كيف يُمكن للإدارة الأميركية الجديدة أن تضيف إلى مشاكل محمود عباس

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس على هامش مؤتمر باريس: “نحن كفلسطينيين نقول كفى، بعد 70 عاماً من المنفى و50 عاماً من الإحتلال، يجب أن يكون 2017 عام العدالة والسلام والحرية لشعبنا”.
وأكد أن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، من شأنه القضاء على عملية السلام، وقد يدفع الفلسطينيين للتراجع عن الإعتراف بدولة إسرائيل.
وحذر الرئيس الفلسطيني من أنه إذا تم نقل السفارة “ستكون أمامنا خيارات عدة سنبحث بها مع الدول العربية، موضحًا أن التراجع عن إعترافنا بدولة إسرائيل سيكون إحداها، ولكن نأمل ألا نصل إلى ذلك، وأن نستطيع بالمقابل العمل مع الإدارة الأميركية المقبلة.

القدس: إنتقال السفارة الأميركية إليها سيقضي على حل الدولتين.
القدس: إنتقال السفارة الأميركية إليها سيقضي على حل الدولتين.

رام الله – سمير حنضل

على مدى 12 عاماً قضاها رئيساً للسلطة الفلسطينية، تمتع محمود عباس بدعم علني كامل من البيت الأبيض. إدارة جورج دبليو بوش، التي أيّدت تعيينه رئيساً للحكومة في العام 2003 وساهمت في صعوده إلى الرئاسة في العام 2005، أمطرت حكومته بالمساعدات المادية وتعهدت بدعمه سياسياً. باراك أوباما، الذي إتصل بعباس في أول يوم له كرئيس للولايات المتحدة، أطلق جولتي مفاوضات للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وسمح له بتوطيد سلطته محلياً.
الآن يجب على عباس أن يتعامل مع إحتمال أن تكون الإدارة الأميركية الجديدة معادية لحكومته، نظراً إلى إصرار فريق دونالد ترامب على نقل السفارة الأميركية إلى القدس وتهديد الكونغرس بإلغاء المساعدات للسلطة الفلسطينية. وبالتالي فإن الأشهر المقبلة سوف تجلب تحديات جديدة لوضع عباس السياسي من الخارج فيما هو يواجه مشاكل عميقة في الداخل.

في مأزق

في عهد إدارة بوش، إحتلّ الإصلاح والتحوّل الديموقراطي سلّم الأولويات في جدول أعمال الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية. وقد بدا عباس، البيروقراطي منذ فترة طويلة والذي عارض الهجمات الإرهابية للإنتفاضة الثانية، مناسباً تماماً لدفع تلك الأولويات. خلال فترة ولايته الوجيزة كرئيس للحكومة في العام 2003، وضع نفسه في خانة المصلح للسلطة الفلسطينية، وحاول سحب بعض من سيطرة ياسر عرفات على الأجهزة الأمنية وفتح وإطلاق مؤسسات حكومية. في العام 2005، عندما إنتُخِب عباس رئيساً، تعهّد بإجراء أول إنتخابات تشريعية فلسطينية منذ عشر سنين في السنة التالية – وكانت علامة على إلتزامه بالعملية الديموقراطية. وقد أَعجَب سجلّه البيت الأبيض في عهد بوش إلى درجة أنه بعد فوز “حماس” الصادم في إنتخابات العام 2006 وإستيلائها على قطاع غزة في العام 2007، تحركت واشنطن بطريقة أوثق مع عباس، موفّرةً لحكومته مئات الملايين من الدولارات من المساعدات السياسية والمالية والعسكرية .
وبرزت ديناميكية مختلفة عندما أصبح أوباما رئيساً في العام 2009. إن إصرار أوباما على تجميد البناء الإستيطاني الاسرائيلي قبل مفاوضات 2010-2011 قد وضع عباس في الزاوية. في الماضي، لا عباس ولا سلفه عرفات، أصرّ على أن البناء الاستيطاني ينبغي أن يتوقف قبل المفاوضات؛ إن الرئيس الأميركي تجاوز أساساً الزعيم الفلسطيني، دافعاً به إلى أعلى الشجرة ثم “سحب السلّم،” كما قال عباس في نيسان (إبريل) 2011. وفي السنوات التي تلت، بدأت الولايات المتحدة، التي كانت تسعى إلى تحويل إهتمامها إلى أماكن أخرى في المنطقة، تتجاهل تدريجاً الإجراءات المحلية لعباس، سامحةً له تعزيز قبضته على السلطة من دون فرض عواقب على حكومته. في العام 2013، أجبر عباس الإصلاحي رئيس الوزراء سلام فياض على الإستقالة؛ وفي العام 2015، إنتهكت السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية الحريات الصحافية أربع مرات أكثر مما كانت عليه في العام 2013، وفقاً للمركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية.
إن تحركات إدارة أوباما الأخيرة بشأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وضعت عباس في مأزق آخر. من جهة، إن إمتناع البيت الأبيض عن التصويت في مجلس الأمن الدولي في كانون الاول (ديسمبر) وعدم وضع “فيتو” لإدانة الإستيطان الإسرائيلي كان إنتصاراً واضحاً للقيادة الفلسطينية، التي سعت طويلاً لنقل الصراع مع الإسرائيليين إلى الساحة الدولية. من ناحية أخرى، فقد ترك خطاب وزير الخارجية الأميركي جون كيري في 28 كانون الأول (ديسمبر) عباس في مأزق. لو قبل الرئيس الفلسطيني علناً بالمبادئ التي عرضها كيري كأساس لمستقبل المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية — على سبيل المثال، إصرار كيري على أن أي عودة للاجئين الفلسطينيين ينبغي أن تكون “واقعية” – لكان هوجم محلياً لمساسه بمبادئ مفاوضات السلطة الفلسطينية، التي تدعو إلى حق جميع اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى إسرائيل. كما كان خاطر بإغضاب الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي عارض إمتناع الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن، وكذلك خطاب كيري. كل ما إستطاع عباس عمله في مواجهة تلك الضغوط كان إصدار بيان واسع مشيراً فيه إلى أنه تابع خطاب كيري ب”إهتمام كبير”.

خارج النص

السؤال الأكبر في رام الله اليوم هو ما إذا كانت تعهدات حملة ترامب الإنتخابية ستصبح سياسة رسمية. إن وعد الرئيس المنتخب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وإختياره ديفيد فريدمان (الذي يسمّي حل الدولتين “وهماً”) سفيراً للولايات المتحدة إلى إسرائيل، وإعلانه بأنه سوف يعكس إجراءات إدارة أوباما التي إتخذتها في اللحظة الأخيرة في الأمم المتحدة بالتأكيد تقلق عباس. جنباً إلى جنب مع تزايد الدعوات في الكونغرس إلى وقف المساعدات للسلطة الفلسطينية التي تمثل تحدياً غير مسبوق لحكومته.
إن إمكانية تحوّل تلك الدعوات إلى واقع لا يمكن أن تأتي في وقت أسوأ بالنسبة إلى الزعيم البالغ من العمر 81 عاماً. تعاني حكومة عباس بالفعل من قلة التدفقات النقدية: أعلنت السلطة الفلسطينية في 3 كانون الثاني (يناير) أنها تلقت حتى الآن نصف المساعدات الخارجية فقط التي تتوقعها موازنتها في العام 2017. وقد أجبر نقص التمويل السلطة الفلسطينية على خفض الدعم لمؤسسات القطاع العام، مثل مستشفى الميزان في الخليل، التي أعلن أخيراً موظفوها إضراباً بسبب الأجور غير النظامية.
ومما يجعل الأمور أكثر سوءاً هو أن شرعية عباس تواجه إنتقادات. حركة “فتح” التي يتزعمها مُنقسمة بشكل خطير، ويستمر منافسوه في “حماس” بالتخطيط لهجمات إرهابية ضد إسرائيل من الضفة الغربية. وقد رفض عباس تعيين نائب أو خليفة له، الأمر الذي يمهّد الطريق أمام أزمة خلافة: منافسوه في الضفة الغربية يستعدون فعلياً لمواجهة قد تكون دموية التي ستحدث عندما يترك السياسة. للتعويض عن ضعفه، فقد إنتقد عباس المعارضة علناً، مُنفّراً بذلك أكثر الفلسطينيين من حكومته. الواقع أن الغالبية تريد الآن من عباس أن يستقيل.
من جهته أعلن عباس بأنه مستعد للعمل مع الإدارة الأميركية المقبلة لإستئناف عملية السلام، ولكن حتى المقربين منه لا يصدّقون هذا. بعضهم، مثل كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، أعلن غضبه وقلقه علناً من السياسات المقترحة لإدارة ترامب. وحذّر أحد مستشاري عباس خلال مقابلة على التلفزيون المصري في 1 كانون الثاني (يناير) من أن الفلسطينيين سوف “يستعدون لمواجهة مع الادارة الإميركية الجديدة.”
في الواقع إن المواجهة مع الولايات المتحدة مُرَجَّحة، بغض النظر عما يفعل عباس. إن إستمرار حملته الشعبية لنقل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى الساحة الدولية قد يروق للجمهور الفلسطيني (في العام 2015، دعمت نسبة 86 في المئة من الفلسطينيين رفع قضية ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية)، ولكن ذلك سيجلب إستعداء الإدارة الأميركية الجديدة. وإذا توصل عباس إلى إتفاق آخر على تشكيل حكومة وحدة وطنية مع “حماس”، التي صنّفتها الولايات المتحدة جماعة إرهابية، كما فعل في العام 2014، فإن الكونغرس من المرجح أن يخفض أو يلغي المساعدات للسلطة الفلسطينية. في الخارج والداخل، ستقوم واشنطن بمراقبة عباس عن كثب.
لأكثر من عقد من الزمن، تمتّع عباس إمّا بدعم قوي من واشنطن أو بموافقة ضمنية منها لمتابعة برنامجه الداخلي. في الأشهر المقبلة، سوف يكون عليه التعامل مع بيت أبيض غير ودي، وكونغرس ربما عدائي، وجمهور فلسطيني ينمو أكثر بعداً من حكومته. عندما قوطع عباس من قبل مندوب في حركة “فتح” خلال كلمة له دامت ثلاث ساعات في مؤتمر الحركة في 30 تشرين الثاني (نوفمبر)، خرج عن النص لطمأنة الجماهير: “أنا أعرف أين أنا ذاهب،” قال. مع ذلك، فإن الفلسطينيين ليسوا متأكدين من ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى