رفض وزير الخارجية الإيراني لقاء ترامب في البيت الأبيض فوُضِع على قائمة العقوبات!

في آخر تموز (يوليو) الفائت، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، وذلك بعد التهديد بذلك قبل أسابيع، في الوقت الذي اعتبر ظريف، تلك العقوبات أنها لا تشكّل أي تأثير عليه أو على عائلته. ولكن لماذا كان هذا القرار؟ وما هي خفاياه؟

الوزير محمد جواد ظريف: لن أتاثر بالعقوبات الأميركية

بقلم روبن رايت*

في الشهر الفائت، وسط التوترات المتصاعدة بشكل سريع بين واشنطن وطهران، تلقّى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، دعوةً غير مُتَوَقَّعة للقاء الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض. قدّم العرض الديبلوماسي ممثل ولاية كنتاكي في مجلس الشيوخ، السناتور الجمهوري راند بول، خلال اجتماع مع ظريف في نيويورك في 15 تموز (يوليو)، وفقاً لمصادر أميركية وإيرانية وديبلوماسية مُطَّلعة.
بمباركةٍ من الرئيس ترامب، عمل بول على الفكرة لأسابيع عدة، بالتشاور مع البيت الأبيض ووزارة الخارجية. وقد اتصل وسيطٌ بالإيرانيين نيابة عن بول قبل ثلاثة أسابيع من وصول ظريف إلى نيويورك لحضور اجتماعات في الأمم المتحدة. في 14 تموز (يوليو)، قبل يوم من مغادرته واشنطن مُتوجّهاً إلى نيويورك، أجرى بول مناقشة حول إيران مع الرئيس الأميركي خلال لعبهما معاً جولة من الغولف في ملعب ترامب في ستيرلنغ في ولاية فرجينيا.
في 15 تموز (يوليو)، إلتقى بول وكبير مستشاريه، دوغ ستافورد ، ظريف في مقر إقامة سفير إيران في الأمم المتحدة في شارع “فيفث أفنيو”، الذي لا يبعد كثيراً من متحف متروبوليتان في نيويورك. خلال عقود من عمله الديبلوماسي، قام ظريف، الذي درس الدكتوراه تحت إشراف وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس في جامعة دنفر، ببناء علاقات مع عدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ. وقد أخبرني ظريف ومجموعة صغيرة من الصحافيين في وقت لاحق من الأسبوع الفائت، “إني أرى دائماً أعضاءً من الكونغرس”، من دون إعطاء أسماء. لكن هذا كان أول لقاء له مع بول، الذي يعمل في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.
تحدّث الرجلان في بادئ الأمر عن قضايا طال أمدها، لا سيما برنامج طهران النووي، وكذلك الحوادث التي اندلعت أخيراً في الخليج العربي، وفقاً للمصادر. في شهري أيار (مايو) وحزيران (يونيو)، إتّهمت الولايات المتحدة طهران بتخريب ست ناقلات نفط والإعتداء عليها خارج مضيق هرمز الاستراتيجي. في 20 حزيران (يونيو)، أسقطت إيران واحدة من أكثر طائرات الإستطلاع الأميركية من دون طيار تطوراً، مُدَّعية أنها كانت تُحلّق فوق الأجواء الإيرانية. قرّر ترامب الإنتقام العسكري، لكنه ألغى الأمر في اللحظة الأخيرة، بسبب الخسائر المُتوَقَّعة. وبينما كان ظريف في نيويورك، أسقطت أميركا بدورها طائرة إيرانية من دون طيار في 18 تموز (يوليو). مع تصاعد التوتر والغضب، كانت واشنطن تشعر بالقلق حيال احتمال نشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط. وكانت مهمة بول هي اختراق طبقات الصراع الفوضوية وإطلاق قناة ديبلوماسية مباشرة على أعلى المستويات. كان الإنفتاح بمثابة نسخة مُصَغَّرة من تكتيك ترامب في التحايل على الديبلوماسية التقليدية من خلال التعامل مباشرة مع القيادة الكورية الشمالية.
خلال محادثات استمرت ساعة، قدّم ظريف إلى بول أفكاراً حول كيفية إنهاء المأزق النووي ومعالجة مخاوف ترامب. قام في وقت لاحق بتوضيح بعضٍ منها لمجموعتنا من الصحافيين، وبعد ذلك بمزيد من التفاصيل لي. “كديبلوماسي، يجب أن أفكر دائماً في البدائل”، قال لنا. وكان من بينها فكرة أن البرلمان الإيراني يُمكنه التشريع، بواسطة إصدار قانون، لفتوى أصدرها المرشد الأعلى لإيران، أولاً في العام 2003 ومرة أخرى في العام 2010، والتي تُحظّر إنتاج أو استخدام الأسلحة النووية. قال آية الله علي خامنئي في العام 2010: “نحن نعتبر استخدام هذه الأسلحة حراماً، ونعتقد أنه من واجب الجميع بذل الجهود لحماية الإنسانية من هذه الكارثة الكبيرة”.
لكن إذا أراد ترامب المزيد، فسيتعيّن عليه تقديم وعرض المزيد، كما اقترح ظريف. هناك احتمال آخر يتمثّل في المضي قدماً في واحدة من الخطوات اللاحقة للصفقة النووية التي تم التوصل إليها بين إيران والقوى الست الكبرى في العالم في العام 2015، وتتعلّق بالاتفاق الذي تخلّى عنه ترامب في أيار (مايو) 2018. وقال ظريف إن الجمهورية الإسلامية يُمكنها تقديم موعد التصديق على ما يسمى بـ”البروتوكول الإضافي”، الذي من المقرر حالياً تنفيذه بحلول العام 2023، إلى هذا العام. وهذا البروتوكول، الذي تم توقيعه والتصديق عليه بالفعل من قبل 146 دولة، يسمح بإجراء عمليات تفتيش دولية أكثر تدخلاً – على المواقع النووية المعلنة وغير المعلنة في الدول الأعضاء – إلى الأبد. وقال لي داريل كيمبال، المدير التنفيذي لرابطة الحدّ من الأسلحة، يوم الجمعة في الثاني من الشهر الجاري أن “البروتوكول الإضافي هو وسيلة حاسمة يتحقق العالم من خلالها من أن إيران لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية”. مضيفاً أنه “إذا كنت لا تثق بالإيرانيين، فأنت تريد إجراء عمليات تفتيش إلى الأبد”. من خلال التصديق على البروتوكول، ستخسر إيران أحد بنود ما يسمى بغروب الشمس في صفقة العام 2015، والذي أثار الشكوك العميقة بين الجمهوريين، وبعض الديموقراطيين وإسرائيل والسعودية. في المقابل، إقترح ظريف، أن يذهب ترامب إلى الكونغرس لرفع العقوبات عن إيران، على النحو المنصوص عليه في الأصل بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 ولكن لم يتم التصديق عليه تشريعياً. عندها سيشعر الجانبان بأمان وثقة أكبر بالإلتزامات المطلوبة في الصفقة الأصلية.
إقترح بول أن يضع الديبلوماسي الإيراني الأفكار عينها لترامب شخصياً. الرئيس، قال بول، “سمح لي بتوجيه الدعوة إليك للإجتماع به في المكتب البيضاوي في وقت مبكر من ذلك الأسبوع”، حسبما أخبرتني مصادر أميركية وإيرانية وديبلوماسية. ورفض متحدث باسم البيت الأبيض التعليق على الدعوة رسمياً.
لقد تحدّى ترامب منذ فترة طويلة أعضاء فريقه “الصقور” – وبخاصة مستشار الأمن القومي جون بولتون – الذين شككوا في إمكانية نجاح ديبلوماسية رفيعة المستوى مع إيران. يوم الأربعاء (31 تموز/يوليو)، صرّح مسؤول كبير في الإدارة الأميركية للصحافيين، في مؤتمر صحافي عبر الهاتف، “لقد كان الرئيس ترامب منفتحاً جداً على استعداده للتحدث إلى القيادة العليا في طهران، وأنه بالتأكيد لم يمنع أياً من أصدقائنا أو حلفائنا من التواصل معها”. وقد حمّل ترامب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي رسالة عن الديبلوماسية المحتملة للمرشد الأعلى الإيراني في حزيران (يونيو) الفائت. وقال المسؤول أن “الرئيس لم يفرض أي قيود على المسؤولين المُنتَخَبين لإجراء محادثات مع نظرائهم الأجانب”.
خلال العامين الأولين، تواصلت إدارة ترامب مع إيران بشأن إجتماعات مُحتَمَلة على الأقل ثماني مرات، بما فيها مرتين عندما كان ترامب والرئيس الإيراني، حسن روحاني، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أخبرني ديبلوماسيون أوروبيون وإيرانيون. تم تقديم أحد هذه الطلبات عبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في العام 2017، في اليوم عينه الذي شنّ فيه ترامب حملة ضد إيران في الجمعية العامة. لقد وصف ترامب الجمهورية الإسلامية بأنها ديكتاتورية فاسدة قام زعماؤها بتحويل دولة ثرية “إلى دولة مارقة مُستَنفَذة إقتصادياً، وصادراتها الرئيسة هي العنف وسفك الدماء والفوضى”. ورفض روحاني، مُهاناً، الدعوة للاجتماع على انفراد.
من جهته، أخبر ظريف السناتور بول أن قرار مقابلة ترامب في المكتب البيضاوي ليس قراره، عليه أن يتشاور مع طهران. وقد أعرب في الوفت عينه عن قلقه من أن أي إجتماع قد لا ينتهي بأكثر من مجرد صورة فوتوغرافية، من دون أي مضمون، حسبما أفادتني المصادر. في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عندما قابلتُ ظريف في منتدى الدوحة، قال لي إن طهران تريد أكثر من مجرد صورة ووثيقة من صفحتين من أي محادثات مستقبلية – في إشارة إلى النتيجة المحدودة لقمة ترامب الأولى مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في سنغافورة في العام الفائت. وقال: “نحن لا نتحدث فقط عن فرصة لالتقاط الصور ووثيقة من صفحتين. لدينا وثيقة من مئة وخمسين صفحة”، في إشارة إلى الإتفاق النووي المُفصَّل الذي تخلّى عنه ترامب.
بعد لقائه مع بول، نقل ظريف العرض إلى قادة إيران الذين لم يوافقوا على أي إجتماع – في هذا الوقت. ومن المقرر أن يحضر روحاني الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل.
ممثل “ساوث كارولينا السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، يعمل أيضاً مع الإدارة الأميركية بشأن إيران، وإن كان ذلك على مسار مختلف. لقد كان جزءاً من المجموعة التي لعبت الغولف وناقشت أزمة إيران مع ترامب في 14 تموز (يوليو). غراهام، الذي هو أكثر تشدّداً من بول، يتشاور مع الحلفاء في إطار صفقة أوسع، وفقاً لصحيفة “دايلي بيست”. سوف يدعو طهران إلى قبول ما يُسمّى إتفاقية ال123، والتي تم تحديدها في التشريع الذي تم إقراره في العام 1954. وهي تفرض تسع ضمانات وإجراءات على استخدام المواد النووية – لضمان عدم تحويلها لصنع قنبلة – مقابل تعاون الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا النووية. لدى واشنطن 123 إتفاقية موقعة مع 49 دولة وتايوان.
“قلت للرئيس: ضع إتفاقية الـ 123 على الطاولة مع الإيرانيين. دعهم يقولون لا”، قال غراهام لصحيفة “دايلي بيست”. أعتقد أن الإيرانيين سيقولون لا. وأعتقد أن هذا لن يُعجِب الأوروبيين. “منذ تخلي ترامب عن الإتفاق النووي لعام 2015، إنقسمت الولايات المتحدة وأوروبا حول إيران أكثر من أي قضية أخرى منذ تشكيل التحالف الغربي بعد الحرب العالمية الثانية. تعهّدت بريطانيا وفرنسا وألمانيا مراراً وتكراراً بالإلتزام بالإتفاق النووي الأصلي. في حزيران (يونيو)، أطلقت هذه الدول آلية مالية، “إنستيكس” (INSTEX)، لمساعدة الشركات على التحايل على العقوبات الأميركية إذا أرادت التعامل مع إيران. مع تصاعد التوترات في الخليج العربي، ألقى الحلفاء القدامى باللوم على “الضغوطات القاسية” التي قامت بها الإدارة الأميركية في الأشهر الخمسة عشر الماضية، ولاموا النهج المتبع لإثارة رد إيراني عدواني. في الشهر الماضي، قاوم الأوروبيون أو رفضوا الإنضمام إلى عملية “سانتينال” (Sentinel)، وهي خطة أميركية لتأمين حركة الناقلات والأمن البحري في الخليج، واختاروا بدلاً من ذلك اتخاذ ترتيبات خاصة بهم.
في 31 تموز (يوليو)، مع عدم تحقيق أي انفراج في الأفق، عاقبت إدارة ترامب ظريف على السلوك “المُشين”، بسبب صلاته بالحرس الثوري (الذي تم اعتباره في نيسان (إبريل) الفائت منظمة إرهابية أجنبية)، ولعمله وزير دعاية “لمنظمة إرهابية أجنبية وليس كوزير للخارجية”. في المؤتمر الصحافي الذي عُقد في اليوم عينه، قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أن ظريف “كانت لديه هذه القشرة – إذا صح التعبير – ليكون المحاور الصادق والمعقول للنظام. هدفنا اليوم هو أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل. لقد منحناه كل مجاملة. لقد سمحنا له بممارسة الحق في حرية التعبير التي ينكرها هذا النظام بشكل روتيني لمواطنيه”.
من الناحية التقنية، إن هذه العقوبات تعني أن الولايات المتحدة يُمكنها الإستيلاء على أي ممتلكات تخص ظريف في الولايات المتحدة، ومنعه من السفر إلى أراضيها، وتُهدد بفرض عقوبات على أي شخص أو شركة أو مؤسسة مالية تتعامل مع ظريف. من الناحية العملية، قد يكون لهذه الخطوة تأثير محدود. بموجب ميثاق الأمم المتحدة، فإن أميركا مُلزَمة، كدولة مُضيفة، بمنح تأشيرة دخول للديبلوماسيين الذين يقومون بأعمال في المنظمة الدولية. نادراً ما انتُهِك هذا الإلتزام. يزور ظريف عادة الأمم المتحدة ثلاث أو أربع مرات في السنة. وتتوقع بعثة إيران للأمم المتحدة أن يحضر الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر المقبل. وفي الوقت نفسه، إحتج الأوروبيون على هذه الخطوة. “نعتقد أن جميع القنوات الديبلوماسية يجب أن تظل مفتوحة، لا سيما في ظل الوضع الحالي للتوترات المتصاعدة”، غرّدت وزارة الخارجية الفرنسية على حسابها على “تويتر”.
من جهته إستخدم ظريف الوسيلة المُفضّلة لترامب للرد. “السبب الأميركي وراء استهدافي هو أنني المتحدث الرسمي الرئيس باسم إيران في جميع أنحاء العالم”، غرّد ظريف على حسابه على “تويتر”. “هل هذا القرار سيكون مؤلماً لي؟ ليس له أي تأثير عليّ أو على عائلتي، حيث لا أملك أي ممتلكات أو مصالح خارج إيران. شكراً لك على اعتبارك لي تهديداً كبيراً لجدول أعمالك”.
ولم يكن لدى مكتب بول أي تعليق رسمي. فقد أفادني مكتبه الصحافي: “أُحيلك إلى تويتر”. وعلى حسابه على تويتر، قام السناتور بمشاركة قصة “أسوشيتيد بريس” حول تحرك الإدارة الأميركية ضد ظريف، وكتب في أعلاه، “إذا فرضتَ عقوبات على الديبلوماسيين، فستكون لديك ديبلوماسية أقل”.

• روبن رايت زميلة مرموقة في مركز “وودرو ويلسون” الدولي للباحثين، وهي كاتبة مُساهِمة في مجلة “ذا نيويوركر” منذ العام 1988. وقد فازت بجائزة مجلة “ناشيونال” لأفضل مراسلة عن أول مقال لها عن إيران.
• تم نشر هذا المقال أولاً في مجلة “ذا نيويوركر” (The New Yorker).
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه مركز الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى