“إخواننا” الكولومبيون

راشد فايد*

تصعبُ مُقارنةُ حال كولومبيا بما هو عليه لبنان، لـ”تنافسهما” على حمل لواء الفساد العالمي مع دول أخرى، وبينها مَن تُزَعِّمه الوقائع ليكون مُجلّيًا. والفساد هي الكلمة “الخيمة” التي تواري كل الكلمات المشتقة من غيبوبة القانون، والتي لا تحصر مراميها، من تهريب المخدرات وتصنيعها، إلى الرشى في الوظائف العامة، وصولًا إلى التصفيات الجسدية، غير الرائجة، مبدئيًا، في لبنان، ومثلها إطلاق النار على طائراتٍ مدنية في مسلكها إلى مطار العاصمة.
تخطر هذه اللمحة على البال، حين تُذيعُ إحدى محطات التلفزة اللبنانية، ما يُفيدُ عن اعتقال نائبة رئيس الجمهورية الكولومبية فرانسيا ماركيز، التي تولّت منصبها في 7 آب (أغسطس) 2022، والتُهمة المُسنَدة إليها هي الإثراء غير المشروع، وسببه، حسب التقرير الأمني الكولومبي، حيازتها 3 ساعات رولكس، عجزت عن تسمية مصادرها، أو كيف وفّرت المال لشرائها.
قبل ذلك بنحو سنة، أعلن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو أن نجله نيكولاس أوقِفَ بتُهَمِ غسيل الأموال والإثراء غير المشروع في فضيحةٍ مُتعلقة بحملته الانتخابية. وألقت الشرطة الكولومبية القبض على نيكولاس بيترو، نجل الرئيس الكولومبي في إطار تحقيق رفيع المستوى بشان غسيل الأموال التي يُزعم أنه جمعها خلال الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات الرئاسية العام الماضي، ومن خلال تبييض الأموال وتجارة البشر.
الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو أوضح أنه لن يتدخّلَ في التحقيق، ما يُذَكّرُ اللبنانيين بقياداتهم السياسية والإقتصادية، وطبعًا المصرفية، التي تفاخر بوضوح تورّطها في الفساد، وغموض أسانيدها في التبرّؤ منه، وتعمدها حماية المتّهمين ولو ثبتت إداناتهم.
بدأت كولومبيا حقبة سياسية جديدة بتنصيب غوستافو بيترو كأولِ رئيسٍ يساري في تاريخها، والذي كان تخلّى عن التمرّد المسلّح قبل ثلاثة عقود، ووعد بتحوّلاتٍ جذرية في بلدٍ يُعاني عدم مساواةٍ كبيرة ودوّامة عنفٍ لا تنتهي مُرتبطة بتهريب المخدرات.
اللافت أنَّ كلَّ ما يشي بتفلّتٍ أمني وسياسي يقف عند أي بادرة حزم لتطبيق القانون، كمثول رئيس الدولة الأسبق سنة 2017 خوان مانويل سانتوس وعدد من أعضاء حكومته أمام المحكمة العليا في البلاد كشهودٍ في قضية فساد، وذلك بناءً على طلب محامي الدفاع عن سناتور موقوف في فضيحة دفع ملايين الدولارات من مجموعة أوديبريشت البرازيلية كرشى في كولومبيا.
ما يصل بين لبنان وكولومبيا تشابهات كثيرة، سوى أن القانون في لبنان يكاد يتحوّل خرقة لمسح آثام وارتكابات مَن هم فوق، وخنق مَن هم تحت، فمدخن سيجارة حشيشة الكيف، أو سارق رغيف لسدّ جوعه، تكبر فعلته أمام سارقي ودائع المصارف، بينما مصادري مشاعات الدولة، ومشيّدي القصور عليها، يُحسَدون على حُسنِ تدبيرهم، وحامي ظهورهم.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى