خطة لتحويل المملكة العربية السعودية إلى رائدة في مجال الطاقة المتجددة

تُخطط المملكة العربية السعودية لكي تصبح أكبر سوق فى المنطقة على مدار السنوات القليلة المقبلة لإنتاج الطاقة المتجددة. ويأتى ذلك فى وقت خصصت الرياض أخيراً نحو 108 مليارات دولار لإطلاق مشاريع عملاقة يتوقع أن تنتج كميات ضخمة من الكهرباء من خلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

محطة سكاكا المستقلة للطاقة الشمسية الكهروضوئية: ستنتج 300 ميغاواط

الرياض – راغب الشيباني

أدى إرتفاع الطلب على الطاقة والإلتزام بتحويل الهيدروكربونات إلى المعالجة والتصدير إلى تحفيز التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة في المملكة العربية السعودية، حيث من المقرر أن تصبح المملكة أكبر سوق في المنطقة لمكوّنات وخدمات طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
فالمملكة هي الآن في طريقها لإضافة 6.2 جيغاواط من طاقة الرياح المثبتة على مدى السنين العشر المقبلة، وفقاً لتقرير صدر في نيسان (إبريل) الفائت من قبل شركة الأبحاث والإستشارات المالية “وود ماكنزي”.
كجزء من الإصدار التجريبي، والذي سيمثل 46٪ من جميع مشاريع الرياح في الشرق الأوسط حتى العام 2028، قال التقرير إنه يتوقع من مكتب تطوير مشروع الطاقة المتجددة أن يقوم بتقديم مناقصات لمشاريع تعتمد على طاقة الرياح هذا العام تبلغ قدرتها 850 مليون ميغاواط، مع المرافق المصاحبة المقرر أن تكتمل بحلول العام 2022.
ومن المتوقع أيضاً أن تزيد السلطات من متطلبات المحتوى المحلي في عملية المناقصات، مما قد يوفر فرصاً للإستثمار والنمو للمعدات المحلية ومقدمي الخدمات.
إن معظم رأس المال لمشروعات الطاقة الريحية المستقبلية سيأتي من صندوق الإستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادية للبلاد) على الرغم من أن التقرير أشار إلى أن الوكالة لديها حتى الآن خبرة قليلة في تطوير الطاقة المتجددة.

توسيع الطاقة الشمسية

بالإضافة إلى تعزيز طاقة الرياح، تستثمر الحكومة في الطاقة الشمسية لتوسيع قاعدة توليدها، وتهدف في هذا المجال إلى الحصول على 58.7 جيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول العام 2030، منها 40 جيغاواط من الطاقة الشمسية.
في كانون الثاني (يناير) الفائت، أعلن مكتب تطوير مشروع الطاقة المتجددة أنه سيُصدر مناقصات لـ11 مشروعاً تعتمد على الطاقة الشمسية وتبلغ قدرتها مُجمَّعة 2.2 جيغاواط في العام الحالي، بما في ذلك حديقة شمسية بقوة 600 ميغاواط في محافظة مكة. وسوف تُشكّل الحديقة جزءاً من مجمع أكبر بسعة 2.6 جيغاواط، وسيكون طرحها عبر مكتب تطوير مشروع الطاقة المتجددة. أما بالنسبة إلى الـ2 جيغاواط المتبقيتين المُنتَجَتين في المجمع فسيتم تطويرهما مباشرة من قبل صندوق الإستثمارات العامة وشركائه.
ويأتي هذا الإعلان بعد وضع حجر الأساس لبدء الأعمال في محطة سكاكا المستقلة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 التي من المتوقع أن تُنتج 300 ميغاواط، وهي أول مشروع للطاقة الشمسية في إطار مبادرة الملك سلمان للطاقة المتجددة، التي تم إطلاقها في العام 2016. وتشرف شركة “أكوا باور” المحلية على بناء المحطة التي ستبلغ كلفتها 1.2 مليار ريال سعودي (320 مليون دولار)، والتي من المتوقع أن تُغذّي نحو 45 ألف منزل بالطاقة الكهربائية، وتوفر نحو 930 فرصة عمل في مراحل الإنشاء والتشغيل والصيانة، ويتوقع أن تُسهم بنحو 450 مليون ريال (120 مليون دولار) في الناتج المحلي الإجمالي.

الطاقة المتجددة جزء من رؤية التنمية الاقتصادية الأوسع

يُعتَبر الدفع المتسارع للطاقة المتجددة جزءاً من خطة الحكومة الأوسع نطاقاً لتعزيز الإقتصاد من خلال تحرير المزيد من المواد الهيدروكربونية للتصدير.
في الوقت الحاضر، تعتمد المملكة العربية السعودية إلى حد كبير على الهيدروكربونات لتوليد الطاقة، حيث تستهلك في هذا المجال ما يصل إلى 680,000 برميل من النفط يومياً، مما يحول دون استخدام الموارد للتصدير أو المعالجة النهائية.
لمعالجة هذه القضية، يتمثل أحد الأهداف المحددة في رؤية المملكة العربية السعودية 2030 – مخطط المملكة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية – في زيادة القيمة التي يتم الحصول عليها من قطاع الطاقة إلى الحد الأقصى من خلال زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء الوطني. وهذا بدوره سيُقلّل الإستهلاك المحلي للهيدروكربونات، مما يؤدي إلى تحرير المزيد للتصدير.
لذلك تُعد الإستثمارات في الطاقة المتجددة عاملاً أساسياً في هذه العملية، خصوصاً بالنظر إلى الطلب المتزايد على الطاقة في المملكة؛ في العام 2017، بلغ استهلاك الطاقة 298,000 جيغاواط في الساعة، وفقاً للهيئة العامة للإحصاء، حيث تتوقع الحكومة أن يرتفع هذا الرقم إلى ثلاثة أضعاف بحلول العام 2030.
ويدعم هذا أيضاً قرار الحكومة الصادر في العام 2018 برفع أسعار البنزين والكهرباء، وهو إجراء خفّض استهلاك الوقود بنسبة 8٪ في العام الماضي مقارنة بالعام 2017. ويقول خالد الفالح، وزير الطاقة والصناعة والموارد المعدنية، إن هذه الأسعار الإصلاحية، إلى جانب إدراج المزيد من مصادر الطاقة المتجددة، من المفترض أن تؤدي إلى انخفاض الإستهلاك المحلي من الطاقة المعتمدة على الهيدروكربونات بمقدار 1.5 – 2 مليون برميل من النفط المكافئ يومياً بحلول العام 2030.

بناء سلسلة القيمة

بينما تتطلع “رؤية 2030” إلى تقليل اعتماد قطاع الطاقة على الوقود الأحفوري، فإنها ترى أيضاً الإنتقال إلى الطاقة المتجددة كقوة دافعة لتطوير القدرات الصناعية المحلية.
لقد حدّدت الخطة فرص نمو في توطين سلسلة قيمة الطاقة المتجددة، لا سيما في قطاعات البحث والتطوير والتصنيع في هذا القطاع.
وما يدعم الجهود المبذولة لتوسيع إنتاج المكوّنات هو التوافر السريع للمواد الخام وشبه المُصنَّعة، مثل السيليكا والبتروكيماويات، التي يمكن استخدامها في تصنيع الخلايا الشمسية والبوليمرات لمكوّنات توربينات الرياح.
وأعطت الاستراتيجية أيضاً دوراً أكبر للقطاع الخاص في صناعة الطاقة، حيث تقترح شراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال الطاقة المتجددة وتدابير لتحسين القدرة التنافسية لمُقدّمي الخدمات من خلال تحرير سوق الوقود.
إن خطط تعزيز الطاقة المتجددة وتعزيز سلسلة القيمة المضافة في قطاع الطاقة لن تؤدي فقط إلى تقليل استهلاك الهيدروكربونات وتعزيز قدرات التصنيع، ولكن أيضاً إلى تطوير المعرفة المحلية وقاعدة المهارات في الصناعة المعتمدة على التكنولوجيا. مثل هذا التطور من شأنه أن يبني قوة عاملة أقوى وأكثر تخصصاً، والتي بدورها ستجذب المزيد من فرص الإستثمار والنمو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى