البرنامج النووي الأردني على مفترق طرق!

منذ 2007، تاريخ إنشاء هيئة الطاقة الذرية الأردنية، وعمّان تطمح في دخول النادي النووي. وعلى هذا الأساس وقعت صفقة في العام الفائت مع روسيا لبناء محطة ضخمة للطاقة النووية في المملكة. ولكن، رغم هذا التوقيع فإن عقبات عدة ما زالت تعترض تنفيذ هذا المشروع.

مصادر الطاقة النووية في الأردن
مصادر الطاقة النووية في الأردن

عمّان – ليلى الشامي

في خضم حماس كبير، وقّع الأردن إتفاقية مع روسيا تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار لبناء أول محطة للطاقة النووية في البلاد في آذار (مارس) 2015. وقد أكد رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية خالد طوقان بثقة: “إننا نهدف إلى بناء محطة للطاقة النووية من الطراز الأول التي ستكون مثالاً يُحتذى للمنطقة”. واعداً بالطاقة الرخيصة، فقد أكد طوقان أن الطاقة النووية هي الطريقة المُثلى للمضي قدماً. مع ذلك، يخشى خبراء مستقلون – على حد سواء في الداخل والخارج – من أن إصرار الحكومة الأردنية على السعي إلى إستخدام الطاقة النووية سوف يقود المملكة إلى طريق ضار.
في مقابلة في مكتب هيئة الطاقة الذرية الأردنية، دافع طوقان عن الطاقة النووية كأداة توفر الإستقرار للمملكة. وبعدما أشار الى أن الأردن يستورد 98 في المئة من إحتياجاته من الطاقة، فقد أضاف طوقان بأن البرنامج النووي من شأنه تزويد عمّان بالإستقلال في مجال الطاقة، والسماح للأردن “الوقوف على قدميه”. في حين كانت المملكة الهاشمية تعتمد في السابق على مصر لتأمين الغاز الطبيعي، فإن العديد من الهجمات التي إستهدفت خطوط الأنابيب المصرية بعد إنتفاضات 2011 خفّضت الإمدادات الى الأردن. وأكد طوقان، الحاصل على درجة دكتوراه من معهد ماساتشوستش للعلوم التقنية “M.I.T” في الهندسة النووية، على أن البرنامج سيعزز المهارات التكنولوجية والعلمية في الأردن للأجيال المقبلة.

توفير التمويل

على الرغم من وعد طوقان بأن المشروع سيوفّر الإستقلال في مجال الطاقة للأردن، فإن البعض الآخر يشير إلى أنه من أجل أن تبني عمّان هذا المشروع المُكلِف، فإنها ستضطر إلى الإعتماد على التمويل الأجنبي. وبموجب إتفاق العام 2015، فقد وافقت الشركة الروسية “روساتام” المملوكة للدولة على تمويل 49 في المئة من المشروع، مع قبول الأردن المسؤولية بتأمين الأموال المتبقية. ومع ذلك، ينبغي الآن أيضاً أن تكون قدرة روسيا على تمويل المشروع موضع تساؤل. يحذّر صندوق النقد الدولي من أن روسيا ستبقى على الأرجح في حالة ركود خلال العام 2016 بسبب تراجع أسعار النفط. كما أكد نائب وزير المالية الروسي سيرغي ستورتشاك في كانون الثاني (يناير) الفائت على أن البلاد يمكن أن تعلّق القروض الأجنبية بسبب الموازنة “المُرهَقة”، الأمر الذي يخاطر بمستقبل المشروع النووي الأردني. وعلاوة على ذلك، بعد توقيع إتفاق مع تركيا في العام 2010، حسبما ذكرت صحيفة “ديلي صباح” في نيسان (إبريل)، فإن “روساتام” تخطط لبيع 49٪ من أسهمها في المشروع التركي بسبب مشاكل مالية حادة. لذا كيف سيعمل الأردن لتمويل برنامجه النووي في وضع مماثل إذا أوقفت روسيا مساعدتها؟
حتى لو تمكنت موسكو من توفير التمويل الذي وعدت به، فإن عمّان لا تزال بحاجة إلى العثور على ما يكفي من المال لتمويل نصف المشروع. إن الوضع الإقتصادي في الأردن لا يزال هشاً. لقد تضاعفت ديون البلاد تقريباً منذ بدء النزاع السوري، قافزة من 18.9 مليار دولار في 2011 إلى 35.2 مليار دولار هذا العام. كما أن إمتصاص الأردن السخي ل655،000 لاجئ والحدود المغلقة مع سوريا قد ضيّقت وضغطت على موارد البلاد. وإرتفع الدين العام في عمّان بالنسبة إلى إجمالي الناتج المحلي إلى 93 في المئة. ومن أجل تمويل المشروع النووي، يمكن للأردن رفع الضرائب أو خفض الدعم، ولكن كل خطوة من هذه الخطوات سوف لن تحظى بشعبية وقد أثارت سابقاً تظاهرات حاشدة.
عند توقيع الصفقة مع روسيا، ذكر طوقان أن مستثمرين دوليين آخرين سوف يتعاونون مع الأردن لتمويل النفقات. في آذار (مارس) 2015، وعد بأن البلاد سوف توقّع صفقات مع هؤلاء الشركاء “بحلول نهاية العام”. حتى تموز (يوليو) 2016، لم يتحقق أيٌّ من هذه العقود، وفقاً لإعتراف طوقان نفسه. قبل سبع سنوات، جادل رئيس الهيئة الذرية بأن الأردن يمكنه أن يعتمد على إستخراج اليورانيوم لتمويل البرنامج النووي، مع تحقيق عمان كسباً قدره 1.25 مليار دولار سنوياً. علي أحمد، مدير برنامج سياسة الطاقة في الجامعة الأميركية في بيروت وصف هذه الأرقام بأنها “سخيفة”. وشركة التعدين الفرنسية “أريفا” غادرت الأردن بعدما إكتشفت بأن نوعية اليورانيوم في البلاد هي دون المستوى وغير مربحة تجارياً. وأضاف علي أحمد بأن أسعار اليورانيوم قد إنخفضت من 135 دولاراً للرطل الواحد في العام 2007 إلى حوالي 35 دولاراً فقط للرطل الواحد اليوم. لذلك، يعتبر العديد من الخبراء النوويين خطة طوقان لتمويل البرنامج النووي من اليورانيوم هي خطة غير واقعية للغاية.

التهديدات الأمنية والمعارضة المحلية

هناك مخاطر أمنية أخرى تستدعي الحذر في ما يخص المشروع النووي للبلاد. إن ضرب وتفجير موقع نووي يكون إنجازاً إستراتيجياً للإرهابيين، وسوف يلحق أضراراً لا توصف. في آذار (مارس) 2016، إتهمت الحكومة الأردنية مسلحي “الدولة الاسلامية” بالإنخراط في معركة ضارية مع قوات الأمن، أدت إلى مقتل ثمانية أشخاص في قلب إربد ثالث أكبر مدينة في المملكة الهاشمية. حتى في البيئات الأكثر أماناً في البلاد، فقد توغّل الإرهاب. في 6 حزيران (يونيو) الفائت، وهو اليوم الأول من شهر رمضان، أقدم إرهابي على قتل خمسة مسؤولين اردنيين في مكتب إستخبارات البقعة. وقد إعترف طوقان بأن أي هجوم على منشأة نووية هو إمكانية حقيقية، ولكنه أكد على أنه بالنظر إلى المكافآت المُحتمَلة للمشروع، “علينا أن نأخذ المخاطرة”. وعلاوة على ذلك، هناك جارا الاردن اللذان مزقتهما الحرب، سوريا والعراق، وأقر طوقان بأن هناك حوالي 2000 عميل ل”داعش” يخيّمون على الحدود الشمالية للبلاد. إن البيئة الأمنية الخطرة الحالية تجعل على وجه الخصوص بناء محطة نووية في الأردن أمراً محفوفاً بالمخاطر.
وكانت المعارضة المحلية للبرنامج النووي شرسة. في العام 2012، صوّت مجلس النواب الأردني على تعليق بناء المفاعل النووي في البلاد. وأشار النواب إلى أن البرنامج النووي “سيدفع المملكة إلى نفق مظلم، وسوف يجلب ضرراً بيئياً سلبياً لا رجعة فيه”. النائبة هند الفايز التي تنتمي إلى قبيلة بني صخر – التي تقطن بالقرب من موقع البناء المقترح – أكدت على أن هيئة الطاقة الذرية لن تستطيع بناء المحطة إلّا على “جثتها الهامدة”. ومع ذلك، فإن التصويت التشريعي لم يردع المسؤولين الحكوميين من توقيع الصفقة مع روسيا والسير قدماً لبناء المفاعل النووي. حتى داخل العائلة المالكة، هناك إنقسامات لا تزال قائمة تجاه مشروع طوقان. وقد عبّرت الأميرة بسمة عن تحفظات ضد البرنامج النووي، وهي مؤيدة قوية للبيئة.

المخاوف البيئية والطاقة

إن ندرة المياه في الأردن هي مثيرة للقلق، نظراً إلى أهميتها في تبريد مفاعلات الطاقة النووية. وتُعتبَر المملكة الأردنية الهاشمية رابع أفقر دولة بالمياه في العالم وفقاً للأمم المتحدة. وقد إقترحت هيئة الطاقة الذرية في البداية بناء المفاعل قرب العقبة والبحر الأحمر لتحسين فرص الحصول على المياه. ولكن، غيّرت اللجنة الذرية المواقع وتحوّلت إلى عمرة في قلب الصحراء، ما يقرب من 37 كيلومتراً شرقي عمّان. وأشار طوقان، الذي ترأس سابقاً خمس وزارات حكومية، بما في ذلك الطاقة والتعليم، إلى أن محطة مياه الصرف الصحي في السمرة سوف تُستخدَم لأغراض التبريد. ومع ذلك، فقد أوضح “أم في رامانا”، الخبير النووي في جامعة برينستون الأميركية، أن تحويل مياه الصرف الصحي، والتي تُستخدم حالياً في أماكن أخرى لأغراض الزراعة، سوف يزيد إحتقان الموارد المحدودة في البلاد. وأضاف رامانا أنه إذا توقفت محطة مياه الصرف الصحي لأمر ما، فإن المفاعل النووي سوف يفتقر إلى المياه اللازمة للتبريد، مما قد يؤدي إلى إنصهار المفاعل النووي. وفيما تُبنى الغالبية العظمى من المواقع النووية بالقرب من مصادر المياه الكبيرة، فقد أكد رامانا على أن هناك محطة نووية واحدة أخرى فقط في جميع أنحاء العالم تستخدم مياه الصرف الصحي للتبريد. لقد أصبحت المخاوف التي تتعلق بالسلامة في الصناعة النووية حساسة خصوصاً بعد كارثة العام 2011 المروعة في محطة فوكوشيما في اليابان.
الواقع أن قرار الأردن أخيراً شراء مفاعلين كبيرين بقدرة 1000 ميغاواط يزيد من تعقيد الوضع. ويشير خبراء في مجال الكهرباء إلى أنه لا يجب أن توجد محطة واحدة للطاقة تكون قدرتها أكبر من 10 في المئة من إجمالي الطاقة الإنتاجية للبلاد. ومع ذلك، لما كانت القدرة الحالية المحدودة للأردن تبلغ نحو 3400، فإن المحطة النووية الكبيرة تتجاوز بكثير التوصية. وإذا توقف المصنع – إما للصيانة العادية أو في حالة طوارئ – فإن حصة كبيرة من إمدادات الطاقة عندها ستصبح غير قابلة للوصول، وربما تزعزع إستقرار الشبكة بأكملها.
ورداً على هذه الحجة، قال وزير الطاقة محمد حامد أن الطلب على الكهرباء في الأردن سوف يتضاعف ثلاث مرات بحلول العام 2030. وهذا المشروع من شأنه أن يحل مشكلة الطاقة الإنتاجية المحدودة في الأردن. ومع ذلك، يشكك المتخصصون في الحقل النووي ما اذا كان الأردن يمكنه أن يزيد من قدرة الكهرباء بشكل كبير جداً في هذه الفترة القصيرة من الزمن.
إن إصرار المملكة الهاشمية على سلوك المسار النووي، على الرغم من العديد من المخاطر، هو ضار بسبب التكاليف العالية. لقد أنفقت المملكة الأردنية 160 مليون دولار على الأقل على البرنامج النووي وفقاً لطوقان، مع تقدير خبراء من الخارج بأن المبلغ أعلى من ذلك بكثير. وبالتالي، لم يعد لدى الأردن ما يكفي من المال المتبقي للإستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بسبب محدودية الموازنة في البلاد. وقد دفع الخبير علي أحمد من الجامعة الأميركية في بيروت إلى مزيد من الاهتمام بالطاقة الشمسية، التي إنخفضت أسعارها بنسبة 80 في المئة منذ العام 2008، وأشار إلى الإمارات العربية المتحدة كنموذج لإستثمارات كبيرة في الطاقة الشمسية.
منذ أن أسس الأردن هيئة الطاقة الذرية في العام 2007، عمل طوقان بشكل مُكثّف على وضع برنامج للطاقة النووية. مع ذلك، فإن الخبراء يحذرون من أن التحديات الأمنية، ومخاوف التمويل، وندرة المياه، والمعارضة الداخلية تشكل عقبات كبيرة لمشروع نووي ناجح. ربما يتعين على الحكومة الأردنية أن تنظر في ما إذا كان هذا هو أفضل مسار لإستخدام الموارد المحدودة في البلاد، خصوصاً في الوقت الذي تتزايد التحديات الاقتصادية. وبما أن الأردن لم يبدأ البناء، فإن الوقت لم يفت بعد لعمّان لإعادة تقييم طموحاتها النووية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى