إلى أين يتجه الإقتصاد العالمي؟
بقلم كابي طبراني
في بداية العام 2018، كانت غالبية الإقتصادات العالمية تعيش إنتعاشاً دورياً متزامناً والذي بدا أنه يُبشّر بفترة أطول من النمو المُستدام ونهاية للآثار البغيضة التي خلفها الركود الإقتصادي منذ العام 2008. فعلى الرغم من صدمة خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، والسُحب العاصفة المُخَيّمة فوق الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية والسلوك غير المستقر للرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن إرتفاع نسبة الإستثمار وزيادة معدل الأجور، إلى جانب إنخفاض معدلات البطالة، قد بدأت في الظهور.
ومع ذلك، وكما حذّر بعض الخبراء في بداية العام الجاري، “لقد تحوّل المزاج العالمي من الخوف من المخاطر السياسية إلى عدم المبالاة، على الرغم من أن العديد من هذه المخاطر لا يزال يلوح في الأفق”. علاوة على ذلك، في حين أن المؤشرات العالمية المعروفة كانت كلها ترتفع، فإن الخبراء بدوا قلقين بشأن ما إذا كان ذلك سيستمر بعد النصف الأول من العام 2018، نظراً إلى المضاعفات المُتوَقَّعة مثل تشديد السياسة النقدية في الإقتصادات المتقدمة، خصوصاً في الولايات المتحدة.
نحن الآن في منتصف العام 2018، وبعض هذه المؤشرات نفسها لم يعد يبدو وردياً إلى حد كبير. في حين أن “مؤشر مدراء المشتريات للمعهد الأميركي لإدارة التوريد” لشهر حزيران (يونيو) الفائت ما زال قوياً للغاية، إلا أن الدراسات الإستطلاعية الأخرى المماثلة حول العالم ليست قوية كما كانت قبل ستة أشهر. الأهم من ذلك، إن النشاط التجاري في كل من الصين وأوروبا قد تباطأ.
والمؤشر الرئيسي الآخر يتمثّل في البيانات التجارية لكوريا الجنوبية، التي تصدر شهرياً. في الأول من تموز (يوليو) الجاري، علمنا أن صادرات كوريا الجنوبية قد إنخفضت على أساس سنوي في حزيران (يونيو) 2018. وفي حين أن العام 2017 كان عاماً قياسياً لقوة التصدير الإسمي للبلد، فإن العام 2018 قد بشّر بأشهر عدة من تباطؤ الأداء. ومن المفارقات أن هذا الركود يتزامن مع تحسن العلاقات مع كوريا الشمالية، في حين أن الأداء القوي في العام الفائت حدث على الرغم من سياسة حافة الهاوية النووية في شبه الجزيرة الكورية.
الواقع أن ضعف صادرات كوريا الجنوبية يستدعي إجراء تحليل متابعة دقيق، عند صدور البيانات التجارية للإقتصادات العالمية الرئيسية الأخرى وبيانات كوريا الجنوبية لشهر تموز (يوليو)، والتي يتم نشرها في الأول من آب (أغسطس). وفي ضوء التصاعد المقلق في تعريفات واردات ترامب والتدابير الإنتقامية التي تنتهجها الصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، لا ينبغي للمرء أن يتفاجأ إذا إستمر ضعف التجارة العالمية.
ومع ذلك، يجب ألّا نفترض أيضاً أن إنخفاض أرقام التجارة هو نتيجة مباشرة للتعريفات. ليس لدينا حتى الآن تحليل إقليمي كامل لأداء التصدير. ولكن من البيانات المتوفرة للأيام العشرين الأولى من حزيران (يونيو) الفائت، يمكننا أن نرى أن صادرات كوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة والصين كانت قوية إلى حد ما. لقد كان الضعف في صادراتها إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا وبلدان الشرق الأوسط. وإذا بقي الوضع على هذه الحالة، فليس هناك ما يدعو إلى القلق من إنقلابٍ في أداء التجارة العالمية القوي خلال الأشهر الـ12 إلى الـ18 الماضية وسيره في إتجاه معاكس.
بعد كل شيء، نحن في عصرٍ حيث يُهيمن النشاط في الولايات المتحدة والصين على الإقتصاد العالمي. ووفقاً لحسابات الخبراء، فإن 85٪ من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في جميع أنحاء العالم منذ 2010 يرجع إلى هذين البلدين، حيث تمثل الولايات المتحدة 35٪ وتشكل الصين 50٪. لذلك، ما دامت الصين وأميركا في حالة جيدة، من المتوقع أن يحافظ الإقتصاد العالمي على معدل نمو سنوي يبلغ نحو 3.4 في المئة.
بالنسبة إلى بقية العالم، يبدو أن المؤشرات الاقتصادية في مثل هذا الوقت من العام الفائت وحتى أوائل العام 2018 تشير إلى أن العديد من الدول الذي كان أداؤه ضعيفاً عرف في نهاية المطاف حالة تحسن. وبالقيمة الإسمية للدولار، شهدت كلٌّ من البرازيل والإتحاد الأوروبي واليابان وروسيا إنخفاضاً طفيفاً في النمو منذ العام 2010، ولكنها أظهرت علامات تحسّن في العام 2017.
على سبيل المثال، في مثل هذا الوقت من العام الفائت، بدا الإتحاد الأوروبي وكأنه على أعتاب إنتعاش دوري قوي ومنتشر. لكن يبدو أنه لم يعد هذا هو الحال. لقد شهدت الإقتصادات الرئيسية مثل فرنسا وإلمانيا تباطؤاً، ربما بسبب مخاوف من حرب تجارية عالمية. وبالطبع، فإن المفاوضات بشأن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، والحكومة الإيطالية الجديدة المناهضة للنظم الأوروبية، والأزمة السياسية داخل الاتحاد الأوروبي حول الهجرة، خلقت جميعها حالة من عدم اليقين الإقتصادي. ويُمكن لأزمة الهجرة، على وجه الخصوص، أن تكون لها عواقب وخيمة على كلٍّ من حكومة المستشارة الإلمانية أنغيلا ميركل وعلى تماسك الإتحاد الأوروبي.
للتأكيد، إن التراجع الإقتصادي في أوروبا قد يكون مؤقتاً، وقد تعززت مؤشرات إدارة التوريد لمدراء المشتريات في دول منطقة اليورو نوعاً ما في حزيران (يونيو) الفائت، بعد شهرين من التراجع الملحوظ. لكن سيكون من قبيل التهور إستبعاد الأسوأ.
ومع ذلك، وكما رأينا، تعتمد إستدامة النمو العالمي بشكل كبير على الولايات المتحدة والصين. ومن الواضح أنه إذا بدأ هذان العملاقان الإقتصاديان حرب تعريفات متبادلة، فسوف يخسر كلاهما، وكذلك الإقتصاد العالمي. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، حيث يُمثّل الإستهلاك نحو 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن التجارة الدولية الإيجابية ومناخ الإستثمار المُستقر والصديق يُعتبَران عنصرين أساسيين لتحقيق النمو المُستدام. ويأمل المرء أن يتمكن خبير إقتصادي ما قريب من ترامب من إقناعه بعكس وتغيير أرائه قبل أن تُعرقل سياساته الإنتعاش الذي طال إنتظاره في العالم.