كيف سيؤثر إنهاء الإعفاءات من العقوبات الأميركية على إيران وأسواق الطاقة العالمية؟

قال محمد باركيندو، الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، إن المجموعة تعمل على عزل نفسها ضد الجغرافيا السياسية حيث دخلت العقوبات الأميركية على صناعة النفط الإيرانية حيز التنفيذ الكامل يوم الخميس (2/05/2019). وفي المقابل إتهم بيجن نامدار زنكنة، وزير النفط الإيراني، الولايات المتحدة “باستخدام النفط كسلاح” وقال إن حلفاء واشنطن في “أوبك” يبالغون في قدرتهم على تعويض النقص في السوق إذا انخفضت المبيعات الإيرانية. وكانت أميركا تعهدت بفرض العقوبات على مبيعات النفط في طهران “لحرمان النظام من الإيرادات التي يحتاجها لتمويل الإرهاب والحروب العنيفة في الخارج”. وارتفعت الواردات الآسيوية من النفط الإيراني قبل يوم الخميس، عندما انتهت الإعفاءات من العقوبات المفروضة على بعض الدول، وأوضحت بكين أنها تعتزم الاستمرار في شراء الخام الإيراني.

بيجن نامدار زنكنة: واشنطن تستخدم النفط كسلاح

بقلم رؤوف محمدوف*

أدّى قرار إدارة دونالد ترامب في 22 نيسان (إبريل) الفائت بوقف الإعفاءات من العقوبات المفروضة على ثماني دول تشتري النفط الخام الإيراني إلى ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في ستة أشهر، وتحدٍ ورفض من قبل أكبر ثلاثة مشترين. في غضون ذلك، أعلنت إيران إنها سترد على محاولة واشنطن إلحاق الضرر باقتصادها من خلال إغلاق مضيق هرمز، وهي خطوة من شأنها أن تجعل من الصعب على دول الخليج العربية الأخرى نقل نفطها الخام إلى السوق؛ علماً أن حوالي ثلث النفط المنقول بحراً يمر عبر المضيق. وقد انخفضت الأسعار في نهاية الأسبوع التالي لبيان الرئيس دونالد ترامب بعد موافقة “أوبك” المفترضة على طلبه بتعويض الكمية الإيرانية التي ستخسرها الأسواق.

البلدان المُمتَثلة

من بين الدول الثماني التي حصلت على إعفاءات، أوقفت إيطاليا واليونان وتايوان وارداتها الإيرانية قبل أن تُعلن الولايات المتحدة أنها لن تمدد الإعفاءات عندما تنتهي صلاحيتها في 2 أيار (مايو)، بينما خفضت اليابان وكوريا الجنوبية نسبة الخام الإيراني في وارداتها. من المرجح أن تمتثل كل من طوكيو وسيول للعقوبات. ومع ذلك، ظلت الدول الثلاث المتبقية تركيا، الصين والهند، والتي تمثل ما يقرب من 70٪ من صادرات النفط الخام الإيراني، رافضة للقرار.

تركيا: العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة وأعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا توترت بالفعل بسبب قرار أنقرة شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي “S-400”. وقالت تركيا العضو الوحيد في منظمة حلف شمال الأطلسي المتاخم لإيران، إن الإمتثال للعقوبات الأميركية على إيران سيكلفها عشرات الملايين من الدولارات من فقدان دخل المصفاة بينما تتعثر مساعيها إلى استبدال النفط الإيراني بالنفط السعودي أو الإماراتي. في كل الأحوال إن أنقرة تريد التحدث مع واشنطن لحل الوضع.
الصين: كانت علاقات الصين مع الولايات المتحدة متوترة قبل قرار وقف الإعفاءات عن العقوبات بسبب الحرب التجارية المستمرة بين الجانبين. إن بكين التي تُعتبر أكبر مشتر للنفط الخام في العالم، نظرت إلى القرار الأميركي بالسماح لها بمواصلة استيراد الخام الإيراني لأشهرعدة خطوة إيجابية. لكن من الواضح أنها غاضبة من وقف الإعفاء، حيث حذرت واشنطن من المخاطرة باضطرابات في الشرق الأوسط من خلال اتخاذ إجراءات قسرية من جانب واحد ضد لاعب إقليمي مهم كإيران.
الهند: إن قرار إنهاء الإعفاءات قد وضع حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في مأزق كذلك. فمن ناحية، تُجري الهند انتخابات في الوقت الحالي، وسيكون من المخاطرة لمودي أن يتوقف عن شراء النفط من أحد الموردين الرئيسيين للهند خلال هذا الوقت المحفوف بالمخاطر من الناحية السياسية. من ناحية أخرى، تجري الهند أيضاً محادثات مع الولايات المتحدة حول الحفاظ على وضعها التجاري التفضيلي، والذي هددت إدارة ترامب بإلغائه على أساس أن نيودلهي قد فشلت في فتح سوقها بما يكفي للبضائع الأميركية. كان رد الهند على قرار وقف الإعفاء عن العقوبات أقل تحدياً من تركيا والصين، ولكن من الواضح أنها تكره أن تُحشر في الزاوية.

السعودية والإمارات

على النقيض من ذلك، فإن إثنتين من أبرز منافسي إيران الإقليميين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، سعيدتان بالقرار الأميركي بوقف الإعفاءات عن العقوبات المفروضة على مشتري النفط الإيراني. من المرجح أن يربح السعوديون والإماراتيون الكثير من الأعمال التي تخسرها إيران. كلاهما متشبثتان بسد فجوة الإنتاج العالمية التي سيخلقها فقدان الخام الإيراني حتى الإجتماع المقبل ل”أوبك +” – المجموعة التي تضم، في جوهرها، الكارتل وروسيا – في 17 حزيران (يونيو). لكن من المرجح أن توافق القوتان الخليجيتان على طلب الرئيس ترامب بأن تقوما بضخ المزيد من النفط لتعويض الخسائر العالمية من إنقطاع النفط الإيراني لمنع ارتفاع الأسعار.
إن قرار السعوديين بالتشاور مع أعضاء “أوبك” الآخرين أولاً أمرٌ مفهوم. تحاول البلاد الحفاظ على وحدة الكارتل في مواجهة تقلب أسعار النفط. منذ فترة طويلة لم يَسَع مراقبو “أوبك” إلّا أن يلاحظوا المفارقة في أن الولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط في العالم، تعتمد على المملكة العربية السعودية، زعيمة المنظمة، لضخ المزيد من الخام للحفاظ على الأسعار العالمية تحت السيطرة.
من المفترض أن تحمي “أوبك” المصالح الجماعية للأعضاء. لكن إيران عضو في الكارتل أيضاً. ومن المؤكد أن قرار المملكة العربية السعودية بضخ المزيد من النفط للتعويض عن فقدان الإمدادات الإيرانية لا يتماشى بالتأكيد مع مبرر وجود “أوبك”، لذا وجدت المنظمة نفسها فجأة في موقف حرج لتقرير ما إذا كانت ستعوّض خسائر الإنتاج من عضو في الكارتل بناء على طلب منتج كبير ليس عضواً.
إذا تجاهلنا التداعيات الأوسع، فإن أعضاء “أوبك +” سيكونوا سعداء بزيادة إنتاجهم بعد سنوات من التخفيضات في الإنتاج الناجمة من صفقة “أوبك” الأولية في العام 2016. إنهم لن يسعوا فقط إلى زيادة أرباحهم ولكن أيضاً للاستحواذ على حصتهم من السوق الإيرانية المفقودة. والسؤال الرئيس هو كم من الوقت سوف تستغرق المملكة العربية السعودية لزيادة الإنتاج الإضافي بمجرد تعيين “أوبك +” حصص (كوتا) جديدة.
الواقع أن وضع الولايات المتحدة كأهم اقتصاد في العالم يمنحها سلاحاً قوياً لمعاقبة الدول التي تتحدّى عقوباتها على إيران: قطع التجارة معها. ومع ذلك، من غير المحتمل أن تتمكن الدول التي تشتري النفط الإيراني بشكل كبير من تخفيض جميع مشترياتها قبل الموعد النهائي لواشنطن في الثاني من أيار (مايو). من المحتمل أن تمتنع الولايات المتحدة عن معاقبتها إذا كانت تحقق تقدماً نحو إنهاء وارداتها من إيران.
منذ أن فرضت إدارة ترامب عقوبات على طهران في أيار (مايو) 2018، إنخفضت صادرات النفط الإيرانية إلى النصف، من 2.8 مليوني برميل في اليوم إلى 1.4 مليون. ومن المحتمل أن يستمر هذا المسار الهبوطي، مع وجود العوامل الرئيسة التالية:
• كيف ستسير المفاوضات الأميركية مع المشترين للنفط الإيراني.
• مدى سرعة السعودية وغيرها في زيادة إنتاجها لتعويض خسائر السوق من الحصة الإيرانية.
• تطورات جيوسياسية أخرى – الفوضى في فنزويلا وليبيا، على سبيل المثال – قد تؤدي إلى إزالة كميات إضافية من النفط من الأسواق العالمية.
أحد العوامل الذي يبدو أن إدارة ترامب لا تأخذه في الإعتبار هي التداعيات الجيوسياسية طويلة المدى الناتجة من استعراض العضلات. قد تنجح واشنطن في جعل إيران تركع إقتصادياً من طريق “البلطجة” مع شركائها التجاريين، لكن من المرجح أن يؤدي التسليح القوي إلى تأجيج المعاداة ضد الولايات المتحدة والدولار بين الحلفاء والخصوم على حد سواء.

• رؤوف محمدوف باحث في سياسة الطاقة في معهد الشرق الأوسط. وتركّز أبحاثه على قضايا أمن الطاقة، واتجاهات صناعة الطاقة العالمية، وكذلك علاقات الطاقة بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز. إن وجهات النظر المعروضة في هذه المقالة تمثل رأي كاتبها، وليس بالضرورة رأي “أسواق العرب”.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى