هل اقتَرَبَ يومُ القيامة؟

كابي طبراني*

في كانون الثاني (يناير) الفائت، أعلنَ مجلس العلوم والأمن التابع لمنظمة “نشرة علماء الذرة” في شيكاغو تحريكَ عقارب “ساعة يوم القيامة”، المُصَمَّمة للتنبّؤ بمدى قرب البشرية من الإبادة المُرَوِّعة، عند 90 ثانية قبل منتصف الليل. ويُعتَبَرُ هذا أقرب توقيتٍ إلى منتصف الليل على هذه الساعة منذ الكشف عنها لأول مرة في العام 1947، كما يُعَدُّ هذا التحريك رقم 25 لعقارب الساعة ذهابًا وإيابًا على مدار 76 عامًا.

تلتقط الساعة تقييم المنظّمة لمدى قرب العالم من “الكارثة العالمية”، أي احتمال نشوب حرب نووية. قالت النشرة في بيان أنَّ إعداد الساعة الجديد كان “إلى حدٍّ كبير (وإن لم يكن حصريًا) بسبب المخاطر المتزايدة للحرب في أوكرانيا”.

من المفهوم لماذا الحرب في أوكرانيا هي العامل الأساس في تحديد المنظّمة الجديد. على مدار العام الماضي، ألمح المسؤولون الروس، ولا سيما الرئيس فلاديمير بوتين، مرارًا وتكرارًا إلى إمكانية استخدام الأسلحة النووية إذا ردّت الدول الغربية بشكلٍ كبير على العدوان العسكري الروسي في أوكرانيا، مثل مهاجمة الأراضي الروسية. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن تردّدَ الغرب ونهجه المُتذبذب تجاه روسيا يُظهِرُ قيمة امتلاك أسلحة نووية. إذا عدنا إلى المناقشات التي جرت في وقت مبكر من الحرب حول تطبيق منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، نرى جيدًا القلق الذي عبّر عنه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ”، تجاه ذلك في حينه، حيث قال “إننا سننتهي بشيءٍ يمكن أن يؤدّي إلى حربٍ شاملة في أوروبا”.

“والحرب الشاملة”، كما يقصد هنا، تعني الاستخدام المحتمَل للأسلحة النووية. لم يكن مثل هذا التهديد موجودًا عندما فرضت الولايات المتحدة مناطق حظر طيران فوق البوسنة والعراق وليبيا في التسعينيات الفائتة والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وهذا هو السبب أيضًا في أن إدارة جو بايدن وحلفاءها في “الناتو” كانا متردّديَن وتدريجًا في تزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة. كل خطوة –بدءًا من قاذفات صواريخ “هيمارس” (HIMARS)، ثم دبابات قتال رئيسة وربما قريبًا طائرات مقاتلة من طراز “أف-16” (F-16)- هي درجة محتملة على سلّم التصعيد، وهو سلّمٌ يمكن أن يؤدي إلى استخدام بوتين لسلاحٍ نووي.

يمكن للمرء أن يُشكّكَ في المنهجية وذعر المهمة اللذين يدخلان في إعداد وتحريك ساعة النشرة، مثل كيف اتسعت على مرّ السنين لتشمل الحروب غير النووية والتهديدات الأخرى للحضارة البشرية، مثل تغيّر المناخ. بغض النظر عن مثل هذه الأسئلة والانتقادات، لا يمكن الإنكار بأن الأسابيع القليلة الماضية قد فعلت الكثير لتعزيز فكرة أن العالم يدخل حقبة خطيرة من المخاطر النووية. وهنا تبرز ثلاثة أحداث حديثة.

أوّلًا، إضافةً إلى الوضع النووي المتوتّر أصلًا في أوروبا، وقّع بوتين أخيرًا قانونًا يُعلّق رسميًّا بموجبه مشاركة روسيا في معاهدة ستارت الجديدة للحدّ من الأسلحة النووية، والتي كانت وُقِّعَت في العام 2010 بين الولايات المتحدة وروسيا. لقد خفّض الرئيس باراك أوباما ونظيره الروسي في ذلك الوقت، دميتري ميدفيديف، بشكلٍ كبير المخزونات المفرطة من الأسلحة النووية الأميركية والروسية التي تراكمت خلال الحرب الباردة. وكان القصد من ذلك تمهيد الطريق لإزالتها والقضاء عليها في النهاية. لكن خلال خطابٍ ألقاه أخيرًا بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لبداية غزو أوكرانيا، زعمَ بوتين أن القوى الغربية وحلف شمال الأطلسي يريدان “إلحاق هزيمة استراتيجية بنا وكذلك الوصول إلى مواقعنا النووية”.

بالطبع، يمكن للمرء أن يدّعي أن المعاهدة قد ماتت أصلًا، إذ أنَّ روسيا رفضت السماح للمفتّشين الأميركيين التحقّق من منشآتها النووية، وهو عنصرٌ أساسي في المعاهدة. ومع ذلك، فإن تعليقَ روسيا الصريح لالتزامها بالمعاهدة أمرٌ مُثيرٌ للقلق، بالنظر إلى التهديدات النووية المتنوّعة وغير المستترة التي أصدرها مسؤولوها خلال العام الفائت.

ثانيًا، يبدو الآن أن إيران حقّقت فعليًا اليورانيوم المُستخدَم في صنع الأسلحة، بعد أن وصلت في الأسبوع الماضي إلى مستوى تخصيب بنسبة 84 في المئة، وفقًا لمراقبين دوليين. على الرغم من أن التخصيب بنسبة 90 في المئة يوصف عادة بأنه الحدّ الأدنى المطلوب لصنع سلاحٍ ما، فإن المستوى الأدنى يتطلّب ببساطة كميةً أكبر من المواد الانشطارية. تدّعي الحكومة الإيرانية أن مستوى التخصيب بنسبة 84 في المئة تم الوصول إليه بشكلٍ مؤقت وبصورةٍ عَرَضيّة، حيث كانت الدولة تحاول فقط الوصول إلى نسبة 60 في المئة من التخصيب، وهو ما سيكون أقل من عتبة التسليح.

إذا وضعنا هذه الجوانب التقنية جانبًا، فإن هذه الحلقة تعمل على زيادة مخاوف الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والدول في جميع أنحاء الشرق الأوسط التي عارضت منذ فترة طويلة حصول إيران على قنبلة نووية، حتى لو اتبعت أساليب مختلفة لمنعها، بدءًا من الإغراءات الديبلوماسية وصولًا إلى الإكراه ب”أقصى ضغط”. الخوف هو أنه بمجرّد أن تحصل إيران على سلاح نووي، فإنها يمكن أن تُطلِقَ العنان لسلسلةٍ إقليمية من الانتشار النووي، حيث تقوم دولٌ أخرى، مثل المملكة العربية السعودية، خصم إيران منذ فترة طويلة، وربما تركيا، بتطوير قنبلة نووية. وبشكل فوري ومثير للقلق تمامًا، ظهرت تقارير تفيد بأن إسرائيل قد تأخذ الأمور على عاتقها، بدعم من الولايات المتحدة، من خلال ضرب إيران قبل أن تصل إلى العتبة النووية أو تكون قادرة بالفعل على تسليح قنبلة.

ثالثًا، أصبحت شبه الجزيرة الكورية مرة أخرى ساحة خطرة للاستخدام النووي المُحتَمَل. في الأسبوع الفائت، أعلنت كوريا الشمالية، التي ربما شعرت بالإحباط بسبب قلة الاهتمام الذي تحظى به نظرًا إلى الأحداث الأخرى التي تحدث في العالم، بأنها تخطط لإجراء تجربة نووية أخرى. ويأتي هذا إضافة إلى عامٍ قياسي من اختباراتها في مجال الصواريخ الباليستية، والتي تستطيع حمل وإيصال قنبلة نووية.

على الرُغم من أنه يمكن للمرء أن يتجاهل قعقعة كوريا الشمالية بأنها ليست جديدة، إلّا أنَّ الأمر الأكثر إثارة للقلق هو حقيقة أن كوريا الجنوبية تُرسلُ الآن أيضًا إشاراتٍ مماثلة، حيث تشير التقارير الأخيرة إلى أن سيول تفكّرُ في تطوير قنبلتها النووية الخاصة. يتمثّل جُزءٌ من قلق كوريا الجنوبية في أن الولايات المتحدة، التي كانت منذ فترة طويلة راعية الردع في شبه الجزيرة، يمكن أن تُقلّل وجودها العسكري وتُعيدَ انتشار قواتها، نظرًا إلى الحاجة المتجدّدة للتركيز على أوروبا وحماية جزيرة تايوان في مواجهة التصريحات الصينية المُهدِّدة الأخيرة ضد الجزيرة. قد تسعى سيول حتى للتحوّط من عودة محتملة لرئيسٍ أميركي متشكّك في التزامات التحالف مع واشنطن بعد انتخابات 2024. بغض النظر عن الأسباب، سيكون تصعيدًا خطيرًا، والذي يتناقض مع سعي الحكومات الكورية الجنوبية السابقة إلى “سياسة الشمس المشرقة” التي تهدف إلى التعامل بشكل إيجابي مع كوريا الشمالية.

في ملاحظةٍ ذات صلة، إذا سارت كوريا الجنوبية في المسار النووي، فهل يمكن أن تتبعها اليابان؟ في حين أن اليابان لديها أصلًا “قنبلة في الطابق السفلي”، ما يعني أن لديها القدرات التقنية الكامنة لتطوير سلاح نووي بسرعة، فإن جميع المؤشرات تدل على أن امتلاك أسلحة نووية ليس خيارًا فوريًا لسياسة طوكيو. لكن حكومة اليابان فكرت في الأمر بجدية في الماضي. على سبيل المثال، على الرغم من أن رئيس الوزراء الياباني السابق آبي شينزو اختار في النهاية عدم تطوير قدرة نووية في العام 2002، عندما كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، نُقِلَ عنه أنه قال لجمهورٍ من الطلاب بأنَّ “امتلاك قنابل نووية أمرٌ دستوري طالما أنها صغيرة”. قد يكون الإرث المتمثل في كونها الدولة الوحيدة التي استُخدِمَت أسلحة نووية ضدها ما زال يكبحها بشكل قوي من تطوير أسلحة نووية. لكن في النهاية، لن تستبعد طوكيو أي عمل، بما في ذلك امتلاك قنبلة نووية، إذا شعرت أن هذه هي الطريقة الوحيدة لردع أي عدوان محتمل من جانب الصين.

التوقعات تشير إلى أن الحرب في أوكرانيا ستستمر في المستقبل القريب. والتوترات بين الولايات المتحدة والصين سترتفع حدّتها. وتهديدات التصعيد ستبلغ ذروتها في الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية. قد يقترب العالم أو لا يقترب من يوم القيامة، لكنه يدخل حقًا وبلا شك حقبة خطيرة من المخاطر والتهديدات النووية.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرَين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “شتاء الغضب في الخليج” (1991)، “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى