عودة محمود أحمدي نجاد؟

على الرغم من فشله السياسي والإقتصادي خلال فترة حكمه، بدأ الرئيس الإيراني السابق المتشدد محمود أحمدي نجاد حملة هادئة في محاولة للعودة إلى الساحة السياسية وربما الترشح للإنتخابات الرئاسية في العام المقبل.

الجنرال قاسم سليماني: قد يكون خرطوشة المتشددين الأخيرة في إنتخابات 2017
الجنرال قاسم سليماني: قد يكون خرطوشة المتشددين الأخيرة في إنتخابات 2017

طهران – هشام الجعفري

عمّ إرتياح كبير في المجتمع الدولي عندما تقاعد محمود أحمدي نجاد، زعيم المواجهة الإيرانية، في العام 2013 بعد فترة مضطربة دامت ثمانية اعوام كرئيس للجمهورية الإسلامية وإستُبدِل بحسن روحاني. كان الرئيس الإيراني السابق معروفاً جيداً بإنكاره المحرقة اليهودية وبإعلانه الجاد الغريب للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في آب (أغسطس) 2006 بأن إيران وألمانيا تحالفا ضد “المنتصرين في الحرب العالمية الثانية”. كما أن المراقبين هم أليفون أيضاً وعلى دراية بمناورته في 2005 بعرضه على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي كانت مسؤولة عن إجراء عمليات التفتيش النووية في إيران، تمويل موازنة المنظمة السنوية بأكملها. والسبب أن أحمدي نجاد كان يعتقد بأنه إذا كان الغرب يستطيع “شراء” الوكالة الأممية من خلال تمويلها، فإن طهران يمكنها كذلك.
إن تصريحات وسياسات أحمدي نجاد جلبت له عدداً قليلاً من الأصدقاء في الخارج. ولم يكن الوضع أفضل في بلاده، حيث أسفرت مبادراته المتهوّرة إلى حالة من الفوضى الإقتصادية والسياسية. لقد أدّى البرنامج النووي الذي دفعه قدماً بتحدٍّ إلى فرض عقوبات دولية شديدة على إيران كانت أشد وأقسى عقوبات فُرِضت على أي بلد في العصر الحديث. لقد دمّرت هذه العقوبات الإقتصاد الذي كان يترنح بالفعل منذ سنوات من سوء الادارة في ظل حكمه. وأدت إعادة إنتخابه في صيف 2009 إلى إضطرابات واسعة النطاق وطويلة الأمد، لأن كثيرين من الايرانيين إعتقدوا بأنه لا يمكنه الفوز إلّا من خلال تصويت مزور فقط. أحد قادة الحرس الثوري، محمد علي جعفري، المنوط به مهمة إخماد “الإنتفاضة”، وصف الوضع على شاشات التلفزيون الحكومي الإيراني في العام 2013 كأخطر تهديد للجمهورية الاسلامية منذ الحرب بين إيران والعراق في ثمانينات القرن الفائت، وهي حرب خسرتها إيران تقريباً أمام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. عندما غادر أحمدي نجاد الرئاسة، كان معدل التضخم 46 في المئة، ومعدل النمو كان سلبياً تحت الصفر ستة في المئة (-6%)، وإنخفضت قيمة العملة الوطنية بنسبة تقرب من 300 في المئة.
ومع ذلك، يهدد أحمدي نجاد الآن بالعودة إلى الحياة السياسية، وهو إحتمال لا يثير أصدقاءه ومؤيديه المتشددين القديمين.
على مدى الأشهر القليلة الفائتة، كان أحمدي نجاد يُلمّح إلى أنه قد يرشح نفسه للرئاسة في الإنتخابات التي ستجري في حزيران (يونيو) 2017. كان يقوم بجولات في المدن الصغيرة والتحدث في المساجد. وإتهم روحاني بأنه “فشل” في الاتفاق النووي الذي توصلت إليه طهران مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية، في تموز (يوليو) 2015، لأنه يعتقد أن الإتفاق قد ضحَّى بالبرنامج النووي الإيراني لتحقيق مكاسب غير مؤكدة. ونشر مساعدوه أيضاً رسالة تفيد بأنه إذا عاد أحمدي نجاد إلى السلطة، فإنه سوف يزيد بنسبة خمسة أضعاف البدل النقدي البالغ 40 دولاراً الذي منحه للإيرانيين في العام 2011 بعد أن رفع الدعم عن السلع الأساسية مثل المواد الغذائية والوقود للتحرك في إتجاه أسعار السوق وتحسين الإقتصاد.
إن مشجّعي أحمدي نجاد، الذين هم في الغالب طلاب جامعات إسلاميون متشددون سابقون ورجال ميليشيا “الباسيج”، قد أنشأوا مواقع إلكترونية لنشر تحركاته وخطبه. ووضعوا ملصقات لحثّه على العودة إلى السياسة. أحد الملصقات عليه تعليق “هناك جفاف، ونحن بحاجة إلى المطر” تحت صورة للرئيس السابق. بالنسبة إليهم، إنه يمثل شخصاً يُمكنه تعميق الثورة الإسلامية في الداخل وقيادة الحركة المناهضة للإمبريالية في الخارج جنباً إلى جنب مع القادة الثوريين في أميركا اللاتينية، مثل فيديل وراؤول كاسترو ودانيال أورتيغا.
خصومه يأخذون هذا الأمر على محمل الجد. المتحدث بإسم جماعة دينية متشددة كانت تؤيده سابقاً بشدة غير متحمس له في هذه الأيام: “أحمدي نجاد لا يستحق أن يُعطى فرصة أخرى”، قال بشكل قاطع. ووصف أحد أعضاء البرلمان بأنها نعمة ألّا تستيقظ كل يوم لتجد أن الرئيس قد قال شيئاً ملتهباً وخلق مشاكل لبقية الحكومة. وقال عضو آخر في البرلمان أنه قبل أن يفكر أحمدي نجاد بالعودة، عليه تبرئة ساحته من الفساد، مشيراً إلى إتهامات بإختلاسه الأموال العامة مع حكومته.
لقد جاء الرئيس السابق الى السلطة في المقام الأول بدعم قوي من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وفقاً لعلي سعيدي ممثل خامنئي في مؤسسة الحرس الثوري، فإن الأخيرة هي التي “هندست الإنتخابات”، جاذبةً الأصوات لصالحه من خلال تعبئة أفراد الحرس وميليشيات الباسيج، وبدعم من رجال الدين الصغار المتشددين الذين أُوفدوا إلى جميع أنحاء البلاد لصالح حملته الإنتخابية. (كانت هناك مؤشرات في ذلك الوقت إلى أن مكتب المرشد الأعلى، وبخاصة إبنه مصطفى، كان أيضاً ناشطاً ويشجّع بهدوء التصويت لأحمدي نجاد). وكانت هناك شكوك قوية حول تزوير الإنتخابات حتى عندما إنتُخب للمرة الأولى في العام 2005. لكنه فقد دعم كل من المرشد الأعلى والحرس الثوري في فترة ولايته الثانية في منصبه عندما إصطدم أحياناً علناً مع خامنئي، خصوصاً خلال محاولته إقالة وزير الإستخبارات حيدر مصلحي في نيسان (إبريل) 2011، وهو أمر عارضه خامنئي. إحتجاجاً، إعتكف أحمدي نجاد ورفض الحضور إلى مكتبه لمدة 11 يوماً. وكان مصدر آخر للتوتر مع المرشد الأعلى إختياره المقترح لمنصب نائب الرئيس الأول، إسفنديار رحيم مشائي، الذي يتمتع بوجهات نظر غير تقليدية عن الإسلام وأثبت قدرته على قيادة الرئيس خارج إيديولوجيا “الثورة الإسلامية”. وينتمي كلٌّ من أحمدي نجاد ومشائي إلى طائفة من المؤمنين المتحمّسين لعودة مبكرة للمهدي – الإمام ال12 المفقود الذي يعتقد كثيرون من الشيعة أنه سيعود يوماً لإحلال السلام والعدالة على وجه الأرض. كما بدأ أحمدي نجاد ومشائي نشر سمة قومية للتشيّع التي كانت على خلاف مع سمة إسلام المرشد الأعلى والنظام الإيراني.
قد يكون أحمدي نجاد يعرف أنه لا يحظى بشعبية في أروقة السلطة، لكنه يستشعر بوجود فرصة. إن الإنتخابات الرئاسية المقبلة سوف تركز على الأرجح على مسألة مقدار إستفادة إيران من الإتفاق النووي الذي أدّى إلى رفع العقوبات عن البلاد. في إنتقادهم لروحاني، جادل المتشددون أنه تخلّى عن أغلى ما تملك إيران، البرنامج النووي، مقابل “لا شيء تقريباً”. ويقف خامنئي الى جانبهم، وكذلك الحرس الثوري، والسلطة القضائية، والعديد من المراكز الأخرى في السلطة.
الواقع أن أمام روحاني مهمة صعبة إذا كان عليه إظهار كيف إستفادت إيران في ظل إدارته، وكنتيجة للإتفاق النووي. لقد كانت الفوائد من رفع العقوبات بطيئة. البطالة متفشية، والأعمال التجارية بطيئة، والتجارة مع العالم الخارجي لا تزال في حالة ركود. لا تزال الجمهورية الإسلامية تتعافى من العقوبات المصرفية التي قصمت بمفردها تقريباً إقتصادها. وصول إيران إلى التجارة بالدولار الأميركي لا يزال مُعطّلاً بسبب العقوبات الأميركية الأخرى المتصلة ببرنامجها الصاروخي، وسجلها المؤسف في مجال حقوق الإنسان، ودعمها المزعوم للإرهاب.
في الوقت عينه، مع ذلك، تمكّن روحاني من خفض التضخم من مستويات مرتفعة جداً إلى أقل من عشرة في المئة. وقد تخلصت إيران الآن إلى حد كبير من بعض أسوأ العقوبات. عاد الشناط إلى صادرات النفط. والأهم من ذلك، فقد حقن جرعة حاسمة من التفاؤل في السياسة الإيرانية، الأمر الذي أدى إلى الأداء الضعيف للمتشددين في الانتخابات الأخيرة التي جرت في آذار (مارس) لمجلس النواب ومجلس الخبراء. وقد خسر العديد من الشخصيات المتشددة الرئيسية مقاعدهم، وفقدوا السيطرة على البرلمان للمرة الاولى منذ 12 عاماً. وهذا هو أحدث مؤشر إلى أن الإيرانيين يدعمون الإعتدال على التطرف الذي يجسّده المتشددون.
وبالنسبة إلى المتشدّدين، قد تتطلب الأوقات العصيبة تدابير يائسة. وقد لمس أحمدي نجاد ذلك. وهو الشخصية المتشدّدة الوحيدة الذي لديه نداء شعبوي. إنه لا يزال يتمتع بدعم في أوساط الفقراء في المناطق الريفية في جميع أنحاء البلاد. خلال الفترة التي قضاها في منصبه، سافر بإنتظام إلى مدن وقرى المحافظات، وتعهد بإجراء تحسينات، على الرغم من أنه حقق فقط جزءاً صغيراً من وعوده. كما زاد رواتب المتقاعدين والممرضين والعمال في الحكومة. وخطته السيئة التصوّر لإعطاء كل إيراني ما يعادل 40 دولاراً شهرياً نقداً بدلاً من بعض الإعانات أدّت إلى نتائج عكسية على الاقتصاد وخلقت سيولة ضخمة، لكنها عززت أتباعه.
يعتقد البروفسور صادق زيباكلام من جامعة طهران أن أحمدي نجاد قادر على الفوز ب10 إلى 15 مليون صوت، وحتى في هذه الأيام. إن المتشدّدين، مهما كانوا يكرهونه، لا يمكنهم تجاهل هذا بسهولة. “قد يضطرون إلى بلع كبريائهم ودعم ترشيحه”، قال زيباكلام في مقابلات صحافية. ومع ذلك، فإن تصويت 15 مليون شخص قد لا يكفي للفوز بالانتخابات للمتشددين. في العام 2013، فاز روحاني بحوالي 19 مليون صوت – أكثر من 50 في المئة من الاصوات بنسبة قليلة. على النقيض من ذلك، حصل إثنان من كبار المرشحين المتشددين فقط على أربعة وستة ملايين صوت لكل منهما.
إذا شعر المُرشد الأعلى أن ترشيح أحمدي نجاد لن يكون مُجدياً، قد يتحوّل مكتبه إلى الخيار الثاني: الجنرال قاسم سليماني. وهو قائد فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري للعمليات السرية في الخارج، البالغ من العمر 59 عاماً. قاد بعض المتمردين العراقيين الذين كانوا يقاتلون القوات الأميركية، لكنه الآن يقود الحملات العسكرية الإيرانية في سوريا والعراق، ولا يزال يمثل “العرّاب” لجماعة “حزب الله” في لبنان.
في الآونة الأخيرة، أبدت وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة إهتماماً كبيراً بالجنرال اللغز. نشرت إحدى الصحف صورة له وهو يواسي إبن مصطفى بدر الدين، آخر قائد شهيد ل”حزب الله” في سوريا. ونُشرت صورة له وهو يقود قوات إيرانية إلى حلب لدعم الرئيس السوري بشار الأسد. كما تم تصوير سليماني أخيراً في العراق يقدم المشورة لقادة الميليشيات الشيعية في ضواحي الفلوجة. وبعد بضعة أيام في وقت لاحق، ألقى سليماني خطاباً في طهران في مؤتمر فصيل للمتشددين البرلمانيين – وهو ظهور أثار الدهشة في العاصمة لأنه لم يكن من المعروف عنه سابقاً أنه ينظر إلى الخوض في السياسة، على الأقل في السياسة الحزبية. وهذا الأمر كثّف التكهنات حول نواياه لترشيح نفسه للإنتخابات الرئاسية في العام المقبل.
ليس من المستبعد أن يترشح سليماني في العام المقبل. بعد كل شيء، قد يكون لديه دعم أكثر من أحمدي نجاد، لا سيما في أوساط النخبة، بالنظر إلى أن إيران قد نمت أكثر عسكرياً على مر السنين. تحوّل الكثير من قادة الحرس الثوري إلى ملابس المدنيين وأخذوا مواقع لهم في البرلمان والحكومة، وفي الاقتصاد. والجنرال هو شخصية جذابة، متوازنة، ومُحترمة إلى حد كبير ليس فقط من المتشددين ولكن أيضاً من الإصلاحيين الإسلاميين وحتى القوميين الذين يرون مآثره في المنطقة فيما هو يدافع عن مصالح البلاد – والحفاظ على إيران آمنة، الذي أصبح مصدر فخر. حتى الآن، لم يعلّق سليماني على الإتفاق النووي، وفضّل البقاء خارج هذه القضية السياسية السامة.
من ناحية أخرى، سليماني هو أيضاً قريب جداً من خامنئي، الذي هو محترس وحذر بشكل متزايد من روحاني. يتعارض الأخيران بإنتظام مع بعضهما علناً حول مسائل السياسة، من أهمية تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس إلى دور المرأة وفوائد الإتفاق النووي. في الإنتخابات الرئاسية التي ستجري في العام المقبل، سيكون على روحاني مواجهة قوى هائلة في الداخل التي من المرجح أن تجعل سنته الأخيرة في منصبه من الأصعب حتى الآن. لكن لا تزال لديه الغالبية الساحقة من الإيرانيين التي تؤيده والتي تريد منه توجيه البلاد نحو الإعتدال — مهما قد يبدو ذلك الإعتدال من الخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى