته. وإذا كان أن ترتفع اصوات طائفية تحت مسمى الحقوق المسلوبة، لأهداف نيرونية، أو خدمة لمشروع إقليمي أقلوي، فإن الصرخة المُضادة لا تخدم أهلها بل الآخرين، وكما كان المرحوم الرئيس تقي الدين الصلح يُردد: لا يحتاج سترة للدفء سوى العريان، وهذا ليس حال مَن كان يُوجِّه القول إليهم.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي، مُحلل سياسي لبناني وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكن التواصل معه على البيريد الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشر هذا المقال أيضاً في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى