عجائبُ الدُنيا السَبع: أَينَ هي اليوم؟ (1 من 3)

أَثناء بناء الهرم الأَكبر

هنري زغيب*

اشتُهرت في العالَم القديم على أَنها سبع، كما صنَّفَها فيلون البيزنطي (280-220 ق.م.): هَرَم الجيزة الأَكبر (مصر)، الجنائن المعلَّقة في بابل (العراق)، تمثال زوس في الأُولمبيا (اليونان)، هيكل أَرتيميس في أَفسُس (تركيا)، ضريح موسوس في هاليكارناس (تركيا)، تمثال هيليوس في رودس (اليونان)، منارة الإِسكندرية (مصر).

في هذه الثلاثية أَتناول كُلًّا من تلك السبع، وأَختصر جلَّ ما فيها.

الجنائن المعلَّقة في بابل

مقدمة عامة

يعرف عنها الكثيرون أَنها “كانت موجودة”. ولكن… أَين هي اليوم؟ عدا هرم الجيزة الأَكبر الذي ما زال مقصد السياح اليوم، ماذا عن الست الباقية؟ هل باقيةٌ آثار لها في مكانها حيثما كانت في العالم القديم؟

المؤَرخة الإِنكليزية بيتاني هيوز (م. 1967- لندن) أَصدرت قبل أَشهر كتابها التأْريخي “سبعُ عجائب العالم القديم” (400 صفحة)، وفيه “رحلة ممتعة جديدة إِلى تاريخ الكنوز في العالم القديم”، تركيزًا على العبقرية الهندسية لكلٍّ من تلك السبْع العجائب، خمسٌ منها دالت آثارُها كليًّا فيما الجنائن المعلَّقة في بابل ما زالت موضوع نقاش بين مَن يعتبرها أُسطورية، ومن يُحاول إِثباتَ أَنها فعلًا كانت موجودة.

فماذا عنها جميعها؟

  1. هرَم الجيزة الكبير (مصر)

هو الوحيد الباقي إِلى اليوم (تقريبًا على حاله تمامًا) بين الست الأُخرى المنقرضة. تَـمَّ بناؤُه قبل نحو 4500 سنة قبل الميلاد، برغبة الملك خوفو (الفرعون الثاني من السلالة المصرية القديمة الرابعة) وكان يدَّعي أَنه إِلهيّ. تشكَّل بناؤُه من نحو مليونين وربع مليون حجر كلسيّ، عَلا نحو  147 مترًا تعلُوها قمةٌ من ذهب، واستنفد نحو 20 أَلف عامل. ومنذ العصور السحيقة، صمدَ على الزلازل والحروب وحتى تفجيرات الجنرال هاورد فَايْزْ الذي استعمل الديناميت سنة 1837 لشق نفَق يمهِّد للدخول إِلى الهرَم. وهو اكتَشف فيه أَربع قاعات داخلية أَعطاها أَسماء أَربعة من رفاقه: غرفة ويلينغتون، غرفة نيلسون، غرفة كامبِل، غرفة الليدي آربوثنوتْ.

هذا الهرم هو الأَكبرُ بين الثلاثة في منطقة الجيزة. الآخَران: “مَنْقْرَع” و”خَفْرَع” تَـمَّ تشييدُهما لاحقًا بعد بضعة عقود. وترى هيوز في هندسة الأَهرام “رجالًا يلعبون مع قوَّة الأَرض وقوَّة العقل البشري كي يطوِّعوا المواد الأَرضية الأَولية لِمَشيئَتهم. فالمصريون القدامى، لم يهتموا للماضي والمستقبل ولم يعتبروا أَنهم مرفوعون على أَكتاف جبابرة، لكنهم، لتكريم الملك خوفو، شاؤُوا أَن يجعلوا هرمَه واحدة من عجائب العالَـم القديم مهما كلَّفهم ذلك من طاقة وقدرة وجهود جبارة تفوق قدرة الإِنسان الطبيعية.

من هنا أَنَّ الهرم الكبير يتجاوز في بنائه تَخَيُّلَ الإِنسان العادي حتى ليُخَيَّل للبعض أَن بناءَه استوجَب الاستعانة بسُكان كواكب أُخرى من الفضاء الهائل.

طبقات الجنائن في بابل
  1. بابل: الجنائن المعلَّقة

هل هي فعلًا وُجدَت؟ أَم انها من ثمار التخيُّل الأُسطوريّ؟  شغَل هذا الأَمرُ المؤرخين منذ عقود بعيدة. ولم يستطع أَحد بعدُ تعيينَ مكان بنائها إِن هي فعلًا وُجدَت.

يرجِّح الخبراء أَنها أُنشئَت نحو سنة 600 قبل الميلاد برغبةٍ من نبوخذنصَّر الثاني (أَطْول الملوك مدةَ حكْمٍ في السلالة البابلية)، شاءها بادرةَ حُب لزوجته.

وما يدعو المؤَرخين إِلى الشك بوجودها أَنْ لم يذكُرها مؤَرخا الإِغريق كزينوفون وهيرودوتس، مع أَنهما زارا بابل.

غلاف كتاب “العجائب السبع”

ولكنْ… جاء في نص للكاهن البابلي بيروسُّوس (مطلع القرن الثالث قبل الميلاد) وصفٌ للجنائن المعلَّقة أَنها طبقاتٌ من الشرفات قائمةٌ على أَعمدة صخرية، وترويها مياه تُسْحَب إِليها من نهر الفرات. من هنا تردُّد المؤَرخين في نفي وجودها. وتؤَكّد بيتاني هيوز في كتابها: “الجنائن المعلَّقة في بابل لا بدَّ أَنها وُجِدَت، لِما ذُكِرَت واشتُهرت، ولحرص المعنيين في العصر الحديدي أَن يؤَقْلموها مع الطبيعة، على عكس ما شُيِّع عن مصر بأَنها جزء من كون خارجي.

وتُعلِّلُ هيوز غيابَ الإِثبات العلَني بأَنها مرادفةٌ أَسوارَ بابل الشهيرة. وتضيف هيوز: “حيال الوثائق الثابتة على وجود جنائن نينوى (العراق اليوم)، هل يمكن أَن تكون جنائن نينوى وبابل امتدادًا للأَسوار العالية التي كانت تحمي المدُن والقصور الملكية، حتى أَشكل على المؤَرخين الأَمر فخلَطوا بين جنائن نينوى وجنائن بابل؟ فما وصلَنا هو ذكْر الأَسوار تكرارًا في النصوص عن العالم القديم، دون ذكْر الجنائن في وصف مفصَّل”.

(في الجزء الثاني التالي: معبد أَرتيميس في أَفسُس، وتمثال زوس في الأُولمبيا)

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى