فضائل إستقالة

بقلم راشد فايد*

سيُسجِّل التاريخ، يوماً، للرئيس سعد الحريري أنه انكفأ عن العودة الى السراي الحكومي، إلّا بشروطه، فأوقف بذلك تجديفاً في الدستور تفنّن “حزب الله”، ومشاركوه، فيه منذ حرب تموز (يوليو) 2006، وما جرت له من وهم قوة زاده افتخاراً بعلاقة تبعية مع إيران ومشروعها المَذهَبي الإقليمي.

رفض الحريري تشكيل حكومة بمقاسات الحزب وحليفيه، “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر”، فأسقط صيغة الحكومة التي تضمّ كل البرلمان، وتُلغي أُساس الديموقراطية، وهو وجود حكومة أغلبية تحكم، تُعارضها أقلية تُصوِّب عملها، وتُغنيه بالنقاش.

إبتعاد الحريري شخصياً، وكتلته النيابيةً، عن المشاركة في الحكومة، أهال التراب نهائياً على جثة الثلث المُعطّل الشهيرة، ويُفترَض أنه دفن نظرية إلزام القوى السياسية بالتسليم بتزعيم “القوي في طائفته” على كرسي رئاسة الجمهورية او رئاسة مجلس النواب، و(كان يفترض) رئاسة مجلس الوزراء التي أخرجها الحزب وحليفاه بحسّان دياب من “التحريف” الدستوري مشكورين.

نماذج من ترهات سياسية سقطت مُتوَّجة بسقوط كذبة الميثاقية المنسوبة عنوة الى وثيقة الطائف. وما هي منها في شيء، كمثل استقالة الوزراء الشيعة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ووصفها بالبتراء وغير الدستورية، على الرغم من أن نصابها الوطني كان قائماً، دستورياً، برغم الإستقالات الثلاث، وتحت ظلال تهديد ضمني لأي شيعي يُقدِم على الحلول محل أيٍّ منهم.

لقد أنهت الأزمة السياسية، في ما أنهت، زعم الديموقراطية التوافقية التي كانت غلالة تُمَوِّه التواطؤ والمُحاصصة بين أطرافها، ووضعت هذه النهاية الحزب أمام مسؤولية ما جرّت عبثيته، على لبنان، محلياً وإقليمياً ودولياً، من أعمال جرمية في بلاد العرب والعالم، كما في الداخل. وهو مع حكومة دياب لن يستطيع التلطّي من نتائج ما اقترف من استعداء للعرب على لبنان، وحرمانه من دعمهم المعنوي والمادي.

أما وقد آلت الأمور الى ما آلت إليه ، فإن الملاحظات السابقة تفرض السؤال: هل سيلتزم دياب بتطبيق حرفية دستور الطائف، أم سيصمت أمام السطو على نصوصه، وتحريف تطبيقها بنيّة العودة، بالتحايل، إلى سابقه، بعدما أنقذه الحريري من “الأسر”؟ وكيف له أن يهرب من صبغة “حزب الله” التي تلاحقه، منذ اختاره تحالف 8 آذار للرئاسة الثالثة؟ ولن يهرب!!!

يروي وزير سابق صديق، صاحب قلم وطرفة، نكتة سورية من زمان تكوين “الجبهة الوطنية التقدمية” بقيادة حزب “البعث” للإيحاء بديموقراطية النظام، وضمت اليه 11 تنظيماً وحزباً. تقول النكتة ان الحزب الشيوعي، الشريك في الجبهة صدّق “كذبة” الديموقراطية المُستَجِدّة، فرفع يافطة بإسمه على شرفة مقره، كتب عليها ” الحزب الشيوعي”، واذ مرّ بعثي في المكان، هاله الأمر، فأضاف عبارة “بإدارة حزب البعث”.

قد تكون نيّة الرئيس المُكلَّف حسان دياب حكومة مستقلين، لكن لن يكون سهلاً عدم إضافة “بإدارة حزب الله”. قد تكون واشنطن أول الكاتبين، وقد تكون التشكيلة الوزارية أول الفاضحين؟!

  • راشد فايد كاتب، صحافي، مٌحلّل سياسي لبناني وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى