مَصالِحٌ ومَوَازين

راشد فايد*

لم تكن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة العربية السعودية خياراً، بل أقرب إلى قَدَرٍ فرضه أكثر من ظرفٍ اقتصادي وسياسي، أميركي وإقليمي، في جذورها تأثير حرب أوكرانيا على أسعار النفط وسعي إيران إلى توسيع قدراتها النووية، وهما “جعلا بايدن يحتاج فجأة إلى مساعدة السعودية ومواجهة حقيقة أن الطريقة الوحيدة للحصول على هذه المساعدة هي من خلال الأمير محمد بن سلمان”، حسبما قَرَأت صحيفة “نيويورك تايمز” الحدث، ولخّصته في مقال حمل عنوان “درس السعودية لبايدن: الطريق الوحيد يمر عبر محمد بن سلمان”.

تُتيحُ الزيارةُ، بيومَيها، استنتاجاتٍ لافتة، أوّلها أنها تؤكد مكانة ولي عهد المملكة على المسرح السياسي الدولي، على رأس إحدى أهم الدول في الشرق الأوسط بصرف النظر عن نتائج الزيارة.

الإستنتاج الثاني، أن واشنطن مُضطَرّة إلى أن تتعامل مع السعودية باعتبارها محورًا ولاعبًا أساسيًا في المنطقة وشريكًا مُهمًّا في الأمن والنفط أو التكنولوجيا والمناخ والطاقة، ما يؤكّد الثقل السياسي والاقتصادي للسعودية في حلحلة المسائل العالقة، وامتلاكها مفاتيح المواقف الحاسمة في القضايا الدولية.

الإستنتاج الثالث، أن كتلةً عربيةً فاعلة باتت حقيقة إقليمية، طليعتها المملكة، وتضمّها، في إطارمجلس التعاون لدول الخليج، مع الكويت وقطر والإمارات والبحرين وسلطنة عُمان، ومن خارجه مصر والأردن والعراق، وهو ما كان وازنًا سواء في القمة الثنائية السعودية-الأميركية، أو القمّة المُوَسَّعة، ما يعني أن المنطقة أمام إعادة ترتيب الأولويات بحضور الدول الفاعلة. فالعالم تغيّر خلال العقد الماضي وظهرت قوى جديدة في المنطقة وإرادات سياسية مختلفة، بل إن العالم أخذ شكلًا جديدًا أكثر وضوحًا بعد الحرب الروسية-الأوكرانية.

أما في الوقائع، فإن بايدن عاد بـ”خفّي حنين”: فلا تغيير في الموقف السعودي لجهة عدم رفع انتاج النفط فورًا. كذلك لا تقارب سعودي مع تل أبيب، ولا “هندسة” أمنية في مواجهة طهران، وواضحٌ أن الإنجازَ الوحيد هو عودة جزيرتَي تيران والصنافير في البحر الأحمر إلى كنف السعودية، وإخلاؤهما من الوجود العسكري الأميركي.

أما السماح بعبور الطائرات المدنية الإسرائيلية الأجواء السعودية، فليس فيه أي تمهيد لتغيير في العلاقات مع إسرائيل، كما أوضح وزير الخارجية السعودي، الأمبر فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، ولا أيّ إيجابيات لاحقة. وإذا كانت  السعودية والإمارات قلقتين، حسب قوله، من تدخّلِ إيران المُزَعزِع لاستقرار المنطقة، فإنهما، في المقابل ليستا مُستَعِدَّتَين للانخراط في تحالفٍ عسكري في مواجهتها.

كان للزيارة هدفان: سياسي هو محاصرة إيران عبر تحالفٍ أو محور أمني إقليمي بقيادة أميركا، والحيلولة دون امتلاكها برنامجًا نوويًا، والثاني اقتصادي هو خفض أسعار النفط ومشتقاته في الأسواق الدولية وفي مقدمها السوق الأميركية. أما السعودية، وعرب قمة جدة، فكان عنوانها الأعلى، كالعادة، قيام الدولة الفلسطينية على قاعدة مبادرة السلام العربية (سنة 2002)، وهدفها إنشاء دولة فلسطينية مُعتَرَف بها دوليًا على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية واسرائيل.

اليوم، وأكثر من أيِّ وقتٍ سابق، تفرض المصالح السياسية والأمنية والإقتصادية موازين القوى، وتطرح الحلول.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى