لماذا لا تستطيع تركيا إستبدال الغاز الروسي بالقطري
لندن – هاني مكارم
أقدمت تركيا على خطوة ذكية في كانون الأول (ديسمبر) 2015 عندما وقّعت مذكرة تفاهم مع قطر لإستبدال الغاز الروسي بالغاز الطبيعي المُسال من هذه الإمارة الخليجية.
من خلال إظهارها لروسيا أنه يمكنها إيجاد مصادر بديلة لإمدادات الغاز، ربما تأمل تركيا في الحصول على بعض التنازلات في ما يتعلّق بدور الأكراد في مستقبل سوريا.
في حين أن أنقرة قد وقّعت على إتفاق الغاز الطبيعي المُسال لخدمة مصالحها الخاصة، فإن موسكو قد إتخذت بعض الخطوات الإيجابية. في آذار (مارس)، إنسحب الجيش الروسي جزئياً من سوريا. وفي خطوة مفاجئة أخرى، رفعت روسيا الحظر عن الرحلات إلى أنطاليا، وهو منتجع سياحي في تركيا تقصده أعداد كبيرة من السياح الروس.
إن السبب الذي جعل أنقرة تتحرك بإتجاه الدوحة هو أن البلاد تستورد 56٪ من إحتياجاتها من الغاز من روسيا، وأن الحظر الروسي الطويل لإمدادات الغاز يؤثر بشدة فيها.
وهكذا في كانون الاول (ديسمبر) 2015، وقع مسؤولون أتراك وقطريون عدداً من مذكرات التفاهم التي تنص إحداها على توريد الغاز الطبيعي المُسال القطري إلى تركيا. إن منطق هذه المذكرة بشكل خاص، التي نصها أردوغان نفسه، يشير بوضوح إلى طبيعة مركزية روسيا في “بطاقة الغاز” التي تلعبها أنقرة.
قال أردوغان: “كما تعلمون، تريد قطر للبترول تريد الدخول إلى تركيا للإستثمار في التنمية الطويلة الأجل للغاز الطبيعي المُسال فيها. وبسبب التطورات المعروفة في تركيا، فهي تدرس نوع الخطوات الذي يمكن أن تتخذه بالنسبة إلى الغاز الطبيعي المسال، على وجه الخصوص، تخزينه. لقد عبّرنا عن رأينا بالنسبة إلى دراستها بشكل إيجابي. وكما تعلمون، فإن كلّاً من القطاعين العام والخاص لديه مرافق تخزين للغاز الطبيعي المُسال”.
الواقع أن “التطورات المعروفة” تشير بوضوح إلى علاقات تركيا المضطربة مع روسيا والطريقة الكبيرة التي تعتمد فيها الأولى على الثانية يمكن أن تجبر أنقرة على تقديم بعض التنازلات في ما يتعلق بمصالحها. وبالتالي، فهي تحتاج إلى تنويع مصادر توريدها للحد من هذا الإعتماد.
ومع ذلك، لا يمكن للمرء أن يكون متأكداً من المدى الذي يمكن فيه في الواقع لتركيا أن تستبدل الغاز الروسي بالغاز القطري. لسبب واحد، ليس لدى تركيا ما يكفي من القدرة في البنية التحتية لإعادة تغويز الغاز المسال أو تخزينه، لمعادلة الكمية السنوية من واردات الغاز من روسيا، أي 27 مليار متر مكعب سنوياً.
وفقاً لتحليل أجرته وكالة الطاقة الدولية، لا تتجاوز قدرة تركيا في مجال إعادة تغويز الغاز المسال 14 مليار متر مكعب في السنة، وقدرة تخزين الغاز الطبيعي المُسال تقتصر على حوالي 3 مليارات متر مكعب.
حالياً، لدى تركيا مصنعان فقط لتغويز الغاز الطبيعي المسال وضخه إلى شبكة الغاز – واحدٌ في سيليفري، بالقرب من إسطنبول، والآخر في ألياغا، على الساحل الغربي للبلاد.
تواجه بلاد أتاتورك مشكلة رئيسية أخرى: إنها قادرة على تخزين 5٪ فقط من الغاز الذي تستهلكه، وهو أدنى سعة تخزين في أوروبا كلها. وبالتالي تُعتبر تركيا الدولة الأكثر عرضة للخفض المحتمل في الإمدادات.
لماذا ما زالت أنقرة تلعب “بطاقة الغاز؟ ليست هذه هي المرة الأولى التي تستورد فيها تركيا الغاز من قطر. لقد فعلت ذلك في الماضي أيضاً. ويعكس هذا الاتفاق الجديد بين بوتاس وقطر للبترول تزايد طلب تركيا على الطاقة. خلال السنين العشر الماضية، إرتفع طلب تركيا على الغاز الطبيعي أكثر من الضعف، مما جعلها ثاني أكبر مستهلك لدى شركة “غازبروم” الروسية بعد ألمانيا. مع ذلك، فقد ولّد هذا الأمر إعتماداً كبيراً لتركيا على روسيا.
هذا الإعتماد لا يمكن وقفه فجأة. ويرجع ذلك إلى طبيعة الإتفاقات الموقّعة بين البلدين. فقد ربط شرط “خذ – أو – إدفع” روسيا وتركيا لمدة 10 سنين أخرى على الأقل. إن عقود أنقرة مع موسكو هي عقود “خذ أو دفع” على المدى الطويل للغاز الطبيعي التي تجبر أنقرة إما أن تأخذ الكمية المُتعاقَد عليها أو دفع غرامة لكمية الغاز غير المستخدمة. لا يمكن لروسيا وقف تزويد تركيا ولا يمكن لتركيا أن توقف إستيرادها للغاز من روسيا؛ والغاز القطري سوف لن يغير هذا الوضع.
وبالنظر إلى أن تركيا لم يكن لديها ما يكفي من القدرة لإستبدال الغاز الروسي، فإن التحركات التي أقدمت عليها بالنسبة إلى تنويع مصادر الإمدادات تشير أيضاً إلى محاولة وضع روسيا تحت الضغط لإنتزاع بعض التنازلات منها في سوريا، وخصوصاً في ما يتعلق بوضع الأكراد في مستقبل هذا البلد.
ومع ذلك، فإن المدى الذي يمكنها فيه تأمين مصالحها بهذه الطريقة يعتمد على الدرجة التي يمكنها فيها تنويع مصادرها من العرض. إن الغاز القطري وحده لن يكون كافياً للأسباب المذكورة أعلاه.