محوُ الأُمِّيَّة في العالم… وعندنا محوُ الأُمِّيِّـين

هنري زغيب*

الجمعية العمومية التي عقَدَتْها في مقرِّها الباريسي منظمةُ الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) سنة 1966 قرَّرَت اعتبارَ الثامن من أَيلول/سبتمبر “اليوم العالمي لمحو الأُميَّة”. وأَخذَت الدُوَل في هذا اليوم، حكوماتٌ ومجتمعٌ مدنيٌّ ومعنيُّون، تعمل على محو الأُميَّة بطُرُق وأَساليب تَرفع تَحدِّي الجهل والأُميَّة في صفوفها.

وإِذ أَحصت اليونسكو وجودَ 773 مليون بالغ في العالم ما زالوا أُميِّين، أَقرَّتْ في دورة 2015 برنامج التنمية المستدامة لخمسَ عشْرةَ سنةً تنتهي سنة 2030 (بعد تسعة أَعوام) لـ”تأْمين جُودة التعليم تلقينًا متواصلًا على مستوى واحد في المجتمع، بُلُوغًا إِلى تمكين جميع السكان، شُبَّانًا ورجالًا ونساءً، من القراءَة والكتابة والحساب”. وبذا ترمي اليونسكو إِلى تنصيع كرامةِ الإِنسان وحقوقِه لتَقَدُّم المجتمع.

هذا العام شعارُ اليونسكو لهذا اليوم العالمي: “تقليصُ الفروقات في المجالات الرقمية”. ولعلَّ هذا الشعار، في العصر الرقمي، لا ينطبقُ على بلدٍ كما ينطبقُ على لبنان في وضعه التربوي القَلِق المترجرج حِيالَ ضياع إِدارته التربوية الرسمية تَخَبُّطًا، فوقَ ما كانت تعانيه، بين صعوبات الاختلاط في البيئة “الكورونية”، ونقْصٍ في التواصُل الإِلكتروني ناجمٍ عن ضعف الإِنترنت الناجمِ عن انقطاع الكهرباء الناجمِ عن انقطاع المولدات الناجمِ عن انقطاع المازوت.

ومن ناجمٍ إِلى ناجمٍ يَشهد لبنان فواجعَ تَسَرُّب مدرسيّ وعمالةِ أَولاد بل أَطفالٍ شاردين في الشوارع حاملين غالونات البنزين أَو سِلَع الدليفري يوصلونها لاهثين بدون مصعد إِلى طبَقات عُلْيا من البيوت، وكثيرًا ما تكون السِلَع أَثقلَ من وزن الصبي فيَدُقُّ الباب كي يسلِّمها وهو على آخر نَفَسٍ من صدره الطريّ.

لا أَدري كم المعنيون عندنا بالشأْن التربوي يتابعون ما يجري في سائر الدول النامية كي يقتبسوا من تجربتها الناجعة الناجحة وتأْقلُمِها مع أَوضاعها المحلية. فالمدرِّس اليوم لم يَعُد مصدرَ التعلُّم الوحيد بل هو وسيطٌ يساعد على التعلُّم بالإِيصال إِلى مصادر تعلُّمية مادية أَو إِلكترونية أَو افتراضية، هي الوسائلُ الواجبُ أَن يَنظُرَ فيها المعنيون التربويُّون عندنا أَكثرَ من اهتمامهم بشُؤُونٍ تقليدية عادية يسعَون إِلى ترميمها. تأْمينُ وسائط التعلُّم هو الأَساسُ اليوم بين كهرباء وإِنترنت ووسائلِ اتصالات تحتاجُها المدارس قبل حاجتها إِلى مُدرِّسين وغُرَف وأَبنية وكُتُب مدرسية.

الأَساس الـمُلحُّ اليوم: تأْمينُ مستلزمات العصر الرقمي، حضوريًّا كان التدريسُ أَو بُعاديًّا، حتى يكونَ اتصال التلميذ بمصادر التعلُّم مُؤَمَّنًا بشبكة الإِنترنت وتيار الكهرباء والبنْية التحتية الإِلكترونية اللازمة لأَن التكنولوجيا اليومَ صارت هي القاعدة التي يُبنى عليها.

إِذًا: الأَربعاء 8 أَيلول/سبتمبر، فيما يحتفل العالم بــ”اليوم العالمي لـمحْو الأُميَّة” نحن في لبنان نحتاج – قبل محو الأُميَّة – إِلى مَحْو أُميَّةِ مسؤُولين ليسَت أُمِّيَّتُهم في جهْل القراءة والكتابة بل في نقْلهم لبنانَ من بلدٍ نامٍ أَو على طريق النمُوّ إِلى بلدٍ أَقصى حُلْم أَبنائِهِ الحصولُ على حفْنة كهرباء إِلى برَّادهم كي لا يَرمُوا منه آخِرَ رغيفٍ يابسٍ لم تَصِلْه بعدُ جرثومةُ العَفَن.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى