روسيا وخط أنابيب “تابي”

لندن – هاني مكارم

في 13 كانون الأول (ديسمبر) الفائت، وضعت تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند حجر الأساس للبدء ببناء منشآت خط أنابيب جديد للغاز الطبيعي الذي سيحمل الغاز التركمانستاني شرقاً نحو الدول الشريكة الثلاث الأخرى. هذا المشروع الذي أطلق عليه إسم “تابي” كان، في شكل أو آخر، قيد الطرح والدرس منذ عشرين عاماً، عندما حاولت شركة “يونيون أويل كامبني أوف كاليفورنيا” الأميركية، من دون نجاح، الإتفاق مع حركة طالبان في العام 1995 لتنفيذه. ونظراً إلى موقعه وقدرته على تخفيف العديد من المشاكل الإقتصادية والطاقة الحيوية في أفغانستان وباكستان والهند، فإن هذا الخط كان موضوع تنافس جيوسياسي هائل ومناورة طوال هذه الفترة.
بقدر ما تلقّى هذا الخط من الدعم السياسي المستمر من الولايات المتحدة لأنه سيمكّن تركمانستان من العثور على بديل آخر من إعتمادها على روسيا لتصدير غازها، فإن الأخيرة بدت متشككة جداً بالنسبة إلى المشروع. مع ذلك، في منتصف العام 2010، أعلنت موسكو بحذر دعماً ظاهرياً ووعدت بالتعاون مع الأعضاء المؤسسين في مشروع “تابي”. ولكن حتى في ذلك الحين لم يكن عرضها كافياً. على الرغم من أن موسكو وضعت على ما يبدو أربعة أطر مختلفة ممكنة لمشاركتها، فإن “عشق آباد” رفضتها كلها. ونتيجة لذلك، فإن روسيا تدرس وتعزّز الآن البدائل المختلفة من خط أنابيب “تابي”. وتتماشى هذه المقترحات الجديدة بشكل واضح مع التطورات الأخيرة في السياسة الخارجية الروسية، وتحديداً الجهود الرامية إلى الإبقاء على صداقة ودعم الهند فيما تتواصل بشكل متزايد مع باكستان. على وجه الخصوص، تعرض موسكو سلاحين رئيسيين تقليدين من سياستها الخارجية: بيع الطاقة والأسلحة.
نتيجة لذلك، في أيلول (سبتمبر) 2015، إقترحت روسيا بناء خط أنابيب للغاز الطبيعي بين الجنوب والشمال في باكستان. وخط الأنابيب الروسي هذا سيمتد تقريباً حوالي 1100 كيلومتر، من ميناء كراتشي شمالاً إلى لاهور، وينقل الغاز الإيراني المشحون إلى باكستان عبر بحر العرب بواسطة ناقلات الغاز الطبيعي المسال. ويستند المخطط بأكمله على مقايضة بين إيران وروسيا للغاز الأصلي. على هذا النحو، مع ذلك، فإن هذا المشروع يتناقض بشكل مباشر مع منطق خط أنابيب “تابي” فضلاً عن الهدف الإستراتيجي للولايات المتحدة بعرقلة هيمنة كلٍّ من إيران وروسيا على تدفق الطاقة إلى جنوب آسيا. وفي الوقت عينه، فإن موسكو تناقش مع نيودلهي إمكانية تصدير 30 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز إلى الهند عبر إيران من طريق المقايضة أو، بدلاً من ذلك، من خلال نقله عبر خط أنابيب “تابي”.
وهكذا، وبشكل مميز، تحاول موسكو الحصول على كعكتها وأكلها في الوقت ذاته من طريق طرح عروض لإرسال الغاز عبر خط أنابيب “تابي” أو الإلتفاف عليه، وبالتالي التقليل من إمكاناته. مما لا شك فيه، أن الكرملين يدرك أنه في حين أن خط الأنابيب هو الآن رسمياً قيد الإنشاء، فإن إستكماله وتشغيله ليسا بأي حال أكيدين لأن هناك قضايا رئيسية ما زالت عالقة مرتبطة بتأمين التمويل الكافي للمشروع. كما أن ضمان بيئة مستقرة وآمنة في أفغانستان لا يزال أيضاً مسألة مثيرة للقلق. لذلك، من وجهة نظر موسكو، فمن الأجدى إن لم يكن أكثر فائدة أن يكون لديها بديل حاضر مستعدة لتقديمه، وهذا من شأنه أن يزيد من نفوذ روسيا في باكستان وكذلك الحفاظ على مكانتها في الهند. خصوصاً في ضوء إحتياجات الطاقة العاجلة لكل من الهند وباكستان، ورغبة موسكو الإلتزام بالإحتفاظ بقدر ممكن من النفوذ على الغاز في تركمانستان. هذه السياسة تعني منطقاً ممتازاً لروسيا، حتى لو كان ذلك يتناقض بشكل مباشر على حد سواء مع مصالح وسياسات تركمانستان والولايات المتحدة.
في الوقت عينه، فإن المناورات المعقّدة حول خط أنابيب “تابي” هي جزء من قوة المنافسات الكبيرة على وسط وجنوب آسيا: فمن ناحية، تتنافس موسكو وواشنطن وبكين بقوة من أجل المواقع والنفوذ في الهند وباكستان وأفغانستان، بينما من ناحية أخرى، يستمر التنافس بين الهند وباكستان في شبه القارة وفي أفغانستان أيضاً بلا هوادة. من الواضح أن قدراً كبيراً – بالإضافة إلى توفير الحاجة الماسة إلى الطاقة – معقود على خط أنابيب “تابي” بالنسبة إلى جميع الأطراف المعنية. ولكن طالما هناك شك بشأن ما إذا كان هذا المشروع يمكن أن يتحقق في الواقع، فإن موسكو سيكون لديها حافز إما للإلتفاف عليه أو السعي إلى كسب نفوذ داخله. إن وضع روسيا كمصدّر رئيسي للغاز إلى آسيا وتأثيرها الكلي في جنوب، وإلى حد ما، في وسط آسيا قد تأثّرا من هذا الخط، الذي هو مشروع جيوسياسي بقدر ما هو مشروع للطاقة.
لذا، لا تستطيع روسيا في نهاية المطاف الوقوف على هامش تطورات الطاقة المختلفة والجيوسياسية الأخرى في وسط وجنوب آسيا. ولكن إذا أخذنا هذا السياق في الإعتبار، فإن السؤال عندها يصبح: ماذا يمكن أو تستطيع أن تفعل موسكو من أجل الحفاظ على ما يبدو تآكل وضعها وموقعها في كلٍّ من تلك المناطق؟ في الوقت الحاضر على الأقل، فإن الجواب عن هذا السؤال لا يزال بعيد المنال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى