جيلي يريد إنهاء الطائفية

بقلم غيدا طيّارة

أثبتت الإحتجاجات العفوية، التي بدأت في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، أن اللبنانيين قادرون على الإتّحاد. لقد أظهرت أن الصعوبات الإجتماعية والإقتصادية تتقاسمها مختلف طوائف البلاد، وكانت كافية لجعل أكثر من مليون مواطن يخرجون إلى الشوارع مطالبين بإلغاء النظام الطائفي.

على مدار أسبوعين تقريباً، إمتلأت الأماكن العامة في جميع أنحاء لبنان بأفراد يُلوّحون فقط بالأعلام اللبنانية، مُعرِبين عن استيائهم من القيادة السياسية الطائفية في البلاد وسلوكها الفاسد. وكما كانت مثل هذه المشاهد جميلة، ومطالب المُحتجّين طوباوية، كانت الحقائق التي ظهرت على السطح مختلفة جداً.

خلال الأيام الأولى من الإحتجاجات، إندلعت إشتباكات بسيطة بين المُحتَجّين ومجموعات من الشباب المدعومين من “حزب الله” وحركة “أمل”. لكن الأمور تحوّلت إلى الأسوأ في أواخر الأسبوع الفائت عندما هاجمت هذه الجماعات المُتظاهرين بعنف أكبر. وكان الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هؤلاء الرجال كانوا يصيحون “شيعة، شيعة” وهم يضربون المتظاهرين، ويُمزّقون خيامهم، ويحرقون لافتاتهم. ولم يُبدِ هؤلاء أي تعاطف مع حشود المحتجّين، ولم يشاركوا في دعواتهم لتغيير النظام اللبناني، كما لم يشعروا بأي دافعٍ لتقاسم ألم المتظاهرين أو مخاوفهم. وبدلاً من ذلك، إنطلقوا في حالة من الهياج، مُظهرين شراً تُغذّيه الخطابة الطائفية لأحزابهم السياسية.

في وقت لاحق من ذلك اليوم، إستقال رئيس الحكومة سعد الحريري، الأمر الذي كما يبدو قسّم المُحتجّين. فقد غمرت صور الحريري وسائل التواصل الإجتماعي، حيث صوره بعضهم كبطل. لكن الأمر المُثير للصدمة هو أن العديد من أولئك الذين كانوا يمتدحون رئيس الوزراء لتنحّيه هم الأشخاص أنفسهم الذين كانوا في الشوارع للإحتجاج على حكومته. فجأة، أصبح شعار المُحتجّين، “كلّن يعني كلّن”، بلا معنى لأن الناس عادوا لدعم زعمائهم الطائفيين.

في الواقع، عندما بدأت الإحتجاجات لم يكن أنصار حركة “المستقبل”، التي يتزعمها الحريري، يدافعون عن رئيس الوزراء وحكومته. لقد حدث هذا فقط بعد تنحّيه. وكشف ذلك عن رد الفعل الطائفي، حيث بدا أن استقالته تُشير إلى أن رئيس الوزراء السنّي كان الضحية الرئيسة للسخط العام، وليس رئيس الجمهورية الماروني أو رئيس البرلمان الشيعي.

الواقع أن الخطاب الطائفي يُشكّل أداة تستخدمها الأحزاب السياسية منذ فترة طويلة في لبنان، حيث تعتمد غالبية الأحزاب على الطائفة. ولا يتطلب الأمر سوى حزب سياسي واحد يستخدم البطاقة الطائفية لجعل الناس من المجتمعات الأخرى يشعرون بالحاجة إلى الإنزلاق مرة أخرى إلى الهيكل الواقي المتمثّل بطوائفهم أو الأحزاب السياسية الطائفية.

مثالٌ شائن على شخص يستخدم البطاقة الطائفية هو رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، الذي أيّد قانون مُواطَنة تمييزية. فهو يدعم السماح للنساء اللبنانيات المتزوجات من أجانب بنقل جنسيتهن إلى أطفالهن، باستثناء النساء اللواتي يتزوجن من سوريين وفلسطينيين. من خلال قيامه بذلك، يسعى باسيل، باعتقاده، إلى ضمان ألّا يتجاوز عدد المسيحيين عدد المسلمين عن عددهم اليوم.

إن الخطاب الطائفي مُتأصّلٌ بعمق في النظام السياسي اللبناني، وأحزابه، ومجتمعه، وقد يتطلب الأمر عشر ثورات للتخلص منه. من جهته يُبدي الجيل الشاب الأصغر سناً إستعداداً أكبر لاحتضان الهوية الوطنية العلمانية، الأمر الذي يمنحنا الأمل. ومع انتهاء الحديث عن الإحتجاجات وخسارة المُحتجين لمعركتهم، يُمكننا على الأقل التأكيد على أن هذا الجيل من اللبنانيين مُتعطّشٌ لإحداث التغيير مهما طال الزمن.

إن شعلة التغيير لن تنطفىء قريباً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى