رَحلةُ المغرب نحوَ تَحقيقِ أهدافِ التَنميةِ المُستدامة

نادية فتاح العلوي*

إنطلقَ المغربُ أخيرًا نحوَ تحقيق المرونة الاقتصادية والتنمية المستدامة. فعلى مدارِ العقدَين الماضيَين، برهنت المملكة على التزامها الراسخ بتحقيقِ أهداف التنمية المستدامة من خلالِ الإصلاحاتِ الهيكلية والسياساتِ الشاملة والمُبادراتِ التحويليّة. وقد شدّدت استراتيجية الملك محمد السادس على النموِّ الشامل، الذي قلّلَ من عدم المساواة، وعزّزَ التماسُكَ الاجتماعي، مُمَهِّدًا الطريق للازدهار المستدام.

التحوُّل الاقتصادي: التنويعُ والمرونة

انتقلَ المغرب من بلدٍ مُنخَفضِ الدخل إلى بلدٍ متوسِّط ​​الدخل من الشريحة الدنيا، مُحقّقًا اقتصادًا متنوِّعًا يتمتّعُ بأُسُسٍ متينة. وعلى مدارِ العقد الفائت، بلغ متوسط ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة 3.2% سنويًا، على الرُغمِ من التباطؤ الاقتصادي الحاد خلال جائحة كوفيد-19. وكان هذا النموُّ مدفوعًا بشكلٍ رئيس بقطاعاتٍ استراتيجية مثل الطاقة المُتجدِّدة والسيارات والزراعة. وتشملُ الإنجازات الرئيسة في أن المغرب أصبِحَ أكبر بلدٍ مصنِّع للسيارات في أفريقيا، مُصَدِّرًا 700 ألف مركبة في العام 2024، والتحوُّل نحو المركبات الكهربائية، وتوليد أكثر من 14 مليار دولار سنويًا من عائدات التصدير، والاستفادة من واحدة من أكبر البنى التحتية للموانئ في المنطقة (ميناء طنجة المتوسط).

يُعتبَرُ قطاع الطاقة المتجدّدة ركيزةً أخرى من ركائز التحوُّل في المغرب. ويُعَدُّ مجمع نور ورزازات للطاقة الشمسية أحد أكبر محطات الطاقة الشمسية المركزة عالميًا. ورُغمَ وجودِ بعضِ التحدّيات في إدارة هذا المجمع الضخم، إلّا أنَّ هذا المشروع، بشكلٍ عام، يُجسِّدُ طموحَ المغرب في توليد 52% من طاقته من مصادر متجدّدة بحلول العام 2030. لا يقتصرُ هذا الالتزام على التخفيف من مخاطر المناخ فحسب، بل يُؤكد أيضًا على ريادة المغرب العالمية في تحقيقِ الهدفِ السابع من أهداف التنمية المستدامة المُتعلّق بالطاقة النظيفة وبأسعارٍ معقولة.

التحوُّل الاجتماعي: إعطاءُ الأولويّة للشمول

ترتكز مسيرة المغرب نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة على توجُّهٍ اجتماعي قوي. وقد أولت إدارة الملك محمد السادس الأولويّة للسياسات الشاملة لمعالجة الفقر وعدم المساواة وتوفير الخدمات الأساسية. يُمثّلُ إطلاقُ مشروع تعميمِ الحماية الاجتماعية في العام 2021 مبادرةً رائدة تهدفُ إلى توسيع نطاق التغطية الصحية لتشمل 22 مليون مغربي بحلول العام 2025. وبالمثل، فإنَّ إدخالَ التحويلات النقدية المباشرة للأُسَرِ الضعيفة التي تمَّ إطلاقها في نهاية العام 2023 سيُحسّنُ الظروف المعيشية لحوالي 7 ملايين طفل و3 ملايين أسرة، مما يدلُ على التزامِ الحكومة بالهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة بشأنِ القضاء على الفقر.

كما حققت الاستثمارات في التعليم والرعاية الصحية أرباحًا كبيرة. فقد ارتفع صافي الالتحاق بالمدارس الابتدائية إلى 99٪ في العام 2022، بينما انخفضت معدلات وفيات الأمهات من 227 لكلِّ 100,000 ولادة حية في العام 2004 إلى 72.6 في العام 2020. وتوضّحُ هذه التطوّرات التزامَ المغرب بضمان عدم تخلُّفِ أيِّ شخصٍ عن الركب في مساره التنموي.

رؤى مشتركة لقادة العالم

أكّدَت عواملُ رئيسة المسارَ التنموي الإيجابي للمغرب:

  1. الاستثمار في البنية التحتية والتنويع: يُسهِمُ الاستثمارُ الاستراتيجي في القطاعات ذات التأثير العالي، مثل الطاقة المُتجدّدة والصناعة، في دَفعِ عجلةِ التحوُّلِ الاقتصادي وتَوفيرِ فُرصِ العمل.
  2. تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي: يضمن تطبيق التغطية الصحية الشاملة وبرامج التحويلات النقدية المباشرة نموًّا شاملًا مع الحدِّ من عدمِ المساواة.
  3. تبنّي رؤية بعيدة المدى: تُعَدُّ القيادة القوية والرؤية الاستراتيجية الواضحة، كما يتجلّى في نموذج التنمية الجديد، أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة.
  4. استغلال الشراكات: إنَّ الاستفادة من التعاون الدولي، مثل شراكات المغرب مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من شأنها أن تُعزِّزَ التقدُّم نحو تحقيقِ الأهداف العالمية.

فيما يفكر قادة العالم في سُبُلِ تحقيقِ أهداف التنمية المستدامة، تُبرِزُ تجربةُ المغرب قوّةَ القيادة التحويلية، والإصلاحات المُستهدفة، والالتزام الراسخ بالتنمية الشاملة. باعتمادِ هذه المبادئ، لا تستطيعُ الدولُ بناءَ المرونة الاقتصادية فحسب، بل تضمنُ أيضًا مستقبلًا أكثر إشراقًا واستدامة لمواطنيها.

  • نادية فتاح العلوي هي وزيرة الاقتصاد والمالية في المملكة المغربية. يُمكن متابعتها عبر منصة (X) على: @FettahNadia

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى