المكسيكية هرميلا غاليندو: رائدةُ التحرّر النسائي

تُلقي خطابًا ثوريًّا

هنري زغيب*

علامةُ هذه السيدة المكسيكية (1886-1954) أَنَّ ريادتها متعدِّدة الوُجوه، بينها نضالُها من أَجل حق المرأة في الاقتراع، وحقها في الطلاق وتَلَقّي التربية الجنسية في المدرسة.

وفي سيرتها محطات كثيرة، منها الحزينة ومنها المشجِّعة. فماذا عنها؟

طفولة قاسية

عن مؤَرخي الحركات النضالية في المكسيك أَن هرميلا غاليندو ولدت من زواج غير شرعي في الثاني من حزيران/يونيو 1886 في ليردو (مدينة في الوسط الشمالي الشرقي من المكسيك). وكانت في اليوم الثالث من ولادتها حين توفيت والدتها، فرعاها والدها واهتمت بها شقيقته (عمَّتُها) أَنجيلا غاليندو. نشأت هرميلا في مكسيك مضرَّج بعقود مضنية من النضال لأَجل الحفاظ على الاستقلال (ناله المكسيك سنة 1821)، وما صاحب ذلك من صراعات داخلية وتدخُّلات خارجية. وكان حكْم الطاغية بورفيريو دياز (1830-1915) كارثيًّا جرَّ على البلاد الظُلم وعدم المساواة وفقرًا منتشرًا قاسيًا.

ملصقٌ تكريمي شهير منتشر في المكسيك

مطالع العصيان المدني

هذا الوضع الطاغي الضاغط أثَّر في الصبية هرميلا وهي في مدرسة ليردو ثم في معهد توريون، متخصصة في دراسة المحاسبة والاختزال والطباعة على الدكتيلو واللغة الإِنكليزية. كان والدها يرغب في إِرسالها إِلى الولايات المتحدة، لكنه توفي وهي في السادسة عشْرة فلم يتحقق حلمه وحلمها. ولأَن إِخوتها من أَبيها حرموها من إِرثه، اضطرت إِلى العمل باكرًا كي تقوم بمتوجباتها المعيشية. لذا راحت تعطي دروسًا في الاختزال والطباعة على الآلة الكاتبة (الدكتيلو)، فيما كانت تخطو مراحلها الأُولى في العمل السياسي منذ شاركت سنة 1909 في تظاهرات مدينة توريون لاستذكار رئيس المكسيك السابق بينيتو خواريز (1806-1872). يومها أَلقى المحامي فرنشسكو مارتينيز أُورتيز خطابًا مجَّد فيه حُكْم خواريز، وهاجم حُكم أُورتيز الدكتاتوري، فمنع حاكمُ المدينة نشْرَ الخطاب لكن هرميلا، في بادرة عصيان قاسية، استحصلت على نسخة من الخطاب ونشرتْه ووزَّعتْه بطريقة سرية.

سنة 1910، وبناءً على استنهاض من الثائر فرنشسكو ماديرو  (1873-1913) ثار قسم كبير من الشعب ضد دياز الذي فاز بالانتخابات ولو بعد 30 سنة من الحكْم الجائر. فكانت أَن اندلعت ثورة كبرى امتدت حتى 1920، وأَنهت عهد بورفيريو.

مؤْتمر باسمها احتفاءً بصورتها على ورقة “1000 بيزوس”

حياتها السياسية

انتقلت هرميلا إِلى مكسيكو سنة 1911 سكرتيرةَ الجنرال الثائر إِدواردو هاي (1877-1941)، منتسبة إِلى عدد من الحلقات الثورية، بينها حلقة رجل الثورة أَبراهام غونذليز (1864-1913) مشاركة فاعلةً في الحياة السياسية والاجتماعية.

في هذه البيئة الثورية اختيرت هرميلا لتلقي خطابًا ترحيبيًّا بالثائر ورئيس المكسيك لاحقًا (1917) فينوستيانو كارَّانزا (1859-1920). وإِذ أَعجبه خطابها، اتخذَها سكرتيرتَه الخاصة، وممثلتَه الشخصية لدى كولومبيا وكوبا لترويج سياسته، لكن اغتياله سنة 1920 أَبطل إِكمالها تلك المهمة.

من تظاهراتها مطالبة بحق المرأَة في الاقتراع

نواتها الثورية

إِلى جانب نضالها في صفوف كارَّانزا، انصرفت هيرميلا إِلى النضال من أَجل حقوق المرأَة المكسيكية، وخصوصًا حقها في الاقتراع وحق المرأَة المتزوجة، معتبرة أَن الثورة النسائية جزء عضوي من الثورة المكسيكية.

سنة 1915، وتثبيتًا مبادئَها في الثورة النسائية، شاركت آرتيميسا رويو ونساء أُخريات في تأْسيس مجلة “المرأَة الحديثة”، وبقيَت أَربع سنوات تكتب فيها عن المساواة بين المرأَة والرجل، وعن حق التربية العلمانية والتربية الجنسية، مع انتقادٍ شديدٍ رجالَ الكنيسة وتصلبهم في رفض التربية الجنسية.

سنة 1916 انعقد في شبه جزيرة يوكاتان (جنوبي شرقي المكسيك ذات حدود مشتركة مع بيليز وغواتيمالا، تفصل خليج المكسيك عن البحر الكاراييبي) أَول مؤْتمر نسائي مكسيكي، لم تحضره هرميلا لكنها أَرسلت خطابًا عن المساواة بين الرجال والنساء منتقدة فيه تصلُّب الكنيسة والدين، فكان له في جمهور المؤْتمر وقع الصاعقة.

نكسة صادمة

سنة 1917 رفعت هرميلا إِلى الجمعية الوطنية المكسيكية اقتراحًا بتكريس المساواة بين الرجال والنساء وحق المرأَة في الاقتراع، جاء فيه: “المرأَة المكسيكية كانت جزءًا أَساسيًّا في الثورة، لذا يجب أَلَّا تُستثنى من مشاركتها في القرار السياسي فتنال حقوقها كاملة”. لم يلْقَ الاقتراح قبولًا، وجاء الجواب: “لأَن في النساء مَن نلن استثنائيًّا بعض الحقوق، يجب أَلَّا تتعمم هذه القاعدة على النساء كطبقة اجتماعية”. واعترض كارَّانزا ذاته على الاقتراح، ما سبَّب لهيرميلا خيبة صادمة.

في آذار/مارس 1917 ترشحت هرميلا إِلى الانتخابات عن الدائرة الخامسة في مكسيكو، فكانت أَول امرأَة تترشَّح لهذا المنصب، مقتنعةً بأَنها لن تفوز لكنها تلْفِت إِلى حق المرأَة في الترشُّح والاقتراع. وبالفعل حلَّت في المرتبة الرابعة لأَن القانون لا يتيح للمرأَة الترشُّح. وقبِلَت هيرميا الخسارة لكن منافسها آغويرّي كولورادو اعترف لها بالفوز ولو لم يُعلَن ذلك.

الانسحاب التدريجي

سنة 1919 أصدرت هرميلا كتابها “عقيدة كارَّانزا والتقارب الهندي اللاتيني” منتصرة فيه لسياسة كارَّانزا ولسعيه إلى جعل المرأة تنال حقوقها قانونيًّا. وبعد اغتيال كارَّانزا سنة 1920 انسحبت هيرميلا تدريجيًّا من الحياة السياسية والعامة، مقتصرة فقط على مشاركتها في مؤْتمرات سياسية وحلقات نقاشية ذات طابع سياسي. وسنة 1923 تزوجت من ميغيل إِنريكي تْوْبّيت غير المهتم بالشؤُون السياسية، فانسحبت نهائيًا من تلك الشؤُون.

سنة 1940 نالت مدالية الاستحقاق الثوري، وسنة 1953 تحقَّق حلمها ونالت المرأَة المكسيكية حقَّها في الاقتراع. لكن فرحها لم يعمِّر طويلًا لأَن نوبة قلبية قضت عليها في 18آب/أغسطس 1954.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُرُ هذا النص في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى