غاز لبنان صار امتدادًا للمصالح الإيرانية

مايكل يونغ*

تَحَسُّبًا لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل والمملكة العربية السعودية في الأسبوع الفائت، رفعت إيران الرهان في الشرق الأوسط في أوائل تموز (يوليو). ردًّا على خططِ واشنطن لتوطيد تحالفٍ إقليمي، يتألف من عدد من الدول العربية وإسرائيل، حرصت إيران على الإظهار بأن لديها أوراقًا قَيِّمة خاصة بها.

لم يكن هذا أوضح من المفاوضات حول الغاز البحري بين لبنان وإسرائيل. في 2 تموز (يوليو)، أطلق “حزب الله” ثلاث طائرات مُسَيَّرة فوق حقل غاز كاريش الإسرائيلي، حيث شكّلت تهديدًا. بالنيابة عن إيران، كان الحزب يُعلِمُ الإسرائيليين فعليًا أنه من المحتمل أن يقطع إنتاج الغاز الإسرائيلي ويمنع كاريش من الإنتاج إذا تم معارضة مصالح إيران في لبنان والمنطقة.

جاء تحليق الطائرات المُسَيَّرة بعد أكثر من أسبوعين بقليل من زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” ورئيس الوزراء الإيطالي “ماريو دراجي” لإسرائيل. حرص الأوروبيون على تعويض قطعهم لواردات الغاز الروسي، واعتبار الغاز الإسرائيلي بديلًا مُحتَمَلًا. في الواقع، نُقل عن “فون دير لاين” أنها كرّرت “حاجة [الاتحاد الأوروبي] للغاز الإسرائيلي”.

وربط “حزب الله” على وجه التحديد عملية طائراته المُسَيَّرة بالمطلب الأوروبي للغاز الإسرائيلي. وفي خطاب ألقاه في 13 تموز (يوليو)، صرح الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، صراحةً: “لدى لبنان القدرة على عرقلة بيع الغاز إلى أوروبا”.

بينما وضع زعيم “حزب الله” هذا في سياق مفاوضات لبنان الجارية مع إسرائيل حول حقول الغاز المُتنازَع عليها، من خلال الوساطة الأميركية، كانت الرسالة في الواقع رسالة إقليمية إلى حدٍّ كبير. إذا كانت طائرات “حزب الله” المُسَيَّرة إشارة إلى الغرب حول وهن وحساسية إمدادات الغاز الإسرائيلية، فإنها وجّهت أيضًا رسالة تحدٍّ للأميركيين قبل زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط.

بدت واشنطن أنها غير مُستَعِدّة لتقديم المزيد من التنازلات لإحياء الاتفاق النووي مع إيران. في الربيع الماضي، أوضح بايدن أنه لا ينوي اتخاذ أي خطوة بالنسبة إلى عقبة رئيسة ظهرت أمام الصفقة، وهي إزالة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني من القائمة السوداء الأميركية للتنظيمات الإرهابية الأجنبية. في غضون ذلك، واصلت إيران تخصيب اليورانيوم.

خلال زيارته، سعى بايدن إلى تعزيز تحالفٍ إقليمي ضد إيران. في حزيران (يونيو) الفائت، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن واشنطن عقدت اجتماعًا سريًا لمسؤولين أمنيين من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية رئيسة في مصر. كان الهدف هو إنشاء نظام دفاع جوي إقليمي لمواجهة الصواريخ والطائرات المُسَيَّرة الإيرانية.

في ضوء ذلك، تصبح عملية الطائرات المُسَيَّرة ل”حزب الله” أكثر قابلية للفهم. بإثبات قدرتهما على توجيه ضربة لإمدادات الغاز الإسرائيلية إلى الغرب، أكد “حزب الله” وإيران أنهما قد ينتقمان من أيِّ جهود غربية وإقليمية لاحتواء طموحات طهران. كما شجّعا ضمنيًا أيضًا على إحياء الاتفاق النووي، الذي سيسمح لإيران نفسها بتصدير المزيد من النفط، وزيادة الإمدادات وخفض الأسعار.

وقد رفع نصرالله مستوى خطابه ليقول ان الحزب لن يتردّدَ في خوض الحرب. وأكد: “إذا ذهبنا إلى الحرب، فقد نفرض شروطنا على العدو”. ومع ذلك، لا تزال جميع الأطراف مُنخَرِطة في حربٍ نفسية، حيث الهدف هو تحقيق أهدافٍ سياسية دون حرب. وتشير التقارير الإخبارية إلى أن عددًا من الدول العربية تُواصِلُ الحوار مع إيران بوساطة عراقية. حتى إدارة بايدن أوضحت أنها تُفضّل التوصّل إلى نتيجة تفاوضية على المأزق النووي بدلًا من الحلِّ العسكري.

ماذا يعني هذا للبنان؟ بادئ ذي بدء، يشير إلى أن الغاز اللبناني أصبح امتدادًا للمصالح الإيرانية. إذا شعرت طهران بأن التحالف الإقليمي المُناهض لها برعاية الولايات المتحدة قد يتشكّل وينجح، فمن غير المرجح أن تُسَهِّلَ أي اتفاق بين إسرائيل ولبنان بشأن حقول الغاز البحرية المُتنازَع عليها. وبدلاً من ذك، ستستمر إيران في إثارة ظلِّ حربٍ على صادرات الغاز الإسرائيلية كوسيلة ضغط.

لن يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على الدول الغربية مع اقتراب فصل الشتاء فحسب، بل قد يؤدي أيضًا إلى تعزيز العلاقات الإيرانية-الروسية. موسكو وطهران في وضع غامض ومُلتَبِس. إذا تم إحياء الاتفاق النووي مع إيران وساعد ذلك على جلب النفط الإيراني إلى السوق، فقد يتضاءل نفوذ روسيا على أوروبا. لكن إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق وهددت إيران صادرات الغاز الإسرائيلية إلى أوروبا، فقد يُعزّز ذلك موقف روسيا.

على لبنان أن يفترض أيضًا أن انتخاباته الرئاسية في الخريف ستُدرَج في الحسابات الإيرانية. إذا كانت لدى “حزب الله” الأصوات البرلمانية اللازمة لانتخاب مرشحه المفضل، وهو ما قد يكون كذلك، فقد يتم اختيار خليفة لميشال عون في الوقت المناسب. لكن إذا لم يملك الحزب العدد اللازم من الأصوات، فيجب أن نتوقع فراغًا حتى يتم التوصل إلى اتفاقٍ أوسع مع إيران حول القضايا الإقليمية التي تعتبرها طهران حيوية.

يجد لبنان نفسه وسط حرب إقليمية باردة جديدة. لذا، قد يستمرّ في المعاناة الشديدة نتيجةً لذلك. وكأن السنوات الثلاث الماضية من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي لم تكن كافية للبلاد.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى