عَظَمَةُ كورونا

بقلم راشد فايد*

“لا يصحّ ونحنُ في قلب المعركة مع كورونا ان نتشاجر، وأن تتناحر الأحزاب على قضايا سياسية”. كلامٌ يليقُ بالأب بيار، أو بالأم تيريزا، اللذين اشتهرا بحسّهما الإنساني، وتعاطفهما مع الناس، والشعوب. لكن هذا الرأي صدر على لسان نائب “حزب الله” علي عمار في مستشفى السان جورج، في حدث بيروت، وهو يضع يدا في جيبه، ويُمسك المذياع بالثانية، على طريقة نجوم الأفلام الأميركية، عند زيارة جنود بلادهم في الجبهات، إبان الحرب العالمية الثانية.

ما هَمّ مَن يُشبِه. فالمُهم أنه استيقظ اليوم على هذا الترفّع الإنساني الذي فاته، وحزبه، في التعاطي في الشأن الداخلي، فيما لبنان في قلب المعركة مع اسرائيل، أو فيما تضامن اللبنانيون معه في مواجهة تموز (يوليو) 2006، فأجابهم في أيار (مايو) 2008. وهو اليوم يختار تخطّي الجدل، في الوضع المالي – الإقتصادي.

المُلاحظة هذه لا تستحق كثير اهتمام، لأن حكمة اليوم المُستَجِدّة لا تَحول دون إنقلابٍ عليها غداً إذا حتّمت مصالح الحزب. فسبحان مُغير الأحوال الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء.

ما يستحقّ الإهتمام، أن غزوة كورونا ليست الحرب العالمية الثالثة، بل هي الحرب الكونية الأولى. فالحربان السابقتان كانتا قتالاً بين البشر شغلت كلٌّ منهما نحو 40 دولة، فيما الراهنة حربٌ ضد عدوٍّ لا يجرؤ طرف اليوم على الحسم في معرفة كل قدراته، وتُواجهه زهاء 174 دولة (دول الأمم المتحدة 195) فيما لا يزال العلم يتردد تجاه سؤال: هل ينتقل بالهواء أم لا؟ وهو جعلنا في حضرته كالفأر “جيري” قدّام الهرّ “طوم”، علماً أن الأخير ذو بدن، ولو كرتوني، فيما خصمنا المستجد غير مرئي يُربك أيامنا ويُقعدنا في البيوت، ويجعلنا نشك في الآخر، ونُجافي القرب من الجار والجارة، وحتى الأخ والإبن والحفيد، ذكوراً وإناثاً.

“عظمة” كورونا ليست في عدد ضحاياه. فالأنفلونزا الإسبانية التي أصابت دول أوروبا، حصدت بين شهري نيسان (إبريل) وتشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1918، نحو 21 مليون و640 ألف نسمة، فيما انفلونزا هونغ كونغ (1968) التي شملت سنغافورة وفيتنام وامتدت إلى الفلبين والهند وأوستراليا وأوروبا والولايات المتحدة، قضت على مليون شخص، نصفهم من هونغ كونغ.

عظمة الفيروس الجديد أنه أظهر، بعد شهرين على تفشّيه، أن المجتمع المدني أصلب من النظام في تكاتفه، ومبادراته، بينما السياسيون، إلّا ندرة منهم، غائبون عن السمع والبصر، فيما انتهازيو الفرص غير غافلين عنها، من حديثي نعمة، وأحزاب، لا سيما الساطين منها على مُقدّرات الدولة باسم الدويلة، والجامعين بين الدفاع عن الشرعية تحت قبة مجلس النواب، والصمت عن التهريب خارجه. وإلّا من أين لمهربي 25 طناً من المخدرات وعشرات آلاف صناديق الدخان المهرب هذا الإطمئنان إلى سهولة تحقيق أهدافهم؟

النائب عمّار على حق: لا يصحّ الشجار بينما نواجه كورونا، لكن لا يصحّ أيضاً الإستخفاف بالدولة وتهريب الدخان والمخدرات، فيما هي مشغولة بمصير الودائع.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي، مُحلّل سياسي وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشَر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى