أميركا أمام احتمالين: المواجهة المُكلِفة أو تغيير سلوكها في المنطقة

بقلم نبيل المقدّم*

تتصدّر منطقة الشرق الاوسط إهتمامات العالم منذ عقود، وهي تطرح على الدول المُحيطة بها جميعاً مشاكل خطيرة لأنها قابلة للإنفجار في اي لحظة. وما يحدث اليوم في لبنان والعراق وسوريا يُفيد عن العناوين الاستراتيجية للمخططات الأميركية الراهنة. ان الولايات المتحدة تُجري منذ فترة تعديلات مهمة في مبدأ قتال شعوب العالم الثالث لبعضها البعض، ويعود ذلك لسبب أساس هو إقتناعها أن حكومات هذه الشعوب هي أضعف من أن تقوم بكامل المهام المُولَجة بها مهما يكن حجم الدعم ونوعه المُقدَّم لها، لأنها بحكم تَبَعيتها هي مرفوضة من شعوبها، ولكن مع ذلك فإن واشنطن ما زالت تجد نفسها مَعنية بتحمّل قسطها مباشرة في فرض خططها في مواجهة الرافضين لها ولسياساتها، لذلك هي أقدمت على ارتكاب جريمتها في العراق باغتيال القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. وتاتي هذه الجريمة ضمن مسار عام يكفل وضع اليد مباشرة على الأوضاع الداخلية ليس في العراق وحده بل في المنطقة كلها، إضافة إلى دول اخرى أوروبية وآسيوية وإفريقية أخرى.

إن أحد أبرز الأسباب وراء رغبة الولايات المتحدة بالسيطرة على العراق هو وضع اليد على الثروة النفطية. ففي الفترة الأخيرة تزايدت اهمية النفط العراقي بالنسبة إلى أميركا في ظل الخوف من حدوث اضطرابات في دول الخليج. لذلك وجدت واشنطن أن عليها أن تؤمّن مصادر نفطية أخرى في الشرق الاوسط بأي ثمن. لذلك هي تحاول وضع اليد على العراق مهما كلّف الأمر. أضف الى ذلك أن سيطرة الولايات المتحدة على النفط العراقي سيُضعف منظمة أوبك، وسيؤدي بالتالي مع وجودها العسكري المباشر في بلاد الرافدين الى تقرير سياسة اسعار النفط بشكل مباشر من قبلها. كما ان السيطرة على العراق بالنسبة إلى الأميركييين سُيضعف دور الأوروبيين والروس والصين وغيرهم من المُتطلّعين الى دور في المستقبل.

تشعر الولايات المتحدة ان انتصار حلف الممانعة وعلى رأسه ايران، والذي تصدّى بجرأة لمخططاتها في المنطقة وعرقل مشروعها لتغيير الأنظمة في كلٍّ من سوريا ولبنان والعراق، يجب أن يضعف أوّلاً، وأن يزول ثانياً. لذلك هي اليوم تسعى الى جرّ هذا الحلف الى مواجهة شاملة مُعتَمِدة على تفوّقها العسكري، والذي تُعوِّل عليه لانتصارها في المواجهة، مما يؤدي الى منع قيام أي تحالفات مستقبلاً في وجه مخططاتها، فتستطيع بذلك ان تضع اليد على منطقة الشرق الاوسط، وان تعبث بخرائطه وأنماط عيشه ونفطه. من الواضح أن الإدارة الأميركية سعت من خلال هذه الجريمة إلى الحد من نفوذ إيران في المنطقة والى قلب المعادلة في العراق، آخذةً في الإعتبار أن نجاحها في تنفيذ مخططها ستكون له نتائج لصالحها وصالح اسرائيل في كل من سوريا ولبنان واليمن وفلسطين المحتلة.

لا يختلف إثنان على أن الجريمة التي قامت بها الولايات المتحدة هي انتهاك للقانون الدولي والإنساني، وهي اعتداء على دولة عضو في الامم المتحدة، لذلك إن الرد على هذه الجريمة لا يُمكن إلّا وأن يأخذ بعين الإعتبار مجمل المعادلة، فيتصدّى للرأس، أي الولايات المتحدة، والشريك والتي هي اسرائيل، والأدوات أي العملاء الذين سهلوا ارتكاب الجريمة. وهذا الرد سيكون رداً متعدد الجوانب. والهدف منه إفهام واشنطن أن منظومة الردع لدى محور المقاومة ما زالت قوية وقادرة، وهذا يعني ان الرد آتٍ لا مُحالة. ولكن مع احترامي لكل الذي يبدون رأيا في هذه النقطة بالذات، فانا أعتقد أنه لا يمكن لأحد ان يتكهّن بتفاصيله وتوقيته لأن ذلك هو بيد أصحاب الشأن، وهم لا يعطون سرّهم لأحد في هذا المجال، ولكن مع ذلك يمكن قراءة بعض الملامح من خلال قرار مجلس النواب العراقي بإلزام الحكومة باتخاذ الاجراءات الكفيلة بسحب القوات الاجنبية من العراق وهذا القرار هو بداية المواجهة، وهو يأتي في اطار المسؤولية الوطنية بالمحافظة على وحدة العراق أرضاً وشعباً ومؤسسات. اما دعوة السيد حسن نصر الله الأميركيين لتسريع انسحابهم من العراق فهو أيضاً يصب في الإطار عينه، وهو يلاقي قرار مجلس النواب العراقي من جهة، والمواقف التي صدرت عن القيادة الايرانية بعد حصول الجريمة في العراق من جهة ثانية،وهو سيلقى تأثيراً قوياً لدى الرأي العام الاميركي ولا يمكن لترامب إلّا أن يأخذه في حساباته الإنتخابية.

لذلك كله فإن الولايات المتحدة الأميركية ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما .اما البقاء في العراق وتحمّل تكلفة بقائها والتي لا شك أنها ستكون باهظة الثمن سياسياً وعسكرياً ومادياً. وإما الموافقة على تعديل سلوكها في المنطقة. إن احتمال نشوب حرب شاملة في الشرق الأوسط متوقف على شكل الرد الذي سيأتي على الجريمة (بدأ في قصف قواعد القوات الأميركية في العراق)، وعلى نتائجه قد تتوقف قدرة الولايات المتحدة على لعب دور قوي في منطقة الشرق الاوسط مُستقبلاً وخصوصاً في منطقة الخليج.

  • نبيل المقدم صحافي وكاتب لبناني
  • الآراء الواردة في هذا المقال تخص الكاتب وحده وليس بالضرورة “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى