الآثار الإقتصادية لانعدام الأمن في الخليج العربي

قد تفرز التغيرات الأمنية في الخليج آثاراً إقتصادية مهمة تؤدي إلى تداعيات سياسية وأمنية خطيرة فيما تواصل الولايات المتحدة العمل على الإنسحاب من المنطقة.

مضيق هرمز: عبره يمر معظم صادرات النفط والغاز في منطقة الخليج

 

بقلم هادي فتح الله*

في تموز (يوليو) الفائت، إحتجزت جمهورية إيران الإسلامية ناقلة نفط بريطانية. وكانت في حزيران (يونيو) أسقطت أيضاً طائرة إستطلاع أميركية من طراز “غلوبال هوك” عالية الإرتفاع التي يبلغ سعرها 200 مليون دولار، وتم تخريب ست ناقلات نفط مُحمّلة بالنفط الخام من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في أيار (مايو) وحزيران (يونيو). هذه السلسلة من الأحداث تُسلّط الضوء على الطبيعة المُتغيِّرة لأمن الخليج. رداً على التغيّرات، ناشدت دول مجلس التعاون الخليجي الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي التدخل أو سعت إلى إرضاء إيران. في المقابل، كانت طهران واضحة حول حيوية أمن الخليج لمصالحها والتي ركّزت على حمايتها من خلال وجودها الأمني عبر دورياتها البحرية المستمرة ونشر الصواريخ في الخليج.

على الرغم من أن انعدام الأمن الحالي، في المدى القصير، قد أدّى إلى زيادة كلفة المخاطر في صناعة تصدير النفط، فإن دول الخليج تُكافح من أجل حماية مصالحها بالنظر إلى أن التجارة الخليجية بأكملها – بقيمة 1.2 تريليون دولار – على المحك1. جميع دول الخليج العربي هي في المقام الأول من الدول المصدرة للنفط حيث يُشكل ما يصل إلى 80 في المئة من موازناتها الوطنية – بينما تُشكّل صادرات النفط  بالنسبة إلى إيران حوالي 30 في المئة من موازنتها العامة. على هذا النحو، فإن أمن سلسلة إمدادات تصدير النفط في الخليج أمرٌ حيوي، من الإنتاج والتصدير إلى المرافق والتخزين والنقل.

تُعتَبَر المملكة العربية السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في منطقة الخليج بإنتاجها حوالي 6.5 ملايين برميل يومياً من النفط الخام ومنتجاته. ويتم تصدير حوالي 80 في المئة من صادراتها النفطية عبر ميناء رأس تنورة وميناء الجعيمة وميناء الملك فهد الصناعي في الجبيل. ويصدر العراق، ثاني أكبر مصدر للنفط، حوالي 3.8 ملايين برميل يومياً – أي ما يقرب من 90 في المئة من إيرادات الدولة العراقية. وهي تُصَدَّر عبر محطتي البصرة وخور العمية للنفط، في أقصر السواحل على مياه الخليج. بدورها تجني قطر، أكبر مُصدّر عالمي للغاز الطبيعي، حوالي 40 مليار دولار من دخلها السنوي من شحن 77 مليون طن سنوياً من الغاز وحوالي 2.1 مليوني برميل من النفط الخام والمُكثّفات يومياً عبر مضيق هرمز. ومع حصة تقارب 30٪ من سوق الغاز الطبيعي العالمي، تقوم الدوحة أيضاً بزيادة إجمالي صادراتها من الغاز إلى 110 ملايين طن. ثلاثة أرباع هذه الصادرات ملتزمة بعقود توريد طويلة الأجل، والتي تُشحَن جميعها من الخليج. وإيران هي رابع أكبر مصدر للنفط في الخليج. تقع جميع موانئ ومحطات النفط الإيرانية الرئيسة داخل الخليج، بما في ذلك جزر الخرج، ولافان، وسيري، وعسلوية، وبندر عباس، وبندر الإمام الخميني، والتي تُصدِّر منها الجمهورية الإسلامية حوالي 2.5 مليوني برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات (قبل فرض العقوبات). وعبر المضيق المواجه لإيران، تُصدّر دولة الإمارات حوالي 1.7 مليون برميل نفط يومياً، بالإضافة إلى 800 ألف برميل يومياً تتجاوز مضيق هرمز عبر خط أنابيب أبو ظبي للنفط الخام إلى ميناء الفجيرة على المحيط الهندي.

لدى الرياض وبغداد وطهران قنوات تصدير بديلة. في حين أن هذه الدول قادرة على تجاوز المضيق من خلال التصدير عبر محطات “رابغ” وخط أنابيب كركوك-جيهان، والنقل البري وخطوط الأنابيب عبر البلدان المجاورة، على التوالي، فإن طرق التصدير البديلة في الواقع لن تُعوّض حتى أكثر من 40 في المئة من الصادرات الحالية من خلال مضيق هرمز. من ناحية أخرى، ليس لدى قطر والكويت والبحرين إمكانية الوصول إلى الطرق البديلة المحدودة لتصدير النفط. تُصدر الكويت حوالي 1.9 مليون برميل يومياً حصرياً من خلال هرمز، وهذا يُمثّل حوالي 90 في المئة من عائدات الصادرات الكويتية. البحرين هي أصغر الدول المصدرة للنفط في الخليج، حيث تُصدر حوالي 300 ألف برميل من المنتجات النفطية يومياً. هذا النقص في قنوات التصدير البديلة مع انعدام الأمن المتزايد سيؤثر بشكل غير متناسب في دول الخليج الصغرى.

التاريخ هو خير دليل على تأثير الإضطرابات في سلسلة إمدادات النفط. في العام 1984، إندلعت حرب ناقلات بين إيران والعراق والتي أثّرت في ناقلات النفط الكويتي، وأرغمت البحرية الأميركية على حماية المُصدّرين الخليجيين، وضبط الأمن في مياه الخليج بشكل فعال بأكبر قافلة بحرية منذ الحرب العالمية الثانية. لقد هدّدت حرب الناقلات بتعطيل إمدادات النفط العالمية. وقد عانت إيران من أضرار كبيرة في مرافق تصدير النفط في جزيرة الخرج، وفَقَدَ العراق شحنات كثيرة، وعانت الكويت وغيرها من المَصدَرَين من الأضرار وزيادة تكاليف النقل. وشملت الخسائر الإجمالية الإضرار بحوالي 450 ناقلة نفط تابعة لإيران والعراق والكويت والسعودية وشركات الشحن الدولية التي تُبحر تحت أعلام ليبيريا واليونان وقبرص ومالطا. وأسفرت حرب الناقلات عن سقوط 320 ضحية وإسقاط طائرة ركاب إيرانية بطريق الخطأ كانت نتيجته مقتل 290 شخصاً.

إن الإضطراب الحالي لأمن النفط في الخليج له آثار واسعة على الأمن والإقتصاد في المنطقة. إنه يؤثّر في الشحنات البحرية الأخرى، وكذلك النقل الجوي، حيث يقوم العديد من شركات النقل بتحويل الرحلات الجوية من فوق مضيق هرمز. وقد تواجه دبي والدوحة، اللتان تُسوَّقان كمركزين عالميين للنقل والخدمات اللوجستية والمراكز المالية، صعوبات إقتصادية. تبلغ القيمة الإجمالية للتجارة (إستيراد وتصدير جميع البضائع بما في ذلك النفط) التي يقوم بها جميع دول الخليج حوالي 1.2 تريليون دولار سنوياً. وبدون حساب الهروب المُحتَمَل للإستثمارات الأجنبية والودائع المحلية – وكذلك انخفاض قيمة الأسهم والعقارات في الخليج – فإن المخاطر الإقتصادية مرتفعة جداً.

بدافع من العقوبات الأميركية المُشدّدة، تؤكد إيران مصالحها من خلال التواجد البحري في الخليج. وفي الوقت نفسه، لم تفعل غالبية دول الخليج العربي الكثير للحفاظ وحماية حصصها الإقتصادية في اقتصاد الخليج، على افتراض أن الولايات المتحدة ستتولى الدور الريادي، كما فعلت في الماضي. ومع ذلك، تواجه هذه الدول إدراكاً أن الأولويات الجيوسياسية الأميركية قد تغيّرت، وأن أمن إمدادات النفط عبر مضيق هرمز قد لا يُعدّ أولوية لواشنطن. ان نشر الولايات المتحدة للقوات والمستشارين الأميركيين، البالغ عددهم حوالي 35,000 في قواعد شبه دائمة في الخليج، هو ليس لأغراض ضمان الأمن النفطي أو استقرار دول الخليج العربي، إنما نشرها هو نتيجة للأهداف الأمنية المتعلقة بنهضة الصين وإعادة تموضع أميركي على المستوى العالمي.

وهكذا يواجه الخليج العربي خيار تطبيق الردع كسياسة، من دون استعداء إيران. ان سياسة الردع، لا ينبغي أن تكون في شكل فرقاطات وبوارج باهظة الثمن أو أساطيل كبيرة، ولكن من خلال سياسة مشابهة لسياسات الأمن البحري الإيراني المرنة والمتعددة الاستخدامات، مع عدم اغفال أهمية التعاون من أجل الصالح العام.

  • هادي فتح الله مدير منطقة المشرق ومجلس التعاون الخليجي في مجموعة NAMEA Group ، زميل في معهد كورنيل للشؤون العامة في جامعة كورنيل، وعضو في مجموعة “المشكِّلين العالميين (Global Shapers) وهي مبادرة منبثقة عن المنتدى الإقتصادي العالمي. لمتابعته عبر تويتر:@Hadi_FAO 

 

  1. استنادًا إلى حسابات المؤلف الخاصة باستخدام بيانات UNCTAD للتجارة السنوية الإجمالية للبضائع التجارية لدول الخليج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى