الخلافة دُمِّرت لكن تنظيم “داعش” لم ينتهِ بعد!

على الرغم من أن دولة “خلافة الدولة الإسلامية” قد دُمّرت وتقطعت أوصالها، فإن كثيرين يعتقدون بأن تنظيم “داعش” لم ينتهِ بعد، وهو بالتالي يعود إلى ما كان عليه قبل إعلان الخلافة بإنتظار فرصة أخرى.

أبو بكر البغدادي: من المرجح أنه هرب مع المقربين منه إلى المناطق النائية في غرب العراق وشرق سوريا

بقلم مايكل ديمبسي*

لا شك بأن سقوط مدينة البوكمال في سوريا والإنتصارات الأخيرة لقوات الأمن العراقية في مدينتي القائم وراوة في العراق يُسجّلان إنهيار “خلافة الدولة الإسلامية”. ومع فقدان هذه المدن الواقعة على طول الحدود العراقية – السورية، لم تعد الجماعة الإرهابية تسيطر على أيّ مركز سًكاني رئيسي في أيٍّ من البلدين. ويمثل هذا الواقع الجديد عكساُ وتراجعاً كبيراً لتنظيم “الدولة الإسلامية” من أيامه العظيمة التي كانت قبل ثلاث سنوات فقط، عندما كان يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي، ويبتزّ الضرائب بشكل روتيني من الشركات المحلية، ويستغل الموارد الطبيعية للمنطقة (وبخاصة النفط)، كما حَكَم بيد من حديد نسبة كبيرة من سكان كلتا الدولتين. هذه الأيام لحسن الحظ ولّت – على الأقل حتى الآن – وهذا تطور يستحق الإحتفال.
والسؤال هنا: هل تكون هذه النكسة دائمة لـ”داعش” أم أن هناك فصلاً آخر لقصته؟ لسوء الطالع، كما أثبت تنظيم “الدولة الإسلامية” في الماضي، فهو عدو مرن ومُتكيِّف يكاد يكون من المؤكد أنه لن يذهب بهدوء إلى الظلام. وبدلاً من ذلك، من المرجح أنه سوف يعمل بشكل صارم في الأشهر المقبلة للحفاظ على علامته التجارية على قيد الحياة من خلال مجموعة من الإجراءات والعمليات.
أولاً، سيحاول العديد من قدامى المحاربين أن يتراجعوا إلى المناطق النائية في غرب العراق وشرق سوريا، حيث سينتظرون بصبر تحديد ما إذا كانت الحكومتان جادتان بشأن البقاء والصمود وإعادة بناء المناطق المحررة حديثاً. وفيما هم ينتظرون، من المرجح أن يهاجم هؤلاء المقاتلون بشكل دوري القوات الحكومية والمراكز الحضرية، مما يرسل تذكيراً بارعاً إلى السكان المحليين بأن “داعش” لا يزال موجوداً وأن في إستطاعته القيام بعمليات نوعية.
ثانياً، لا يزال تنظيم “الدولة الإسلامية” يحتفظ ببعض السيطرة على ثمانية فروع وشبكات عالمية، ومن المرجح أن تبذل المجموعة كل جهد ممكن لتعميق الربط التشغيلي عبر مشاريعها ومغامراتها العالمية. في الوقت الراهن، يبدو التنظيم أنه مهتم بشكل خاص بإعادة تشكيل وجوده في وسط وجنوب ليبيا، وتوسيع أنشطته في جنوب شرق آسيا. ومن المرجح أيضاً أن يعود العديد من مقاتليه إلى بلدانهم الأصلية، مع تصميم بعضهم على الأقل على مواصلة القتال من هناك.
وأخيراً، فإن “داعش” سوف يحاول تعديل سرده العام، بإستخدام كل منصة متاحة لتعزيز رسائله الأساسية: بأن المعركة مستمرة على الرغم من نهاية الخلافة، وأن المتعاطفين يجب أن يشنّوا هجمات “الذئب الوحيد” في الغرب – مماثلة إلى تلك التي جرت في نهاية الشهر الماضي في مانهاتن (في نيويورك).
هذه هي خطته، فماذا يجب أن نفعل رداً على ذلك؟
من أجل التصدي لقواعد اللعبة التي يمارسها تنظيم “الدولة الإسلامية”، سيتعيَّن على واضعي السياسات في الولايات المتحدة أن يتصرّفوا على السواء ضد التحديات القريبة والطويلة الأجل التي تعرضها وتحملها المجموعة الإرهابية.
في المدى القريب، هناك العديد من السياسات الجديرة بالإهتمام، بما فيها زيادة الدعم لجهود إعادة الإعمار في العراق وأجزاء من شرق سوريا، وخصوصاً من خلال تدابير تهدف إلى تمكين السكان السنّة المحليين وتخفيف مخاوفهم من السلطة السياسية الشيعية؛ وتَعَلُّم كل ما في وسعنا من الجاني المزعوم لهجوم مدينة نيويورك حول العملية التي إستُخدِمت لتحويله إلى التطرف، ثم وضع تدابير مُضادة مُصمَّمة؛ وتعميق تبادل المعلومات بين قواتنا الاستخبارية وقوات إنفاذ القانون وقوات الشرطة المحلية الأميركية، مع توسيع التعاون مع الدول الشريكة فيما تبدأ تحضيراتها للتعامل مع العودة الوشيكة إليها للمقاتلين الأجانب ذوي المهارات العالية.
مع ذلك، بعدما عملتُ على قضايا مكافحة الإرهاب في مناصب حكومية أميركية عُليا على مدى السنوات القليلة الماضية، فإني على إقتناع أيضاً بأن هذه الأنواع من الإستجابات القصيرة الأجل غير كافية إذا كنا نأمل في تقويض إمكانات “الدولة الإسلامية” والقضاء على مخططاته الطويلة الأجل.
لتحقيق هذا الهدف، سيتعيَّن على صناع السياسة في الولايات المتحدة والغرب أن يبدأوا التقليل والتخفيف من الظروف الأساسية التي غذّت نمو تنظيم “الدولة الإسلامية”. ولحسن الحظ، هناك فرصة قد تكون مُتاحة في المملكة العربية السعودية، حيث بدأ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برنامجاً طموحاً للإصلاح لإعادة تشكيل المجتمع السعودي، والأهم من ذلك، تعزيز نسخة أكثر إعتدالاً للإسلام السعودي. إن جهود الإصلاح الحقيقية في المملكة – وما زال من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هذا حقيقياً أو تجميلياً – مقروناً بإلتزام ملموس بعدم تصدير العلامة التجارية السعودية من الإسلام السني الوهابي السلفي إلى الخارج – ستكون مساعدة كبيرة على منع التطرف على الصعيد العالمي و في تقلص قدرة “داعش” على جذب المجندين المحتملين. إن الهدف المُعلَن لمبادرة الإصلاح السعودي لم يسبق لها مثيل، وهي مشروع جدير بالرقابة الدقيقة من واشنطن، وإذا كان مضموناً، القيام بتشجيعه.
بالمثل، من أجل تقويض جانب رئيسي من جاذبية تنظيم “الدولة الإسلامية” التاريخية للسنة، ينبغي على صناع القرار الأميركيين والغربيين إيجاد السبل لتعزيز المعتدلين في إيران، حتى في مواجهة النقاش المرير حول مصير الإتفاق النووي. وبينما تحتاج واشنطن بوضوح إلى تراجع الأنشطة الخبيثة الإيرانية في المنطقة، فإن ولاية الرئيس حسن روحاني الإصلاحية (أعيد إنتخابه في أيار (مايو) الماضي) تقدم أفضل أمل لتقويض العناصر المتشددة داخل البلاد، وبخاصة الحرس الثوري وقوات القدس – الوحدات المسؤولة عن العمليات العسكرية العدوانية الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وكما قال لي خبير إقليمي مرة، هناك ثلاث فئات من الجهات الفاعلة السياسية في إيران: معتدلة، محافظة، وشريرة. نحن بحاجة إلى دعم بارع للفئة الأولى حتى ونحن نواجه الأخيرة. إن سياسات الولايات المتحدة التي تُضعف روحاني عن غير قصد وتدعم المتشددين الإيرانيين تناسب بشكل جيد إدعاءات تجنيد “الدولة الإسلامية”: بأن الخلافة تمثل حصناً ضد حركة توسعية تقودها إيران الشيعية. هذه رسالة مُصمَّمة خصيصاً لجذب المعزولين والضعفاء والمُهمَّشين من أهل السنة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لذلك، في حين أن مواجهة “داعش” في ساحة المعركة أمر ضروري، فإن تمكين المعتدلين في جميع أنحاء العالم الإسلامي أمرٌ مُلحّ وبالغ الأهمية.
وأخيراً، من أجل زيادة تآكل نفوذ “الدولة الإسلامية” في المدى الطويل، يجب على الديبلوماسيين الأميركيين والغربيين أن يوجّهوا جهودهم الديبلوماسية لحل النزاعات (أو على الأقل تخفيفها) في بلدان قليلة عدة التي هي في وضع حرج ودقيق، وبخاصة ليبيا واليمن. لقد إستغل تنظيم “داعش” عدم الإستقرار العميق في هذه البلدان لتوسيع بصمته، والسيطرة على تضاريس رئيسية، والقيام بعمليات؛ وبالتالي فإن التقدم هناك والنجاح في الحد من العنف، وتحسين الظروف الإنسانية، وتعزيز الحكم المركزي سوف يساعد حتماً على تقليص مساحة العمليات الإرهابية.
إن نهاية الخلافة المادية لأبو بكر البغدادي هي نجاح واضح للجهود العسكرية والديبلوماسية والإستخباراتية الأميركية عبر الإدارتين الماضيتين.
ويُذكّرنا هذا بما يُمكن أن تحققه إستراتيجية مدروسة بعناية ومتكاملة ولديها الموارد الضرورية في غضون بضع سنوات فقط؛ من المهم أيضاً بأن الولايات المتحدة كانت قادرة على تحقيق ذلك بالتنسيق الوثيق مع شركاء ورفضت الرغبة والدعوات لمواجهة “الدولة الإسلامية” مباشرة لوحدها. ولكن الجواب عما إذا كان هذا النجاح سيكون قصير الأجل أم أنه سيكون نقطة تحول فعلية فسيتوقف ويتعلق بشدة بالقرارات التي تتخذها الإدارة الأميركية في الأشهر القليلة المقبلة، وما إذا كانت ستلتزم بمعالجة التحديات المباشرة، فضلاً عن الجوانب السياسية والأمنية والثقافية العميقة أي الظروف الإيديولوجية التي ساهمت في صعود “الدولة الإسلامية” في المقام الأول.

• مايكل ديمبسي هو خبير المخابرات الوطنية في مجلس العلاقات الخارجية والمدير السابق بالنيابة للإستخبارات الوطنية الأميركية. والآراء التي أبداها في هذا المقال تخصه وحده ولا تعكس آراء الإدارة الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى