بين السياسة والسياحة: حرف ينقذ لبنان

هنري زغيب*

لافتةً جدًّا ومفاجَأَةً سعيدةً كانت مقدمةُ النشرة المسائية ليلةَ الاثنين هذا الأُسبوع من “المؤَسسة اللبنانية للإرسال إِنترناشيونال” (LBCI) تركيزًا على الفارق الشاسع بين لبنان السياسة ولبنان السياحة، في استبدال “سين” السياسة بــ”حاء” السياحة، فيكون إِنقاذُ لبنان من وُحُول سياسييه وحكامه، إِلى واحة سياحته الفكرية والثقافية والفنية. ففي السياسة آنياتٌ ومتغيراتٌ وجدلٌ عقيم، وفي السياحة الحضارية ديمومةٌ ومسيرةٌ دائمةٌ ثابتةٌ لا تتغيَّر بتغيُّر الآنيات اليومية العابرة.

فرادةُ هذه السياحةِ الثقافيةِ الغنيةِ التنَوُّعِ والمواضيعِ والأَعلام أَنها – بالرغم من دمار لبنان السلطة والسياسة والسياسيين والحكام – تعيد إِلى العالَمين العربي والغربي صورةَ لبنانِ الدورِ الذي لا ينكفئُ أَمام صعوبة، لبنانِ الرسالةِ التي لا يتوقف إِشعاعُها، لبنانِ الجسر الذي لا يطاله دمارُ بنيةٍ تحتية.

وعلى ذكر الدَور، أَستحضر هنا مقالًا ثاقبًا ممتازًا للزميل الكبير محمد السمَّاك قرأْتُه في موقع “أَساس ميديا”، جاء فيه: “تفشيلُ لبنان الدولة نعْيُ دور الجسر الذي كان لبنان يلعبه بين دول المشرق العربي وأُوروبا. ولأَن العالم العربي وأُوروبا لا يستطيعان أَن يعيشا من دون جسر، كانت إِسرائيل هي الجسر. وإِذ لا يمكنُ طرحُ بديل (إِسرائيل) مع استمرار الأَصيل (لبنان)، كان لا بدَّ من تحويل الأَصيل “دولةً فاشلة”، وبناء إِسرائيل جسرًا بديلًا: تطوير مرفإِ حيفا وتدمير مرفإِ بيروت، تهديم العلاقات اللبنانية مع العالم العربي، تطبيع علاقات إِسرائيل مع دول العالم العربي شرقًا وغربًا، نسْف قواعد الثقة قضائيًّا وماليًّا بالنظام اللبناني، تيئيس العالم في الشرق والغرب من الاعتماد على الجسر اللبناني المتهاوي، وتقديم إِسرائيل جسرًا جديدًا موثوقاً به مؤَهَّلاً لمتطلَّبات الدور الجديد في المنطقة”.

كم صائبٌ كلامُ الزميل الكبير محمد السماك. ولكنْ… بعد صورة لبنان جامعةَ العرب ولديهم اليوم جامعات تبلغ الأَرقام المتقدِّمة في الصدارة العالمية، وبعد صورة لبنان مستشفى العرب ولديهم اليوم مستشفيات تضاهي تلك الأُوروبية والأَميركية، وبعد صورة لبنان مطبعة العرب ولديهم اليوم أَحدثُ المطابع، وبعد صورة لبنان مَصايف العرب وهم استبدلوه اليوم بأَرقى وآمَن مصايف العالم بحرًا وطبيعةً وجبالًا… ما الذي يبقى من لبنان الجسر والدور؟

يبقى العقل اللبناني الذي يبرع في مستشفيات العرب وجامعات العرب وصحافة العرب ومطابعهم، ويبقى الإِبداع اللبناني الذي يسطع في العالَم بِاسْم لبنان الوطن الحضاري (وأَمين معلوف قبل أَيام مثالٌ ساطعٌ كما دعمَتْه يومَها وزيرة الثقافة في فرنسا اللبنانية ريما عبد الملك)، ويبقى لبنان السياحة الفكرية والثقافية والفنية والإِبداعية دورًا لا يُضاهى مهما تحاقر لبنان السياسي، ويبقى لبنان جسرًا لا ينهَدِم مهما سياسيُّو لبنان التافهون هدَموا ثقة العالَم بلبنان السياسي، ويبقى لبنان رسالةً حضاريةً يتمرأَى بفرادتها العالَـمُ أَوسعَ من جغرافياه وديموغرفياه ليشُعَّ لبنان – من أَرضه المباركة ومن مهاجره شرقًا وغربًا – مساحةً إِنسانيةً إِبداعيةً حضاريةً فريدة، تغمرُها الغيومُ السُود مرحليًّا ولا تمحوها، لأَنها سرعان ما ستخلع عنها سواد الغيوم، لتُشرقَ من جديدٍ شمسُ لبنان الوطن فوق أَنقاض لبنان الدولة، ويكونَ لإِعلامنا أَن يوازي بين الأَجواء السياسية الموحلة، والسياحة الثقافية الإِبداعية اللبنانية، وهو ما وَعَدَت به، منذ مقدِّمة نشرتها الاثنين الماضي، شاشةُ “المؤَسسة اللبنانية للإِرسال إِنترناشيونال” LBCI.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى