“حزب الله” يعمل بنشاط على تقويض المبادرة الفرنسية في لبنان

بقلم مايكل يونغ*

أدلى البطريرك الماروني اللبناني، مار بشارة بطرس الراعي، يوم الأحد الفائت، بتصريحاتٍ عدّة بعيدة المدى. وأكد بشكلٍ أساس أن الدولة اللبنانية لا يُمكن أن تتعايش مع سلوك “حزب الله”.

جاءت تصريحات البطريرك في الوقت الذي يُكافح لبنان لتشكيل حكومةٍ تماشياً مع المبادرة التي قدمها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في أوائل أيلول (سبتمبر). وهي تدعو إلى “حكومة مُهمّة” من الأخصائيين لمعالجة الأزمات المالية والإقتصادية الخطيرة في لبنان. سيحظى هؤلاء الأخصّائيون بدعم الأحزاب السياسية، لكن لن يكون بينهم سياسيون.

وقد أخرج الحزبان الشيعيان الرائدان في البلاد، “حزب الله” وحركة “أمل”، العملية عن مسارها، حيث أصرّا على أن يكون وزير المالية شيعياً، وأن يُحتَرَمَ هذا الشرط دائماً في الحكومات المُستقبلية. ومطلبهما هذا يُخالف مبدأ التناوب على الحقائب الوزارية التي تتّفق عليها جميع الأطراف اللبنانية الأخرى تقريباً، بما فيها عدد من حلفاء “حزب الله”.

من خلال المطالبة بأن يكون وزير المالية دائماً شيعياً، بدا أن الثنائي الشيعي يُريد تغيير العرف الدستوري اللبناني خلسةً بدون تعديلٍ دستوري رسمي. والسبب أن وزير المالية يجب أن يُصادق على التشريعات المُتعلّقة بالنفقات، وقد اعتبر الحزبان الشيعيان أن ذلك يمنحهما حق النقض غير الرسمي على القوانين التي لا يوافقان عليها، إلى جانب رئيس الجمهورية الماروني ورئيس مجلس الوزراء السنّي.

وتساءل البطريرك الراعي في عظته عن سبب إصرار الطرفين الشيعيين على ذلك. ورفض فكرة أن تحتفظ طوائف لبنان بحقائب وزارية لنفسها ثم أوضح نقطة أكثر عمقاً. فقد أعلن أنه إذا أراد الشيعة، وخصوصاً “حزب الله”، تغيير النظام اللبناني، فعليه تقديم تنازلات كبيرة. وألمح إلى أن عليه إنهاء وجود دولته داخل الدولة، وتسليم أسلحته، وقبول حياد لبنان.

وللمرة الأولى، أكّدت شخصية لبنانية بارزة علناً أن تصرفات “حزب الله” تُقوّض مصالح الدولة – وفي هذه الحالة، إتمام نجاح مبادرة ماكرون الضرورية لجلب المساعدات المالية الدولية التي يحتاجها لبنان بشكل عاجل. ومن الواضح أن تصريحات البطريرك صدمت الثنائي الشيعي، إذ أنه بعد ساعات أصدر المجلس الشيعي الأعلى، الذي يُهيمن عليه “حزب الله” وحركة “أمل”، بياناً يُدينها.

لفهم ما يجري، على المرء أن يرى ما يحدث في المنطقة. لقد غيّرت اتفاقات السلام الأخيرة التي أبرمتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل المشهد الاستراتيجي. فبعدما سعت إيران إلى وضع صواريخها في لبنان وسوريا لضرب إسرائيل، قلبت إتفاقات السلام الطاولة، مع إقامة إسرائيل تحالفاتٍ استراتيجية في منطقة الخليج.

ويبدو أن هذا أدّى إلى تصلّب الموقف الإيراني في لبنان. يعتقد الكثير من المراقبين أن مطالبة “حزب الله” بأن يكون وزير المالية شيعياً كان هدفها تقويض المبادرة الفرنسية. وبحسب تقارير عدة متطابقة، شعرت طهران أن أي حكومة غير سياسية في بيروت قد تُعيق قدرة “حزب الله” على التحرّك من لبنان، في حين أن إيران قد تحتاج إلى الحزب للرد على هجوم إسرائيلي على أراضيها.

في الواقع، إذا منعت إيران تنفيذ خطة فرنسية تهدف إلى تحقيق الإغاثة الإقتصادية، فقد حكمت على ملايين اللبنانيين بألمٍ إقتصادي كبير، وربما حتى مجاعة، بمَن فيهم أنصار “حزب الله”. والأسوأ من ذلك، أن الحزبين الشيعيين معزولان اليوم، حتى حليفهما الرئيس ميشال عون، يعارض رفضهما قبول التناوب في وزارة المالية.

في 22 أيلول (سبتمبر)، ربما يكون رئيس الوزراء السابق سعد الحريري قد فتح فرصة لحل المأزق في لبنان. فقد وافق على تعيين شيعي مُستقل كوزيرٍ للمالية بينما رفض قبول أن تكون حقيبة المالية مُخصَّصة للطائفة الشيعية. إذا وافق “حزب الله” وحلفاؤه على ذلك، فقد يُحيي المبادرة الفرنسية.

في حين أن الحزب لم يرد رسمياً على الرئيس الحريري حتى الآن، فإذا رفض اقتراحه، فسيظهر “حزب الله” أنه ليست لديه حلول للأزمة الاقتصادية الخطيرة في لبنان، ولا يُقدّم رؤية للبلد سوى أن يظل مرزبانياً (ولاية فارسية) لإيران، وإنه يحاول الحفاظ على الوضع السياسي الراهن الذي يرفضه معظم اللبنانيين.

وقد أوضح الكثير من ذلك البطريرك الماروني. وأظهر رد “حزب الله” من خلال المجلس الشيعي الأعلى أنه لا يمكنه حشد الدعم إلّا من داخل المؤسسات الطائفية في مجتمعه. وهذا بعيدٌ كل البعد من الحزب الذي صوّر نفسه ذات مرة على أنه طليعة المقاومة الإقليمية ضد إسرائيل وأميركا. من خلال تحويل نفسه إلى أداةٍ إيرانية، فقد سمح لأولويات طهران تقويض مكانته المحلية بشكل مطرد.

ماذا يعني هذا للمستقبل؟ إذا كان الدور النهائي ل”حزب الله” هو تعزيز قدرة الردع الإيرانية ضد إسرائيل والولايات المتحدة، فإن النزاع أو الخلاف الذي يواجهه في لبنان ربما يكون قد حيّد هذه القدرة. لا يريد أيّ لبناني (أو لبنانية) أن يرى بلده يتم تدميره نيابة عن إيران. كما أنهم لا يريدون رؤية لبنان يتفكك اقتصادياً بسبب فيتو طهران. الرسالة واضحة لمعظم اللبنانيين: تفضيلات وخيارات “حزب الله” عادة لا تُقدّم سوى المزيد من البؤس.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كَتَبَ الكاتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى