المؤامرة الوهمية

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

بعد مرور فترة على إقالة الوزير لطفي ابراهم، من دون سبب مُعلَن سكتت خلالها السلطة وكتمت أسباب الإقالة — وإن كان البعض عزاها إلى تورّطه في مؤامرة على الحكم لم تتحدَّد أبعادها، رددت أصداءها جهات موتورة وغير ذات مصداقية، مثل “لوموند أفريك” وقناة “الجزيرة”، حيث إتهمت الوزير بالتواطؤ مع دولة الإمارات، مما جعل الكثيرين يُصدّقون كذبة المؤامر– ها هي أصوات خجولة للوزيرين غازي الجريبي – الذي حلّ محل إبراهم في وزارته — وإياد الدهماني، وصوت أكثر شجاعة لوزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، تُفنّد هذا الزعم وتضحضه، وتُعيد للحقيقة وقعها، بعدما بات الأمر غير قابل للتراجع.
وقد فات الأصوات التي هللت وكبّرت للكذبة البيضاء، وتبنّتها أن عملية زين العابدين بن علي في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1987، لم تعد ممكنة اليوم:
فمن جهة فإن النظام الديموقراطي القائم على هنّاته لم يعد يسمح بمغامرات من هذا النوع .
ومن جهة ثانية فإن الظرف الذي تأتّى لبن علي للقيام بمغامرته لم يعد مُتاحاً. لقد كان بن علي وزيراً أول ودستور 1959 المُعدّل مرات عدة كان يعطيه حق القفز على رئاسة الجمهورية في حالة الشغور سواء الطبيعي أو المُفبرَك، وهو ما لا يتأتّى لوزير حتى ولو كان للداخلية .
ومن جهة ثالثة فإن دستور 2014 أوكل الخلافة لا للوزير الأول ولا لوزير في حالة الشغور بل إلى رئيس البرلمان.
والذين صنعوا الكذبة وأولئك الذين روّجوا لها، وأولئك الذين تبنّوها وهم في حالة عداء معلومة وحتى مُعلنة ضد ابراهم، هم أول من يعرفون أن الانقلاب غير ممكن، لا عمليًا ولا دستورياً ولا قانونياً، وكان عليهم أن لا يسقطوا عن حسن أو سوء نية في فخ الأكاذيب المكشوفة، وأن يتأكدوا من مصادرهم، ومدى مصداقيتها.
ما حصل اليوم وبعد أسابيع، هو تبييض لرجل أخلص لبلاده وإتُّهم ظُلماً بما لم يُقدم عليه، إلا إذا كانت إقالته الفجائية وغير الأخلاقية تعود لأسباب أخرى كان المفروض في دولة تدّعي الديموقراطية أن يتم الإفصاح عنها ، حتى لا تبقى في السر، أو في المهموتة كما يقال في تونس، وما لم يكشف عنها، فإن أصبع الاتهام يبقى مُوجَّهاً إلى رئيس الجمهورية ولحكومة، لا تتوفر على أمر، لعله الأهم وهو التضامن بين الوزراء، وأكاد أجزم أن زملاء لطفي ابراهم بالأمس لا يعرفون شيئاً عن سبب إقالته بالأمس ولا بطيخ ولا العائدي ولا جلول أول أمس، وأنهم وزراء بالمصادفة، لا تتوفر فيهم صفة الوزارة كما تعلمناها من أدبيات العلوم السياسية.
وغداً على الأرجح ستتم إقالة يوسف الشاهد، وستبقى الأعين مُغمَضة عن الأسباب الحقيقية، إلّا ما يطفح من متناقض التوقعات، ما يحيلنا لا على الأنظمة الديموقراطية، بل الأنظمة الأخرى التي لا نجرؤ على تسميتها.

• عبد اللطيف الفراتي هو كاتب وصحافي مخضرم تونسي، كان سابقاً رئيساً للتحرير في صحيفة “الصباح” التونسية. تستطيعون التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى