حربُ غزّة: النصرُ بطعمِ الهَزيمة

الإشتباكات الإسرائيلية – الفلسطينية 2021 أو مواجهات القدس 2021 أو معركة سيف القدس 2021 هي اشتباكاتٌ بدأت بتوترٍ بين متظاهرين فلسطينيين وشرطة إسرائيل في 6 أيار (مايو) الفائت نتيجة قرار المحكمة الإسرائيلية العليا بشأن إخلاء سبع عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح في الجانب الشرقي من البلدة القديمة في القدس لإسكان مستوطنين إسرائيليين مكانهم.

حي الشيخ جرّاح: بسببه إشتعلت بين إسرائيل وغزة وباقي الأراضي الفلسطينية

السفير يوسف صدقة*

أُعلِنَ وقف إطلاق النار في غزة في 21/5/2021، بعد 11 يوماً من المواجهات بين الفلسطينيين وإسرائيل. وقد تمّ التوصل إلى الاتفاق، بعد جهودٍ دولية كبيرة قادتها الولايات المتحدة بالتنسيق مع مصر، وبعض الأطراف الإقليمية والدولية. وقد أشارت مصادر أميركية مطّلعة إلى أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن، وجّه كلاماً قاسياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعدما طلب هذا الأخير، مهلة إضافية لضرب المزيد من قواعد “حماس” في غزة. وقد طالت الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، عبر توجيه الصواريخ والقذائف المُدمّرة، المدنيين.

أسفر العدوان عن استشهاد 234 وجرح 1915، ونزوح أكثر من خمسين ألف مواطن، وتدمير عددٍ كبيرٍ من المباني، وألحق الضرر بأكثر من 70 صحافياً في القطاع وتدمير 33 مؤسسة إعلامية. كما نتج عن العدوان الإسرائيلي في باب العامود وفي حي الشيخ جرّاح في القدس، مقتل 11 شهيداً.

قضية حي الشيخ جرّاح

إندلعت المواجهات في القدس بين المقدسيين والمستوطنين اليهود في حي الشيخ جرّاح، حيث تمّ تهديد 128 عائلة بالتهجير من الحي. والقضية تعود إلى العام 1956، حيث سكنت 28 عائلة فلسطينية بعد النكبة في العام 1948 في الحي المذكور. وقد تنازل أفراد العائلات عن حقوق اللاجئ بعد الاتفاقية التي جرت بين الأردن ووكالة الأونروا في العام 1956، حيث تولّى الأردن بناء وحدات سكنية للاجئين.

وبعد احتلال الضفة الغربية، إدّعت لجنة اليهود الشرقيين والغربيين ملكية الأراضي في حيّ الشيخ جرّاح من دون أيّ أوراقٍ ثبوتية.

وفي العام 2009، قدّم سكان الحي أوراق “التابو التركي” التي تُثبت مُلكية الفلسطينيين للأرض. ولكنّ المحكمة الإسرائيلية اعتبرت سكان الحي مستأجرين، وأنّ ملكية الأرض تعود للجمعيات الاستيطانية.

لقد تصدّر اسم حي الشيخ جرّاح في القدس الشرقية اهتمام العالم خلال الفترة الماضية بعد سلسلة من الاحتجاجات بين فلسطينيين ومستوطنين إسرائيليين، حيث واجه الفلسطينيون خطر الإخلاء من منازلهم التي بُنِيَت على أراضٍ طالب بها المستوطنون.

تأتي السياسة الإسرائيلية منذ العام 1967 في إطار سياسة “الضم الزاحف” على الأراضي الفلسطينية، عبر السيطرة على أكبر مساحة من الأرض، مع الاحتفاظ بأقل عدد من السكان العرب.

القدس والاحتلال الإسرائيلي

عانى المقدسيون منذ احتلال القدس الشرقية في العام 1967 من الإذلال والاعتداءات الإسرائيلية. وقد تصاعد العدوان في العام 2000 حيث حاول زعيم الليكود يومها أرييل شارون تدنيس المسجد الأقصى، الأمر الذي أدّى إلى اندلاع انتفاضة الحرية والاستقلال.

وفي العام 2012، تكرر العدوان، الذي سُمّي “عمود السحاب”، حيث لم يُحقّق الجيش الإسرائيلي أهدافه.

وفي العام 2016، إنطلقت انتفاضة الشباب المقدسيين ضد ممارسات الاحتلال.

وفي العام 2017، خاض المقدسيون معركة ضد البوابات الإلكترونية وتركيب الكاميرات في الحرم القدسي حيث تمّ إفشال التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.

الحرب والدروس المُستفادة

إنتهت الحرب التي حققت فيها المقاومة الفلسطينية خلال عشرة أيام إنجازات استراتيجية، بعدما عجزت اتفاقات أوسلو عن إخراج القضية إلى العالم. لقد غيّرت هذه الحرب حركية الصراع وديناميته وذلك بدفعه إلى معالم جديدة لم تعهدها من قبل، ومنها:

توحّد الشعب الفلسطيني منذ النكبة، وخصوصاً الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ 1948، حيث شاركوا في المواجهات. إنّ التعرض للمقدسات في القدس هو الذي أشعل الصاعقة، وأثار مكامن الغضب والقهر في سائر المناطق.

إنفجر الغضب ضد التمييز العنصري، وسلخ الفلسطينيين عن قضاياهم، بإعطائهم الجنسية الإسرائيلية. أما إسرائيل فقد أطبقت السجن الكبير على مليون فلسطيني في غزة.

على صعيد الضفة الغربية، فقد شهدت أكبر مظاهرات، دعماً للقدس وغزة، ورفضاً للاستيطان ولحواجز، الإذلال. وأظهر الشعب الفلسطيني قدرة على مواجهة الاحتلال ورفض الاستسلام، للآلة العسكرية الإسرائيلية. وثبُت للعالم أنّ قضية القدس والمسجد الأقصى هي القضية المركزية للشعب الفلسطيني، حيث أنها قادرة على تحريك الأمة الفلسطينية في الداخل والخارج.

وقد كسر قطاع غزة استراتيجية نتنياهو الرامية إلى إخراجها من معادلة الصراع، فكان استهداف الأماكن السكنية في حرب غزة أمراً زاد من صلابة السكان وتعلّقهم بمقاومتهم.

كسب الرأي العالم العالمي

إعتقدت الحكومة الإسرائيلية وبعض الأطراف الدولية، أنّ القضية الفلسطينية اضمحلّت، وأنّ الفلسطينيين استسلموا للأمر الواقع. إلاّ أنّ الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة كسرت الطوق المقفل حول القضية الفلسطينية. وقد انتشرت المظاهرات الشعبية، وحملات التضامن مع فلسطين في عددٍ كبير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وقد أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي بنشر حراكٍ إلكتروني حيث تصدّرت الأحداث في القدس وغزة صفحات المؤثرين على وسائل التواصل، ما دفع بعض الدول لبذل جهود ديبلوماسية للتوصل إلى التهدئة ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.

على صعيدٍ آخر، وقّع أكثر من 500 أميركي من الحزب الديموقراطي رسالة، تطالب فيها الرئيس الأميركي بايدن ببذل المزيد لحماية حقوق الإنسان الفلسطيني، ومحاسبة إسرائيل على العدد غير المتناسب للقتل خلال التصعيد الأخير (وفق واشنطن بوست).

الردع المتبادل

حاول نتنياهو افتعال حرب غزة، لكي يُفشل مساعي خصومه في تشكيل حكومة جديدة، برئاسة يائير لبيد. وكان يهدف إلى التأثير على نتائج الانتخابات أو تأجيلها. على الصعيد العسكري البحت، يُستدلّ أنّ إسرائيل انتصرت في الحرب نظراً إلى قوة ترسانتها العسكرية أمام القوة الصاروخية المحدودة لحماس في غزة. إلّا أنّ إسرائيل فقدت “قدرة الردع” التي تقوم عليها الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، كما عبّر عن ذلك الكاتب الإسرائيلي “لوف بن” في صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 19 أيار (مايو) الماضي، رُغم خسائر إسرائيل البشرية المحدودة في الحرب والبالغة 12 قتيلاً، بالمقارنة مع عدد الشهداء الفلسطينيين.

أما على صعيد حماس، فقد طالت صواريخها عدداً كبيراً من المدن الإسرائيلية ومنها حيفا، اللدّ، تل أبيب وعسقلان، رُغم نجاح “القبة الحديدية” في اعتراض 80% من الصواريخ الفلسطينية. كما أنّ نزول عددٍ كبير من الإسرائيليين إلى الملاجئ، والهروب من الأماكن العامة في مدن عدة قد أصاب قوة الردع الإسرائيلية في الصميم، ذلك أن المواطن الإسرائيلي اعتبر أنه فقد الأمن والأمان، رُغم الترسانة العسكرية. وقد أعلن عدد من الإسرائيليين ذوي الجنسية المزدوجة رغبتهم في السفر إلى خارج البلاد.

وبالمقابل، فإنّ المقاومة الفلسطينية قد أظهرت أداءً متميزاً في الصبر على القدرة التدميرية للآلة العسكرية الإسرائيلية، وقد زادت من قدراتها الصاروخية رغم الطوق الإسرائيلي، وتمكنت بإمكاناتها المحدودة من المواجهة، وحدّت من طموح القيادة العسكرية الإسرائيلية في القيام بمواجهة عسكرية برية.

ورُغم الدعم العسكري الإيراني لحركة “حماس”، إلّا أنها خاضت المواجهة بالتوقيت الفلسطيني المرتبط بحماية المقدسات في القدس، وليس وفقاً لتطور المحادثات النووية في فيينا.

لقد خاضت إسرائيل الحرب بدون تقديم مشروع سياسي. فتعزيز حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني هو الذي يؤمّن لإسرائيل السلام. فالسلام هو حلم بمتناول الحكماء، أما الحرب فهي تمثل تاريخ الإنسانية القائمة على الأطماع والتفوق وجنون العظمة كما تحدث عنها الكاتب الإنكليزي “ريتشارد بيرتون” (Richard Burton) في القرن التاسع عشر.

والسؤال الذي تطرحه مراكز أبحاث ودراسات إسرائيلية عدة الآن: هل يمكن لإسرائيل أن تعيش في سلام في المنطقة من دون أن تضمن لفلسطين قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة مع القدس الشرقية عاصمة لها؟ وهل إقامة علاقات ديبلوماسية مع بعض الدول العربية يضمن لها تجاوز القضية الفلسطينية؟

لقد مضى زمن الأحلام السبارطية في عصر العولمة، حيث يسود منطق القوة على الحياة والسلام.

  • السفير يوسف صدقة هو ديبلوماسي لبناني متقاعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى