هل ستُعزِّز الإكتشافات الأثرية الجديدة السياحة المصرية؟

تُعتبَر السياحة في مصر أحد أهم مصادر الدخل القومي بما توفره من عائدات دولارية سنوية، وعوائد العملة الأجنبية التي مكّنتها من المساهمة بشكل كبير في الناتج الإجمالي المحلي، ومكافحة البطالة من طريق توظيف شريحة واسعة من القوى العاملة في البلاد. لكن إنتفاضة 2011 وتداعياتها أثرت فيها بشكل كبير.

وزيرة السياحة رانيا المشاط: آسيا فرصة ذهبية لجذب السياح منها إلى مصر

القاهرة – هدى أحمد

تعزّزت سمعة مصر العالمية كوجهة للسياحة التراثية من خلال سلسلة من إكتشافات أثرية رئيسة جرت أخيراً. بالتزامن مع الإستثمار في البنية التحتية الجديدة، من المتوقع أن تدعم الإكتشافات الأخيرة إنتعاشاً جديداً في ثروات القطاع.
في 13 نيسان (إبريل) الفائت، أعلنت وزارة الآثار المصرية أن أعمال التنقيب إكتشفت مقبرة مميزة بلوحات ملوّنة زاهية صُنعت قبل 4,300 عام، خلال ما يُعرف بعصر الأهرامات.
وتتميز المقبرة التي افتُتحت حديثاً بالقرب من سقارة (جنوب القاهرة)، برسومات جدارية مستوحاة من أهرامات الجيزة القريبة، حيث رُسمت بتقنيات خاصة حافظت على ألوانها عبر الزمن.
ويعود القبر المُكتَشف إلى أحد النبلاء في عصر الأسرة الخامسة، إسمه “خوي”، في الفترة الممتدة من 2,686 قبل الميلاد إلى 2,181 قبل الميلاد.
ويعتقد الخبراء أن الإكتشاف الجديد يُمكن أن يُلقي ضوءاً جديداً على بناء الأهرامات نفسها. ويرى المؤرخون أن تلك الفترة “مكتوبة بالحجر”، مع تسجيل الأحداث من خلال الآثار وليس النصوص.
وتُصوِّر اللوحات الجدارية الموجودة داخل المقبرة، رجالاً في قوارب وعبيداً ينقلون الطعام والشراب، وهم محاطون بحدود مُزخرفة.
ويدرس الباحثون إحتمال وجود علاقة بين “خوي” و”جدكارع أسيس”، الفرعون الأخير من الأسرة الخامسة، الذي دُفن في هرم قريب من سقارة، وكان أول من بنى هرماً جنوب المقبرة الرئيسة في المنطقة.
وتُعرَف منطقة سقارة، الواقعة غرب النيل، بأنها موطن لأكبر مجموعة من المقابر والأهرامات في مصر، ولكن الجيزة طغت عليها، على بعد 15 ميلاً.
بعد أيام عدة، أعلنت وزارة الآثار الكشف عن 3 مقابر، إحداها في “منطقة” ذراع أبو النجا واثنتان أخريان في منطقة “العساسيف” في البر الغربي للأقصر في صعيد مصر. ويعود تاريخ هذه المقابر إلى نحو 3500 عام.
وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مصطفى وزيري، في مؤتمر صحافي من موقع الكشف: “بدأت أعمال الحفر في آب (أغسطس) 2018، وأسفر الكشف عن أكبر مقبرة صف في جبانة غرب طيبة”، وتابع بأن “المقبرة لها 18 مدخلاً. وتعود للأسرة الثامنة عشرة منذ نحو 3500 سنة في الدولة الحديثة”، مشيراً إلى أنه “كان هناك جدل حول إسم المقبرة “شيت سو جحوتي”، الذي يعني الإله جحوتي ينقذه، في بداية الأسرة الثامنة عشرة”.
وفي منطقة “العساسيف”، “تم الكشف على مقبرتين: اخمينو وميني رع. كما تم العثور على 3 توابيت وكم هائل من التماثيل”، يتابع وزيري.
تشمل التطورات الأخرى المهمة إكتشاف 50 مومياء في شباط (فبراير) الفائت في المنيا، وهي مدينة نيلية في مصر الوسطى، بالإضافة إلى استكمال مشروع قيمته 9 ملايين دولار لاستعادة هرم زوسر (المعروف أيضاً بهرم سقارة أو الهرم المدرج)، وهو عبارة عن مبنى في سقارة تم بناؤه خلال الأسرة الثالثة وتم اعتباره أقدم وأكبر نصب حجري في العالم.

إستثمار جديد لدعم الإكتشافات الأثرية

إلى جانب هذه السلسلة من الإكتشافات الأثرية، إلتزمت الحكومة المصرية بسلسلة من الإستثمارات الجديدة التي تهدف إلى تعزيز قطاع السياحة التراثية، والذي كان نقطة جذب طويلة للزوار الأجانب.
يتمثل محور هذه الجهود في تطوير المتحف المصري الكبير في الجيزة، حيث يوجد بعض الهياكل الأكثر شهرة في البلاد.
وبمجرد إكتماله، سيصبح المشروع الذي تبلغ تكلفته مليار دولار أكبر متحف في مصر والذي سيضم أكبر مجموعة أثرية في العالم، حيث يمتد على مساحة 50 هكتاراً ويعرض حوالي 100,000 قطعة أثرية، بما في ذلك المجموعة الكاملة من القطع الأثرية المُستَرجعة من قبر الملك توت عنخ آمون.
بالإضافة إلى العرض الأثري ومعدات الحفظ، سيُقدم المجمع مجموعة من المرافق الأخرى، بما في ذلك مركز للمؤتمرات، وقاعة إجتماعات تتسع ل1000 مقعد، ومطاعم ومركز لرجال الأعمال.
وعندما يصبح التشغيل جاهزاً بالكامل، من المتوقع أن يجذب المشروع حوالي 5 ملايين زائر سنوياً وسيُسرّع إتجاه العملاء الإيجابي بين متاحف البلاد، والتي استقبلت 2.85 مليوني شخص في العام الفائت، بزيادة 20.5٪ من 2.36 مليوني شخص في العام 2017.
سيتم دعم المتحف المصري الكبير من خلال مشروع تطوير هضبة الجيزة القريب، والذي يهدف إلى تحسين الوصول السياحي حول الأهرامات الكبرى وأبو الهول.
وسيتضمن المشروع الذي تبلغ تكلفته 349 مليون جنيه (20.5 مليون دولار) تنفيذ مسارات بانورامية، ونظام إضاءة يعمل بالطاقة الشمسية لإلقاء الضوء على الأهرامات، و 50 سوقاً للبائعين ومركزاً للزائرين ومرافق أخرى.
متوقعةً حدوث زيادة في عدد السياح نتيجة لهذه الإستثمارات الجديدة، فقد بدأت الرحلات الداخلية التجريبية من وإلى مطار سفنكس الدولي الجديد في كانون الثاني (يناير) الفائت، مع توقع تشغيل المطار بالكامل في العام المقبل ليتزامن مع افتتاح المتحف المصري الكبير.
يقع المطار الذي تم إنشاؤه لتخفيف الإزدحام في مطار القاهرة الدولي، والذي تبلغ تكلفته 17 مليون دولار، على بعد 12 كلم من الأهرامات وستكون لديه القدرة على استيعاب حوالي 300 مسافر في الساعة.

قطاع التراث يدعم نمو القطاع الأوسع نطاقاً

إن الزيادة في مناطق الجذب السياحية والمرافق يُمكن أن تقطع شوطاً طويلاً في تعزيز إنتعاش قطاع السياحة الأوسع نطاقاً في السنوات الأخيرة.
إستقبلت مصر رقماً قياسياً بلغ 14.7 مليون سائح أجنبي في العام 2010، عندما استخدم القطاع 10٪ من القوة العاملة وحصل على حصة معادلة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، فإن انتفاضة العام 2011، التي أسفرت عن الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، إلى جانب إسقاط طائرة مستأجرة روسية فوق شبه جزيرة سيناء في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، أدّت إلى انخفاضٍ في عدد الوافدين إلى 5.4 ملايين في العام 2016، وتراجع الإيرادات السنوية بنسبة 69.6٪ إلى 3.8 ملايين دولار خلال الفترة.
في حزيران (يونيو) 2018، سعى المسؤولون إلى تحفيز الوافدين من السياح من خلال تطبيق نظام التأشيرة الإلكترونية ل46 دولة، بما في ذلك أسواق المصادر الرئيسة مثل روسيا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا.
“بينما نواصل العمل على زيادة عدد السياح من أوروبا، والذين يُمثّلون حالياً 55٪ من إجمالي السياح، فإن هدفنا هو زيادة حصة السياح الآتين من الأسواق الأخرى في جميع أنحاء العالم”، تقول وزيرة السياحة رانيا المشاط لـ”أسواق العرب”.
وتضيف: “بالنظر إلى ارتفاع الثروة في آسيا وعدد السياح الذين تُمثّلهم، فإننا نعتبر ذلك فرصة لتطوير هذه السوق”.
على الرغم من أن أرقام الوصول قد تحسنت في السنوات الأخيرة، حيث وصلت إلى 11.6 مليون في العام الفائت، وفقاً للإتحاد المصري للسياحة، إلا أنها لم تتجاوز أرقام العام 2010، مما يشير إلى وجود مجال آخر للنمو.
وهذا قد يكون عائداً، جزئياً، إلى استمرار تصورات عدم الأمن. بينما يتخذ المسؤولون تدابير لتحسين الإجراءات الأمنية، فقد شهدت مصر حوادث عنف من حين لآخر، بما في ذلك هجومان إرهابيان تم الإبلاغ عنهما على نطاق واسع في الأشهر السبعة الماضية واستهدفا الأجانب في رحلات بالحافلات. إذا استمرت هذه المخاوف الأمنية، فستكون لها القدرة على التأثير في فرص النمو للقطاع.
ومع ذلك، فإن وتيرة التوسع المستمرة تحقق فوائد إقتصادية قياسية، حيث تظل مصدراً رئيساً للنقد الأجنبي. فقد بلغت قيمة هذا القطاع 528.7 مليار جنيه (29.7 مليار دولار) – أو 11.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، تمشّياً مع مساهمته في العام 2010 – ووفقا للمجلس العالمي للسفر والسياحة، فقد حقق هذا القطاع 218.1 مليار جنيه (12.8 مليار دولار) من إنفاق الزوار وحده، وهذا مثّل 27.3٪ من الصادرات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى