المصرفية – الإسلامية ترياق للتضخم؟

بقلم سمير الحلو

عندما يُذكَر “التمويل الإسلامي”، فإن الأفكار عن أحدث المشروعات العملاقة في الخليج العربي تتبادر إلى الذهن. ومع ذلك، بالنسبة إلى الملايين من المسلمين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن التمويل الإسلامي هو مماثل لإتحاد الإئتمان في الولايات المتحدة. في أماكن مثل الأردن وتركيا، يشهد النظام نمواً كبيراً، ولكن لأسباب مختلفة تماماً. في حين أن الأردنيين ينظرون إلى التمويل الإسلامي بإعتباره الطريق إلى التنمية، فإن الأتراك يستخدمونه لمكافحة التضخم.
يعتمد التمويل الإسلامي على إفتراض مركزي بأن كل شيء، بما في ذلك المال، هو ملك الله، وأن الإنسانية هي ببساطة “قَيّمة” وأمينة على كل هذه الأشياء. وهذا المفهوم المركزي مشروح بالتفصيل في الشريعة والذي يشمل الحظر على الفائدة (الربا)، والإفراط في المخاطر، وتسليع المال وبعض المواد الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، يحظّر تماماً التجارة في أنشطة حرام معينة. بالنسبة إلى المستثمر الحريص على الإستفادة من التمويل الإسلامي، هذا يعني بأن أية تنسيقات يجريها مع أحد البنوك يجب أن تأخذ في الإعتبار المشاركة في المخاطر بالتساوي وتبادل كل المال مقابل شيء ملموس غير الذهب والفضة أو الغذاء. وعلاوة على ذلك، لأنه لا يمكن وضع فائدة، ينبغي أن يوافق كلا الجانبين من العقد إما على مجموعة رسوم أو ترتيب لتقاسم الأرباح.
الصكوك، التي تُقارَن في كثير من الأحيان بالسندات، تُستخدَم للحصول على تمويل للمشاريع الكبيرة. في حين أن السندات بالمعنى الغربي تجبي الأموال اللازمة، فإن الصكوك تكون مضمونة بملكية سلع فعلية، مثل المعدات والأرض وقيمة وقت العمال. بالنسبة إلى عملاء في قطاع التجزئة المصرفية، فإن هذه المُثُل عينها من تقاسم المخاطر وتجنّب الشك والمجهول موجودة. واحدة من أدوات التمويل الإسلامي، “التكافل”، تعمل بمثابة بديل من التأمين من طريق السماح للعملاء بتجميع مواردهم للعمل بشكل جماعي. وتُدار الموارد وتُستثمَر لتحقيق النمو، تماماً مثل شركة التأمين التقليدية، ولكن في نهاية فترة محددة سلفاً تتشارك “تكافل” في الأرباح مع حامليها. وقد إكتسب النظام أرضية كبيرة في الخليج وباكستان، وجنوب شرق آسيا، وكذلك في لندن.
وعلى الرغم من عدم وجود الدخل الهائل الذي يمكن العثور عليه في منطقة الخليج، فقد نجح التمويل الإسلامي بشكل ملحوظ في الأردن حيث تعمل الآن أربعة بنوك إسلامية، وهو ما يمثل خمس إجمالي قطاع التجزئة المصرفية هناك. وقد أجرى أحد البنوك الإسلامية الأكثر أهمية في الخليج، بنك دبي الإسلامي، أعمالاً تجارية منذ فترة طويلة في الأردن. والواقع أن المصرفية الإسلامية نجحت في الأردن لأنها مستمرة في التركيز على إحتياجات عملائها وتوفير مسارٍ لإستثمار المسلمين الأجانب الذين يتبنّون التمويل الإسلامي. علماً أن إصداراً أخيراً للصكوك بقيمة 350 مليون دولار، ركّز على التوسع في أجزاء أخرى من الإقتصاد من خلال البنية التحتية للمياه والكهرباء. وقد جاء جزء كبير من التمويل لهذا المشروع من الخليج.
وساعد البنوك الإسلامية الأردنية أيضاً إنخفاض معدل التضخم. بمعدل بلغ -0.9 في المئة في العام 2015، كان معدل التضخم في الأردن هو 16 أدنى المعدلات في العالم. ونتيجة لذلك، فإن الخط الذي يجب على البنك الإسلامي الوفاء به ليكون مربحاً هو أقل بكثير مما سيكون عليه في أي مكان آخر. فمن شأن 12٪ من العائد الاسمي، وهو رقم معتدل لكثير من البنوك الإسلامية، أن يعود ب12.9 في المئة من حيث القيمة الحقيقية، على غرار أداء المحافظ الإستثمارية التي تُدار بشكل جيد. بالإضافة إلى ذلك، نظراً إلى محدودية التكهنات والمخاطر المفرطة المطلوبة نتيجة للمبادئ المالية الإسلامية، فإن هناك قيوداً كبيرة بُنيت للحماية ضد التضخم الجامح. هذه العوائد المعتدلة، إلى جانب إنخفاض معدلات التضخم، تساعد كلها على زيادة حصة السوق المصرفية الإسلامية في الأردن، فضلاً عن إبراز ما يمكن أن تفعله البنوك الإسلامية في البلدان ذات الدخل المتوسط.
وينمو التمويل الإسلامي بسرعة أيضاً في تركيا. حالياً، يشكل نسبة 6 في المئة من إجمالي سوق التجزئة المصرفية التركية، ولكنه ينمو بسرعة. وخلال الأشهر الستة الأولى من العام 2015، نمت الخدمات المصرفية الإسلامية 40 في المئة أسرع في تركيا من المتوسط العالمي. إذا إستمر هذا الاتجاه، قد تستطيع بلاد أتاتورك تلبية هدف رؤية تركيا 2023 في أن تكون نسبة 15 في المئة من سوق التجزئة المصرفية تتألف من بنوك إسلامية.
ومن المثير للإهتمام، أن هذا النمو محلي وتشجّعه الحكومة. لجزء كبير من تاريخه، فقد إبتلي الإقتصاد التركي بإرتفاع معدلات التضخم، وخصوصاً قطاعه المالي، مع معدل التضخم الحالي هو 7.1 في المئة. وهذا يعني أن الربح الاسمي نفسه البالغ 12 في المئة الذي أنتج ربحاً حقيقياً بلغ تقريباً 13 في المئة في الأردن من شأنه أن ينتج فقط 4.9 في المئة في تركيا. لسنوات، أبقى هذا الأمر الكثير من اللاعبين الدوليين الكبار في مجال التمويل الإسلامي بعيداً.
لبدء النمو في قطاع التمويل الإسلامي، فقد فتحت الحكومة التركية “شبابيك” إسلامية في البنوك المملوكة للدولة التي تسمح لبنوك التجزئة العادية تقديم الخدمات المالية الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة دعمت الصكوك التي تسعى إلى تنمية القطاع المالي الإسلامي نفسه.
ومن الواضح أن العمل المصرفي الإسلامي مهم في تركيا، وتلعب الحكومة في هذا المجال دوراً كبيراً. وقد يميل البعض للإشارة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه “التنمية والعدالة” بأنهما وراء تعزيز نظام مالي يفيد قاعدتهما الإسلامية إلى حد كبير. في حين أن تشجيع التمويل الإسلامي هو بالتأكيد خطوة ذكية من قبل أردوغان في الداخل والخارج، فإن هذا ليس هو السبب الوحيد. إن التمويل الإسلامي يمثّل فرصة لمحاربة التضخم، وهو شوكة طويلة الأمد في جسم الإقتصاد التركي. في الواقع، كان بعد إنقلاب 1980 عندما سعى الجيش العلماني إلى توسيع التمويل الإسلامي من أجل الحد من التضخم. وإذا إستمر التمويل الإسلامي في النمو، يمكن أن يكون الرصاصة الفضية التي تبطئ أخيراً التضخم.
لاحظ مخططو السياسة في أنقرة النمو والاستقرار اللذين يأتيان مع التمويل الإسلامي، والمستشارون السياسيون إستغنموا هذه الفرصة لمواصلة جذب المزيد من العناصر المحافظة في المجتمع التركي كميزة إضافية. إن كبح جماح التضخم يمكن أن يكون إرثاً كبيراً لأردوغان. إن نظراءه الأردنيين يقرّون أيضاً أنه بسبب هذا الاستقرار، يمكن إستخدام التمويل الإسلامي لتمكين النمو في مجالات أخرى من خلال تشجيع الاستثمارات من إقتصادات إسلامية غنية أخرى. بالنسبة إلى أولئك الأبعد من ذلك، فإن الأمثلة من تركيا والأردن تبيِّن أن التمويل الإسلامي يمكن أن يوفّر الإستقرار الإقتصادي الهادف والنمو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى