… وإِلى المئوية الثانية

هنري زغيب*

بكل وَقار السنوات المئة، مدَّت يدَها المبارَكَة كي تُضيْءَ فجرَ المئوية الثانية.

ها المئةُ الأُولى انقضَت (1924-2024)، مختزنةً في وجدانها 100 ربيع من الصبا الدائمِ الحاملِ في وُرُوده مواسمَ العطاء.

أَيُّ عطاءٍ أَسمى من رسالةٍ بدأَتْ ضئيلةَ الاتساع وَنَمَتْ جليلةَ الإِبداع !منذ ولادتها (1924) أَولَ “كلية التعليم العالي للبنات” في لبنان والشرق الأَوسط، راحَت حُبوبُ قمحها تَتَسَنْبَلُ حتى بلغَت مئةً من السنوات الخصيبة بإِطلاق أَفواجٍ من الأَجيال عامًا بعد عامٍ في فضاء لبنان والعالَم.

واثقةً كانت خطواتها منذ البدايات، وراحت تنمو في ثقة التقدُّم نحو بناء الفرد فالمجتمع فالوطن.

ولا تكتفي طُموحًا: من بناءٍ بسيطٍ (1924) على تلَّةٍ في رأْس بيروت أَخذ يتَّسع مبنى بعد مبنى، إِلى حرمٍ على تلةٍ في “بلاط”- بيبلوس (1992) ما زال يتَّسع صرحًا بعد صرح.

ولا تكتفي طُموحًا: من رأْس منارتها على تلَّة رأْس بيروت، امتدَّ طُموحها إِلى ما وراء البحار ففَتَحَتْ قلبَ مانهاتن-نيويورك (2013) وأَنشأَت فيه مركزًا أَكاديميًّا نموذجيًّا فريدًا بين رفيقاتها جامعات الشرق الأَوسط، منبرَ حوارٍ ثقافي حضاري يُشَكِّل أَرقى واحةٍ للتَوَاصُل بين الشرق والغرب.

ولا تكتفي طُموحًا: من ثلاث خريجات سنة 1924 إِلى 53 أَلفًا العامَ الماضي، إِلى 8700 طالبة وطالب هذه العام.. أَهي جامعةٌ أُمٌّ؟ أَمْ أُمٌّ جامعة؟ يقيني خصوصًا أَنها الأُمُّ التي لا تنفكُّ تجمَع القمح ولا تكفُّ عن عطائه سنابلَ معرفةٍ وتربيةٍ وثقافةٍ هي ثالوثُ التعليم العالي في ذروة ثرائه.

ولا تكتفي طُموحًا: يوم التحقْتُ بها (2002) لتأْسيس “مركز التراث اللبناني” فيها باقتراحٍ من نائب الرئيس يومها د. نبيل حيدر، كانت ولايةُ رئيسها د. رياض نصَّار تتهيَّأُ لتسليم الأَمانة بعد 22 سنة (1982-2004) من العمل الهرقليّ لنهضة الجامعة في حرَمَيها. وكان أَن تَسَلَّم الشعلةَ د. جوزف جبرا وواصل نهوضَها بجهودٍ فائقةِ الوصف طيلة 16 سنة (2004-2020) فرفَع مجدها أَعلى من كلِّ تصوُّرٍ، وأَحيا أَحرامَها الثلاثة كما في الأَعاجيب. ومنذ سنوات أَربع (2020-2024) ورئيسُها الحالي د. ميشال معوّض يَقُودُها بدُربتَيْن: مهارته كطبيب جرَّاح، وحذاقته كحكيمٍ حازمٍ على تواضع، حاسمٍ على أَناةِ حوار. ومن إِيمان رئاسة الجامعة بدور “مركز التراث اللبناني” فيها، يسجِّل “المركز” عامًا بعد عامٍ تطوُّرَ رسالتِه مطبوعاتٍ ومنشوراتٍ وندواتٍ ومؤْتمراتٍ على منبرها الذي يَستقطب محاضرين لبنانيين وعالَميين إِلى أَبحاثٍ تراثية وثقافية بلغَت المئات اليوم، وهي إِلى مزيد.

ولا تكتفي طُموحًا: مع تَوَسُّع الحَرَم الجامعي الجميل على التلَّة الجميلة، تغيَّر اسمُها (لا هويتها) من “الكلية الأَميركية للبنات” (1933)، إِلى “كلية بيروت للبنات” (1950)، إِلى “كلية بيروت الجامعية” (1973)، إِلى سُطُوع اسمها الحالي “الجامعة اللبنانية الأَميركية” (منذ 1994). وبين تغييرِ اسمٍ وآخَر بقيَ شعارُها واحدًا بِـمُثَلَّثِها الأَكاديمي الذهبي: “الابتكار الـمُوائِم، التمكين الـمُلائِم، العطاء الدائِم”.

ولا تكتفي طُموحًا: من اختصاصٍ إِلى آخَر، من كليةٍ إِلى أُخرى، من جناحٍ ثقافيّ وبحثيّ ومتخصصٍ إِلى سواه (فيها حاليًا 22 مركزًا ومؤَسسة)، من مركز طبّي إِلى آخَر (مستشفى رزق في الأَشرفية، مستشفى القديس يوحنا في جونيه)، من مشاريع واتفاقات إِلى بروتوكولات ومعاهدات مع مؤَسسات علْمية وبحثية دولية وشركات صناعية، واعتمادات أَكاديمية مع جامعات عالَمية، حتى لهي اليوم تتساوى فاعليةً مع كبريات مؤَسسات التعليم العالي في العالَم، وهدفُها الأَعلى: الإِبداع والبحث والجهد المتواصل لتحقيق المعرفة واحترام حقوق الانسان وكرامته.

الإِنسان.. بلى.. ورئيسُها د. ميشال معوض، في إِطلاق أَعمال المئوية قبل أَيَّام، أَعلَنَها في جبين عالٍ “عروسَ بيروت ولؤْلؤَةَ لبنان” و”جامعة الإِنسان أَولًا وأَخيرًا”.

جامعةٌ أُمٌّ؟ أَمْ أُمٌّ جامعة؟ لعلَّها كلتاهما معًا. وعند قولك “الجامعة اللبنانية الأَميركية” يُطالعُك من فضاء التعليم العالي صوتٌ يُعلنها في لبنان واحةً من ضياء وعطاء.

وما أَنبلَ هذا الصوتَ يُعلنُ نهوضَها إِلى فجر المئوية الثانية.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى