هل تُشعِلُ نيرانُ غزّة الشرق الأوسط؟

مايكل يونغ*

إذا امتدّت الحربُ على غزة إلى لبنان، هل يُصبحُ الصراعُ الإقليمي أمرًا لا مفرَّ منه؟ ربما لا ترغب كافة الأطراف الرئيسة المَعنية تقريبًا في تصعيد الأمر إلى مواجهةٍ إقليمية أوسع نطاقًا، ولكنها تبنّت مواقفَ تضمنُ فعليًا حدوث ذلك إذا ظلّت من دون تغيير.

تفيدُ التقارير أن الحكومة الإسرائيلية تستعدُّ لإرسالِ قوات إلى غزة، الأمر الذي سيغير الطبيعة الأساسية للصراع. ومع مطالبة الإسرائيليين سكان شمال غزة بالتحرّك نحو جنوب القطاع، فإنَّ ما قد يتشكّل الآن هو استراتيجية تقوم بموجبها القوات الإسرائيلية بدفع “حماس” تدريجًا إلى زاوية من غزة، كما فعلت مع منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت الغربية في العام 1982، وتبدأ عملية مفاوضات لإجلاء قيادتها. ومن شبه المؤكد أن هذا سيؤدي إلى فتح “حزب الله” جبهةً في شمال إسرائيل وفي مرتفعات الجولان، كما أكد وزير الخارجية الإيراني يوم الخميس الفائت في بيروت.

كيف يمكنُ إذًا أن ينتشرَ الصراع إلى الشرق الأوسط؟ دعونا نتخيّلُ سيناريو تتعرّضُ فيه “حماس” لتهديدٍ نهائي وجودي في غزة. إيران و”حزب الله” سيشعلان الجبهتين اللبنانية والجولانية لتشتيت انتباه الإسرائيليين. وربما يطلبون أيضًا من الميليشيات العراقية الانتشار في سوريا أو لبنان من أجل دعم “حزب الله” – وكانت هذه الميليشيات تستعد على وجه التحديد لمثل هذه اللحظة. وهذا قد يدفع إسرائيل إلى قصفها في سوريا، وربما حتى داخل العراق. لكن الأهم بالنسبة إلى الإيرانيين هو أن القوات الأميركية موجودة على طول الحدود السورية-العراقية وقد تتدخل أيضًا لمنع أي تعزيز ل”حزب الله” من جانب الميليشيات العراقية، أو حتى الإيرانيين. والأمر الذي يثير اعتراض وقلق طهران بالقدر نفسه هو أن الولايات المتحدة أرسلت مجموعتين من حاملات الطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، ما يشير إلى أن إدارة بايدن لن تسمح لما يسمى بمحور المقاومة بتوسيع الحرب ضد إسرائيل. وكما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي: “إننا نبعث برسالة عالية وواضحة: الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ إجراء إذا فكرت أي جهة معادية لإسرائيل في محاولة تصعيد هذه الحرب أو توسيع نطاقها”.

لذا فإنَّ كل العناصر جاهزة لانفجارٍ كبير في الشرق الأوسط: حكومة إسرائيلية عازمة على إنهاء وجود “حماس” في غزة؛ محور المقاومة الذي يكاد يكون من المؤكد أنه سيتدخل من لبنان وسوريا للحفاظ على قدرته على الردع، فضلًا عن حماية “حماس”، التي أصبحت رصيدًا سياسيًا-عسكريًا إيرانيًا رئيسًا في المنطقة؛ الولايات المتحدة العازمة على الدفاع عن إسرائيل بأي ثمن، ما يعني أن إيران نفسها قد تضطر إلى الانخراط بشكل مباشر في الصراع للحفاظ على نفوذها الإقليمي.

ومع ذلك، إذا كان لدى إيران خيار، فربما تفضل عدم دفع “حزب الله” إلى حربٍ ضد إسرائيل والولايات المتحدة، لأن هذا يهدد بشكل خطير بإضعاف القوة الإقليمية الرئيسة لطهران. كما إنه لا أحد يذكر المشهد اللبناني الداخلي على الإطلاق، ولكن إذا تعرّضَ لبنان للدمار، كما سيحدث للبلاد بالتأكيد، فإن هيمنة “حزب الله” على الصعيد الوطني يمكن أن تهتز بشكلٍ عميق. وإلى جانب هزيمة “حماس” في غزة، يمكن أن يخلق هذا وضعًا يفقد فيه محور المقاومة العديد من المكاسب التي حققها في العقد الماضي، حتى لو لم تتم هزيمته بشكلٍ حاسم.

ولا يبدو أنَّ إسرائيل حريصة أيضًا على توسيع نطاق الحرب إلى الشمال، ناهيك عن الدخول في معركة مع إيران. إنَّ تركيزها في الوقت الراهن ينصب على إبادة “حماس”. ومع ذلك، إذا شعر الإسرائيليون أن الأميركيين سيدعمونهم عسكريًا، فليس من المستبعد أن يختاروا بذل قصارى جهدهم ومحاولة حلّ مشاكلهم مع “حزب الله” وإيران، شريطة أن يتجاوز “حزب الله” “الخطوط الحمراء” المقبولة في الشمال بقصف المدن الإسرائيلية وأهدافٍ استراتيجية. ومع ذلك، فإن المخاطر في هذا الاختيار كثيرة. يمكن أن تعاني إسرائيل من دمار كبير وخسائر في الأرواح، والأهم من ذلك أنه من المحتمل جدًا ألّا يتمكن أي طرف من تحقيق نصرٍ واضح.

ماذا عن الولايات المتحدة؟ يبدو أنها أيضًا عازمة على تجنّب حربٍ إقليمية. ولا تختلف إدارة بايدن عن إدارتَي أوباما وترامب في الرغبة في تجنّب مغامرات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط، خصوصًا وأن الولايات المتحدة على وشك دخول عام انتخابي. ومع ذلك، فإن دعم إسرائيل يُشكّلُ خطوةً شعبية بين الأميركيين، خصوصًا عندما يعتقدون أن التهديد الذي تواجهه إسرائيل اليوم هو تهديدٌ وجودي بطبيعته. لذلك، إذا قامت إيران ووكلاؤها، لإضفاء المصداقية على المواقف التي حبسوا أنفسهم فيها، بتوسيع الحرب ضد إسرائيل، فإن الولايات المتحدة، لإضفاء المصداقية على الموقف الذي حبست نفسها فيه، سيتعيّن عليها مهاجمتهم.

فهل هناك سبيلٌ ديبلوماسي للخروج من الفوضى التي تلوح في الأفق، ومَن يستطيع توفيره؟ من الصعب القول. ومرة أخرى، فإن الأطراف مُقَيَّدة بمواقف متصلّبة، وألحقت بها مبررات أخلاقية، بحيث لا يبدو أن هناك مجالًا كبيرًا للتسوية. ومع ذلك، هناك دولتان عربيتان قادرتان على لعب أدوار مهمة محتملة: قطر، التي يمكنها حمل رسائل بين الأميركيين (ومن خلالهم إلى الإسرائيليين) وإيران؛ ومصر، التي سيكون لها دور رئيس في أي جهد يرمي إلى تحديد نظام سياسي جديد لغزة يرضي إسرائيل.

لكن في الوقت الحالي قد يكون كل هذا سابقًا لأوانه. هناك طرقٌ بديلة مُحتَملة للأطراف لتجنّب المضي قدمًا في الحرب. ويمكن ل”حزب الله” وحلفاء إيران الآخرين أن يقصروا أعمالهم على المنطقة الحدودية الواسعة، ما يؤدي إلى تقييد القوات الإسرائيلية ولكن بدون تجاوز عتبة قصف اهداف ومدن استراتيجية إسرائيلية. أو إذا تقدمت إسرائيل بشكل تدريجي في غزة، وتفاوضت على هذا النحو، فإن التفاعل بين المفاوضات والمكاسب العسكرية التدريجية قد يجعل من الصعب على إيران تقويض العملية من خلال إصدار الأمر ل”حزب الله” بشنّ حرب. أو يستطيع “حزب الله” أن ينتظر ليرى كيف سيكون أداء “حماس” في غزة، وإذا قرر أن المنظمة صامدة، فقد يقرر الحد من رده على التصرفات الإسرائيلية وتجنب الأسوَإِ.

وإلى أن يدخل الإسرائيليون غزة، يبقى النقاش نظريًا، إذ أنَّ كل الأطراف تنتظر لترى ما سيفعله الطرف الآخر. وربما يكون هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة. دعونا نأمل أن تكون هناك طرق لتبدد العاصفة قبل أن تجرف المنطقة.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى