الملك السعودي يستخدم القمة العربية لتعديل موقف الرياض تجاه ترامب
رداً على الصدع المتزايد بين السياسات الإقليمية للرياض وبعض الإجراءات والمواقف التي إتخذها الرئيس دونالد ترامب في منطقة الشرق الأوسط، أعاد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز التأكيد على المواقف السياسية السعودية التي كانت قائمة منذ فترة طويلة في حين أبعد المملكة من مواقف واشنطن الشرق أوسطية.
الدمام – راغب الشيباني
إستخدم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز القمة العربية التاسعة والعشرين في نهاية الأسبوع الفائت لتأكيد المواقف السياسية القائمة منذ فترة طويلة، والتي ترقى إلى حد إبعاد المملكة من إرتباطها الوثيق بإدارة ترامب ومواقفها في الشرق الأوسط. ويعكس التغيير الخفي في النبرة علناً تزايد الشكوك الخاصة حول إلتزام الإدارة الأميركية بتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
بدلاً من إستضافة رؤساء الدول العربية في العاصمة، الرياض، إختار السعوديون الدمام في المنطقة الشرقية، موطن ثروة المملكة النفطية وأقليتها الشيعية. لذلك كانت الدمام والبلدات المجاورة مثل الخُبَر والظهران مُزَيَّنة بأعلام الدول العربية، بما فيها قطر (وليس سوريا) للترحيب بزعماء االدول الذين حضروا القمة. بطبيعة الحال، فإن المنطقة الشرقية هي أيضاً المنطقة السعودية الأبعد ما يكون من اليمن. ويبدو أنها خارج نطاق الصواريخ الباليستية التي صمَّمها الإيرانيون. في الأسبوع الفائت، أعلن الحوثيون أن العام 2018 هو “عام الصواريخ الباليستية”. وبحسب الإحصاء السعودي، فقد إستهدف 117 صاروخاً مُدُناً سعودية في السنوات الثلاث الأخيرة.
إفتتح سلمان القمة بإعادة تسميتها “قمة القدس”. وفي كلمته، قال إن الأولوية العليا للقادة العرب هي فلسطين ويجب أن تكون. وأدان بشدة سياسة إدارة ترامب في القدس. وقال إن السعوديين يعتبرون فلسطين والقدس “قضيتهم الأولى”. وهذا الكلام ليس جديداً بالطبع، فهو يمثل سياسة السعودية التقليدية. كما أكد الملك إلتزام السعودية بمبادرة السلام العربية 2002 التي أطلقها وطوّرها أسلافه.
ومع ذلك، فإن تصاعد ملاحظات الملك يعكس عدم الارتياح المتزايد في القصر الملكي بالنسبة إلى الأحداث في غزة والقدس التي تسير بإتجاه المزيد من الاضطرابات المتفجرة في الشهر المقبل عندما تُفتَتَح السفارة الأميركية في القدس. وفي الواقع لا يشعر السعوديون بالارتياح من النظرية المُستشرية في العالم العربي على نطاق واسع بأنهم يتآمرون مع صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، لتقويض مطالبة الفلسطينيين بالمدينة المقدسة، وهو تصورٌ يُدمر “العباءة” والميزة السعودية كمدافع عن المساجد المقدسة، وهو أمر حاسم لشرعية العائلة المالكة. وقد قامت السلطات السعودية بحجب صور المحتجين في غزة من على شاشة التلفزيون الذين كانوا يحرقون الأعلام السعودية وصور ولي العهد محمد بن سلمان. من جهتها تعمل إيران بنشاط على التسويق بأن السعوديين متآمرون مع إسرائيل.
ولمواجهة الإتهامات بأنه متساهل في قضية القدس، تعهّد سلمان في القمة بتقديم 200 مليون دولار من المساعدات. وقد تبرع بمبلغ 150 مليون دولار للحفاظ على المواقع الإسلامية في القدس و50 مليون دولار أخرى إلى غزة لصالح وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. كما تعهد بدعم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بعد شهور من صده والإزدراء به.
لقد أيّد السعوديون علناً الهجوم الثلاثي الأميركي – البريطاني – الفرنسي على البنية التحتية للأسلحة الكيميائية السورية. وإنقسمت القمة حول القضية، حيث وصف العراق ولبنان الهجمات بأنها خطيرة. وقد دعا القادة إلى إجراء تحقيق في التهم التي تقول بأن أسلحة كيماوية قد إستُخدِمَت في سوريا.
وقبل الهجوم الثلاثي الغربي كانت الرياض غاضبة ومستاءة من إعلان ترامب بأنه سيسحب جميع القوات الأميركية من سوريا قريباً. ولم تطمئن من تصريحاته منذ ذلك الحين حول السبب وراء الغارات الجوية التي وعد فيها بعدم محاولة التدخل لإصلاح مشاكل المنطقة “المضطربة”. بالنسبة إلى السعوديين، يبدو ترامب بشكل متزايد مثل باراك أوباما في الدعوة إلى إستراتيجية تترك للعرب الإهتمام بأنفسهم. ولم تكن الرياض مسرورة عندما زعم ترامب أن سلمان هو على إستعداد لدفع ثمن بقاء أميركا في سوريا. في الواقع، لقد تخلّى السعوديون منذ فترة طويلة عن محاولة الإطاحة ببشار الأسد. إنهم يريدون من واشنطن أن تقوم برفع الأحمال الثقيلة، وليسوا مستعدين لدفع أي شيء مقابل ذلك.
وقال سلمان أيضاً إن على القادة العرب أن يتّحدوا ضد إيران ووكلائها مثل الحوثيين. وقد إنقسمت القمة حول هذا الأمر، تماماً كما حول الوضع في سوريا. ويشعر السعوديون أيضاً بالإحباط لأن ترامب يهاجم بشدة وبحدة إيران كلامياً، لكنه يتجنب المواجهة مع طهران في سوريا وأماكن أخرى.
وعقب القمة، تفقد الملك المناورات العسكرية في المنطقة الشرقية، التي ضمّت جنوداً من 22 حليفاً للسعودية، والتي تُحاكي الدفاع عن المملكة من غزو إيراني. إن التحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب ليس رسمياً معادياً لإيران، لكن حسب النية السعودية هو أن تجعله كذلك.
على الرغم من كل ما ذكرنا، فإن السعوديين ليس في نيتهم بعد التخلي عن ترامب. لقد وضعوا هيبتهم وراء إدارة ترامب بإستضافته في الرياض قبل عام ومع زيارة ولي العهد الواسعة للولايات المتحدة. وشجّعهم أخيراً إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون وتعيين أحد الصقور ضد إيران جون بولتون كمستشار للأمن القومي. ومع ذلك فإن توقعاتهم بالنسبة إلى الإدارة الأميركية قد إنخفضت لذا حان وقت التغيير.
إن التعديل في الموقف السعودي تجاه إدارة ترامب قد بدأ، وهو تكتيكي وحذر ودقيق، وقد أطلقته قمة سلمان التي حملت إسم القدس.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.