لماذا لن تُصبح إيران قوة عظمى في مجال الطاقة
تستهلك إيران بشكل متزايد الغاز الطبيعي المحلي وتحتاج إلى المزيد من التكنولوجيا ورأس المال الأجنبيين كي تستطيع تطوير حقولها الهيدروكربونية لكي تسنطيع تلبية السوق المحلية مستقبلاً، لكن العقوبات الأميركية الأخيرة تقف حجر عثرة أمام أي تقدم في هذا المجال.
بقلم اوميد شكري كالِهسر*
في السنوات الأخيرة، رفضت الحكومة التركمانية الإصغاء إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وفضّلت الإستمرار في بيع الغاز لإيران، على الرغم من الإختلاف على التكاليف الذي بات يؤثر في العلاقات الإقتصادية بين البلدين. لذا يجب تسوية هذه القضايا بطريقة سريعة ودائمة إذا كانت طهران تود زيادة توثيق العلاقات مع عشق آباد في وقت تحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى إلى حلفاء في المنطقة.
وفقاً لأرقام العام 2017، فقد نما حجم التجارة بين الجمهورية الإسلامية وتركمانستان إلى 1.7 مليار دولار. وقد حدّد محمود فزعي، رئيس هيئة موظفي الرئيس الإيراني، هدفاً لرفع هذا المبلغ إلى قيمة إجمالية تبلغ 60 مليار دولار. وتتطلب خريطة الطريق لتحقيق هذا الهدف تعزيز العلاقات عبر كل صناعة، وتحسين روابط التجارة والنقل والخدمات الهندسية. وتُعتَبَر المنتجات النفطية والبتروكيماويات والكهرباء ومنتجات المنسوجات والصناعات الخفيفة أهم الصادرات التي تستطيع تركمانستان تزويدها لإيران. وبالتالي، فإن تركمانستان هي أقوى شريك للجمهورية الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز، على الرغم من انخفاض التجارة على مدى السنوات الأخيرة.
يشمل التعاون بين البلدين مُقايضة الغاز وتطوير التعاون المصرفي والخدمات الفنية والهندسية، مع توقع تحقيق المزيد من التقدم على جسر سرخس الحدودي، والذي سيسمح بتشغيل وصلات الطرق والسكك الحديدية في غضون فترة زمنية قصيرة.
نزاع الغاز
وفقاً لاتفاق تم توقيعه في العام 1997، تُصدّر تركمانستان الغاز إلى إيران، ولكن كل عام تقريباً خلال أشهر الشتاء، تشهد الأسعار إرتفاعاً لفترة قصيرة. في العام 2006، توقفت عشق آباد عن تصدير الغاز إلى إيران وطالبت بزيادةٍ قدرها تسعة أضعاف السعر والتي قبلتها طهران لفترة وجيزة. وقد إتّخذت تركمانستان الإجراء عينه في شتاء العام 2016، لكن إيران رفضت هذه المرة الإمتثال.
وفي إشارة إلى خطة طهران لمقاضاة شركة الغاز التركمانية على جودة الغاز الذي تم تصديره إلى الجمهورية الإسلامية، قال وزير النفط الإيراني: “لدينا شكوى أخرى أمام محكمة التحكيم الدولية من أجل إعادة النظر في سعر الغاز المثصَدَّر من تركمانستان، لأننا نعتقد أن الأسعار مرتفعة للغاية ويجب تخفيضها”.
إن نزاع الغاز بين إيران وتركمانستان، الذي إشتعل مع بداية العام 2017 عندما قامت عشق آباد مرة أخرى بوقف صادرات الغاز إلى طهران، لم ينتهِ إلى أي تنازلات على الرغم من المفاوضات الدورية. من المرجح أن يُحال النزاع إلى محكمة التحكيم الدولية. إن التهديد بقطع صادرات الغاز إلى إيران هو أداة إستخدمتها تركمانستان مرات عدة خلال السنوات القليلة الماضية. في الواقع، في السنوات الأخيرة، ونظراً إلى حاجة المناطق الشمالية والشمالية الشرقية الإيرانية إلى ضخ غاز إضافي من تركمانستان، كانت طهران غالباً تحتاج إلى زيادة الطلب. ومع ذلك، وبسبب الزيادة في إنتاج الغاز في حقل “بارس الجنوبي” الإيراني ودخول المرحلة الحادية عشرة من تنفيذ شبكة نقل الغاز، فإن أحدث التهديدات والتخفيضات الأخيرة كانت أقل فعالية بكثير. لذلك، بعد أن تم قطع الغاز التركماني في كانون الثاني (يناير) 2017، أعلنت إيران أن تركمانستان ستكون في النهاية النادمة والخاسرة.
في حين طلبت تركمانستان ما بين 1.5 مليار و 1.8 مليار دولار من إيران لتصدير الغاز في 2006-2007، فإن إيران لم تقبل هذا الرقم من حيث المبدأ، وتدعو إلى إحالة القضية إلى التحكيم الدولي. في كانون الثاني (يناير) 2007، عندما بلغ البرد في الشتاء ذروته وعانت أكثر من عشرين مقاطعة في البلاد من درجات حرارة منخفضة جداً، إستغلت تركمانستان الوضع وأعلنت أنها سترفع أسعار تصدير الغاز إلى إيران بمقدار تسعة أضعاف السعر. وهكذا إرتفع مبلغ الأربعين دولاراً لكل ألف متر مكعب إلى 360 دولاراً، ويمثل مدى هذا الارتفاع جوهر غضب صانعي السياسة الإيرانيين.
علاوة على ذلك، مع العقوبات التي تجعل من الصعب تنفيذ المعاملات المصرفية المطلوبة لتسديد المدفوعات، فإن قدرة إيران على دفع هذه المبالغ قد أصبحت موضع شك، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعليق الموضوع في الوقت الحالي.
تبادل الغاز
تبلغ طاقة نقل الغاز لخط الأنابيب هذا 14.5 مليار متر مكعب في السنة. وقد إستوردت إيران نحو تسعة مليارات متر مكعب من الغاز من تركمانستان في العام 2015، ولكن في شتاء العام 2016، خفّضت تركمانستان صادراتها من الغاز إلى بلاد فارس بسبب الدين المتوجب على إيران والبالغ 1.8 مليار دولار. وهكذا، تلقت إيران فقط حوالي ستة مليارات متر مكعب من الغاز.
منذ بداية العام 2018، واصلت تركمانستان إحتجاز صادرات الغاز إلى إيران بسبب ما وصفته “بتأخر تسعة أعوام في تسوية ديون طهران البالغة 1.8 مليار دولار”. وعلى الرغم من قيود التصدير هذه، فقد استمر تبادل الغاز. منذ تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، تلقت إيران الغاز التركماني بموجب ما يسمى باتفاقية المبادلة، حيث قامت بتسليم الكمية عينها من الغاز إلى جمهورية أذربيجان.
بعد شهر واحد على قطع إمدادات الغاز التركماني إلى إيران، زعم مسؤولون في الجمهورية الإسلامية أن الغاز التركماني لا يزال يتم تبادله بغض النظر عن الإختلاف الحاصل. وقد أعربت وزارة النفط في طهران إلى تركمانستان عن استعدادها للمشاركة في تعاون طويل الأجل في قطاع الطاقة وكذلك في الصادرات المشتركة إلى الهند وباكستان ودول الخليج.
جرت محادثات جديدة بشأن تبادل الغاز المحتمل بين تركمانستان وشركتين هنديتين، وهما “جيل” (Gil) و”إنديان أوشن” (Indian Ocean)، في طهران. وقد أسفرت المحادثات عن توقيع إتفاقية لتزويد الهند بالغاز من خلال خط أنابيب بحري. من ناحية أخرى، تريد تركمانستان تصدير الغاز إلى الهند بأسعار معقولة أكثر وبطريقة آمنة، وهو أمرٌ لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال المفاوضات الثنائية المشتركة بين تركمانستان وإيران والهند. وقد رحّبت تركمانستان بخطط إطلاق خط أنابيب وطالبت بنقل غازها مرة أخرى عبر الأنابيب الإيرانية.
تُعتبر زيادة الإنتاج في الحقول المشتركة أولوية بالنسبة إلى إيران، التي تفتقدها بسبب إستثمارات أفضل في الحقول على طول حدودها مع العراق ودول الخليج. وتتمتع الاستثمارات في الحقول المشتركة مع تركمانستان بفرصة قوية لتحقيق نتائج مثمرة. الأولوية هي إستغلال حقول الغاز المشتركة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد حيث يُمكن إستهلاكها على الفور بأقل تكاليف عبور. وفقاً لبيجان زنكنه، “إن الحقول المشتركة بين إيران وتركمانستان هي أولوية إيران، وهذا الآن مشروع إستكشاف إيراني، وتأمل إيران أن يتم إرسال نتائج هذه الدراسات إلى شركة النفط المركزية”. إن سياسات وزارة النفط تتضمن مشاريع مشتركة في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات مع الدول المجاورة. لذلك، فإن طهران مستعدة لتنفيذ تصميم وبناء خطوط نقل النفط والغاز ومحطات تعزيز الضغط وتكرير وفصل السوائل من الغاز وتحويلها إلى منتجات بتروكيماوية أخرى والتفاوض مع تركمانستان بالطريقة عينها.
مع عودة العقوبات الجديدة، لن تُتاح أمام إيران الآن فرصة لزيادة قدرتها على المبادلة مع تركمانستان. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمكن أن تتوقع الحصول على كميات كبيرة من فرص الإستثمار للتنقيب والإستكشاف. كانت الهند مهتمة باستيراد الغاز التركماني من طريق البنية التحتية الإيرانية، ولكن يبدو الآن أنها عازمة على الإنتظار حتى يتم حل مشاكل إيران مع الولايات المتحدة. من جهة، يُمكن للجمهورية الإسلامية أن تعتمد على قدراتها السياسية والثقافية والإقتصادية لتوفير أساس أقوى لعلاقاتها الإقتصادية مع جيرانها. لكن هذا يعني أن على إيران أن تعرف متى يجب عليها الإنتباه. إن أولوية تركمانستان في السياسة الخارجية تُركّز على التعاون مع جيرانها، بما في ذلك إيران، التي أشار إليها رئيس تركمانستان في مناسبات مختلفة. من ناحية أخرى، يجب على إيران البحث عن حلول لعقد عقود أكثر موثوقية من تلك المستندة إلى النفط أو نقل الغاز المحدود من تركمانستان. فالعقود طويلة الأجل ذات نظام التسعير الواضح والقابل للتنفيذ من شأنها أن تمهد الطريق الجيد لتحقيق ذلك.
في ظل ظروف عادية، يُمكن للبنية التحتية للطاقة في إيران أن تنقل النفط والغاز من بحر قزوين إلى الأسواق الإستهلاكية في جميع أنحاء العالم. ولكن كما هو الحال الآن، فإن البلاد تكافح في ظل العقوبات. وهي تعتمد حالياً على الإنتاج من حقل “بارس الجنوبي” وحقول الغاز الأخرى التي، على الرغم من كفاءتها لتغذية الطلب المحلي الحالي، فقد تتخلف مرة أخرى وتجعل الواردات من تركمانستان ضرورية. إن إيران تتمتع باستهلاك محلي عالٍ للغاز الطبيعي وتحتاج إلى المزيد من التكنولوجيا الأجنبية ورأس المال لتطوير صناعتها الهيدروكربونية. إن تخفيف التوتر مع المجتمع الدولي هو أفضل أداة – وربما الوحيدة – لإيران لتحقيق مصالحها الخاصة. باختصار، على الرغم من التعاون القائم، لا يزال هناك العديد من المجالات في قطاع الطاقة التي يمكن استخدامها لتعزيز العلاقات الثنائية في مصلحة الجارتين، ولكن توسيع التعاون يعتمد على حلّ التحديات وتحقيق الإستفادة القصوى من الفرص التي تسنح.
• أوميد شكري كالِهسار محلل كبير في مجال أمن الطاقة مقره واشنطن، ويُعد شهادة دكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة يالوفا، تركيا.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.