العالم العربي يعاني عجزاً غذائياً يهدّد أمنه القومي

تواجه منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا تحديات عدة في ادارة مواردها الطبيعية المحدودة وبالتالي في أمنها الغذائي. وترتدي هذه التحديات بعدها الإجتماعي إنطلاقاً من حقيقة أن الفجوة الغذائية في العالم العربي تتجاوز ال 40 مليار دولار سنوياً، وهي بإرتفاع مستمر خصوصاً في ظل تزايد عدد الذين يعانون من سوء التغذية في العالم العربي حيث وصل إلى نسبة تقارب الـ10% من السكان، أي حوالي 46 مليون نسمة منهم 25% من الأطفال.
وفي الآونة الأخيرة، أصبح هناك إجماع على أن أزمة الغذاء في الوطن العربي وصلت إلى حد حرج تجلّى في تنامي الإعتماد على المصادر الخارجية لإطعام السكان، وتدهور نصيب الفرد من الناتج الزراعي، وتراجع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي.

نموذج من المواد الغذائية والأدوية الى فقراء اليمن: الوضع خطير جداً
نموذج من المواد الغذائية والأدوية الى فقراء اليمن: الوضع خطير جداً

بيروت – مازن مجوز

كشف تقرير “الأمن الغذائي في البلدان العربية”، الصادر عن المؤتمر السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الذي عُقد في عمّان بين 26 و 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، أن العرب يستوردون نحو نصف إحتياجاتهم من المواد الغذائية الرئيسية، مؤكّداً على إمكانات عدة لتعزيز الإنتاج الغذائي العربي بحزمة تدابير، في طليعتها تحسين الإنتاجية وكفاءة الري والتعاون الإقليمي.
ويرى التقرير أن الإنتاج الزراعي في البلدان العربية يواجه تحديات كبيرة، في مقدمتها الجفاف، ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة، وندرة مصادر المياه، والنمو السكاني المتسارع، فضلاً عن مضاعفات تغيّر المناخ.
وبيَّن التقرير أن العجز الغذائي يبرز من خلال نسبة الإكتفاء الذاتي البالغة نحو 46% للحبوب، و37% للسكر، و54% للدهون والزيوت، أي أن العجز يصل إلى نحو نصف الحاجة من المواد الغذائية الأساسية.
وإذا ما أردنا النظر إلى أحدث الدراسات المتعلقة ب”الأمن الغذائي” تستوقفنا تلك الصادرة عن الإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية في 2 كانون الأول (ديسمبر) 2014 تحت عنوان “نحو مقاربة جديدة لتحقيق الأمن الغذائي العربي”.
وتشير الدراسة، إلى أن نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع وسوء التغذية في مصر يُقدَّر بنحو 21 مليون إنسان، أي نحو 25.2% من إجمالي عدد السكان. فيما يصل سوء التغذية إلى معدلات مقلقة في دول عربية عدة، على سبيل المثال في العراق يصل المعدل يالنسبة إلى عدد السكان إلى 26%، وفي موريتانيا 25%، وفي جيبوتي 20%.
أما في اليمن فترتفع هذه النسبة لتبلغ نحو 44 %، مقارنة مع 32 % في العام 2009، علماً أن اليمن يتمتع بأعلى المراتب بالنسبة إلى مستويات سوء التغذية في العالم بين الأطفال، الذين يقارب عددهم نصف عدد الأطفال ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات، أي نحو مليونين طفل، كذلك تظهر الدراسة وجود أكثر من نحو 6 ملايين إنسان في سوريا يعانون من الجوع وسوء التغذية والتشرّد.
وفي هذا السياق يبرز ترتيب الدول العربية الذي أوردته قناة “سكاي نيوز” العربية في تقرير بعنوان ” المنطقة العربية وتحدي الأمن الغذائي ” في 5 تموز (يوليو) 2014حسب مؤشر الفقر طبقاً لمعيار دخل الفرد السنوي من الأعلى دخلاً حتى الأدنى وجاءت كالتالي : قطر في المرتبة الاولى، تليها الامارات، والكويت، والبحرين، لتحل خامسة سلطنة عمان، تليها السعودية ومن ثم ليبيا فلبنان والجزائر وتونس والاردن والعراق، فالمغرب ومصر وسوريا، وفي المراكز الثلاثة الاخيرة نرى السودان واليمن وموريتانيا.
واللافت هنا أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كان وسّع مفهوم الفقر، بحيث لا يقتصر على الدخل، بل يتعداه ليشمل: “تدهور الحالة الصحية وسوء التغذية، وعدم كفاية موارد العيش، وتدني مستوى التعليم والحرمان من الخدمات الإجتماعية”.
وبالعودة إلى الحقائق والأرقام التي أوردها تقرير “أفد” حول الأمن الغذائي العربي، نلاحظ أن إنتاجية الحبوب في البلدان العربية متدنية إجمالاً. فبإستثناء مصر، التي بلغ فيها متوسط غلال الحبوب 7269 كيلوغراماً للهكتار، فقد بلغت الإنتاجية في البلدان الرئيسية الأخرى المنتجة للحبوب، أي العراق والجزائر والمغرب والسودان وسوريا، 1133 كيلوغراماً للهكتار، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 3619 كيلوغراماً للهكتار في العام 2012. ولو تمكّنت هذه البلدان من رفع غلالها إلى المتوسط العالمي، فيمكن لإنتاجها المشترك أن يرتفع من 21 مليون طن حالياً إلى 68 مليون طن.
ووفق التقرير فإن الحبوب الأساسية شكّلت نحو 63% من كمية إجمالي الواردات الغذائية الرئيسية للدول العربية في العام 2011، بقيمة 56 مليار دولار. ويتوقع التقرير أن تقفز كلفة واردات الغذاء (بأسعار 2011) الى 150 مليار دولار في 2050. في حال لم تتحسن نسبة الإكتفاء الذاتي الغذائي.
ويعطي التقرير مثالاً أن الخسارة في القمح المستورد، بسبب مشاكل النقل والتخزين، تتجاوز 3 ملايين طن سنوياً، ما يوازي 40 %من مجموع الإنتاج المحلي للقمح. أما القيمة الإجمالية للخسارة أثناء نقل وتخزين الحبوب والقمح المستورد فتصل سنوياً إلى 4 مليارات دولار، أي ما يعادل أربعة أشهر إستيراد للقمح.
ومن هنا يستنتج التقرير أن من شأن تطوير قطاع النقل وتبسيط إجراءات مرور المواد الغذائية على المعابر الحدودية أن يؤدي إلى تخفيض أسعار الغذاء بنسبة 25%. مبيناً أن العرب يستخدمون أكثر من 85% من المياه لأغراض الزراعة. لكن كفاءة الري في 19 بلداً عربياً لا تتجاوز 46%، بالمقارنة مع معدل عالمي يصل إلى 70%.
ويتابع التقرير أنه إذا وصلت البلدان العربية إلى المعدل العالمي، فيمكنها توفير 50 مليار متر مكعب من المياه، أي ما يكفي لإنتاج 30 مليون طن من الحبوب، وهذا يوازي نصف كميات الحبوب المستوردة.
وتوقف التقرير عند المعدلات العالية للسحوبات المائية لأغراض زراعية، بمتوسط يساوي 630% من إجمالي المياه المتجددة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، ويصل إلى 2460 % في الكويت. موضحاً أن الحصة السنوية للفرد العربي من المياه المتجدّدة هي أقل من 850 متراً مكعّباً، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يفوق 6000 متر مكعّب. وهناك 13 من أصل 22 بلداً عربياً مصنّفة في خانة ندرة المياه الحادة. وجرّاء موارد مائية تقل عن 100 متر مكعب للفرد، فقد صنّف التقرير ستة بلدان عربية في خانة خاصة هي “الندرة الإستثنائية”.
وعلى الرغم من التحديات الآنفة الذكر ، فإنه لا بد أن نشير إلى أن المنطقة العربية كانت حقّقت تقدماً جيداً نحو تحقيق بعض أهداف الألفية، حيث تمكّنت كل من الجزائر والأردن والكويت من خفض نسبة الذين يعانون الفقر المدقع، أي الأشخاص الذين يقل دخلهم عن الدولار وربع الدولار في اليوم إلى النصف، ولكن هذا التقدّم غير متوازن في دول المنطقة، ولا يزال قاصراً عن الإستجابة لأهداف الألفية ومن بينها القضاء على الجوع بحلول العام 2015.
في ما يتعلق بدور التعاون الإقليمي في تعزيز الأمن الغذائي – خصوصاً مع توقع إزدياد الطلب على الغذاء بنسبة 50% سنة 2030 نتيجة إزدياد عدد السكان- يؤكد رئيس منتدى الفكر العربي ومؤسس منتدى غرب آسيا وشمال أفريقيا، الأمير الحسن بن طلال أن الإستثمار في البحوث والبنى التحتية، والإستثمارات الزراعية المسؤولة والصديقة للبيئة مدعومة بسياسات ملائمة ومؤسسات كفوءة، يمكن أن تزيد حصة الفرد العربي بنسبة 35% بحلول سنة 2050.
ويعتبر الأمير الأردني أن “زيادة القدرة الإنتاجية للمجتمعات الريفية، من خلال تحسين حصولها على تكنولوجيات زراعية محسّنة وإستثمار في مهاراتها وتثقيف سكانها، هي ما يجب أن يتصدى له رؤساء الدول ورؤساء الحكومات والساعون الى تغيير حقيقي: “شعارات أقل ومضمون أكبر””.
الواقع أن التغيير يجب أن ينطلق، وفق الكثير من الخبراء، من 3 حقائق رئيسية وهي:
1- النمو السكاني المضطرد بنسبة 2% مقارنة ب 1,2% عالمياً مع ما يرافق هذه النسبة من تغيرات ديموغرافية وسط توقعات بأن تبلغ نسبة من سينتقلون من الريف الى المدن 70% بحلول العام 2050.
2- هذه المتغيّرات تترافق مع إنتاج زراعي منخفض، الأمر الذي دفع بالعديد من الدول الى إستيراد الكثير من إحتياجاتها الغذائية حيث تشكّل الواردات الغذائية نحو 10% من مجمل ما تستورده المنطقة العربية وهي ضعفي المعدل العالمي.
3- الحروب والكوارث الطبيعية والجفاف الذي يصيب الزراعة مباشرة.

اليمن والسودان الأكثر جوعاً

مما لا شك فيه أن اليمن يعاني أسوأ أزمة غذائية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً أن تقرير برنامج الأمم المتحدة للغذاء العالمي كشف أن سبعة ملايين يمني، من أصل 21 مليوناً، “جائعون فعلياً”.
من ناحية أخرى، يعتبر الكثير من المحلّلين الإقتصاديين أن السودان هو “سلة الغذاء العربي” بفضل المناخ والأراضي الشاسعة التي يمكن إستخدامها في هذا المجال. إلا أنه أيضا يعاني بدوره من إنعدام في الأمن الغذائي، حيث بات 4,8 ملايين سوداني يعانون منه ما بين آب (أغسطس) وتشرين الأول (أكتوبر) 2014 بحسب ما جاء في التقرير الأخير لمنظمة “الفاو”. وكان مؤشر المنظمة لأسعار الغذاء أشار إلى أن أعلى أسعار الحبوب في إفريقيا قد سُجِّلت في السودان والصومال.
ويشكل تدهور معدلات الإكتفاء الذاتي العربي خطراً على الأمن الغذائي الذي يمثّل أحد المكوِّنات الأساسية للأمن القومي العربي من منظوره الإقتصادي. فالأمن الغذائي الذي يعني ” قدرة المجتمع على تأمين إحتياجاته الإستهلاكية من السلع الغذائية الأساسية بإنتاجها محلياً أو بإستيرادها من الخارج، ليس هو تحقيق الإكتفاء الذاتي الذي غالباً ما يعني إنتاج كافة الإحتياجات الغذائية الأساسية محلياً، وإنما يتعداه إلى تأمين مصادر الحصول على الغذاء محلياً أو/ ودولياً.
ويتوقّع مؤشر الأمن الغذائي العالمي للعام 2014 أن يصل حجم الواردات الغذائية الخليجية إلى 53.1 مليار دولار بحلول 2020 مقابل 25.8 مليار دولار قبل عقد واحد مع الإعتماد بنسبة ما بين 80-90% على الأغذية المستوردة، مضيفاً أن “تأثير إرتفاع الأسعار الناجم عن مواسم زراعية سيِّئة والإضطرابات السياسية ومشكلات سلاسل التوريد وغيرها قد يكون لها نتائج وخيمة على الأمن الغذائي”.

إستهلاك غذائي متزايد

ورغم محدودية الأراضي القابلة للزراعة في المنطقة، فقد إهتمت بعض دول مجلس التعاون الخليجي بالإستثمار في الخارج عبر مشاريع زراعية في أوروبا الشرقية وأفريقيا إضافة إلى إطلاق مبادرات محلية تُسهم في إستدانة التكاليف وتضمن إستقرار المخزونات الضرورية، حيث تعمل المملكة العربية السعودية على برنامج جديد للإستثمار الزراعي في الدول الأجنبية بهدف تشجيع القطاع الخاص على تزويدها بإحتياجاتها من الحبوب.
في المقابل تعمل الإمارات على إعادة صياغة السياسات وإجراء أبحاث لدعم الحوكمة والإدارة المناسبة لقطاع صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية، في وقت خصصت الكويت أراضٍ زراعية للمستثمرين والشركات للزراعة وتربية الماشية والأسماك، إلى جانب إستخدامها لأحدث التقنيات بهدف إعادة تدوير المياه لإستخدامها في الري. فيما تدرس قطر تنفيذ مشاريع زراعية مستدامة وسيكون بإستطاعتها إنتاج 40% من المواد الغذائية المهمة من الناحية الإستراتيجية محليّاً في غضون عشر سنين وفقًا للخطة الوطنية للأمن الغذائي.
والواقع أن تقرير القطاع الغذائي الخليجي للعام 2013 يشير إلى أن منطقة الخليج تتجه لإستهلاك 49.1 مليون طن من الغذاء سنوياً بنهاية 2017 حيث تعتبر الإمارات حاليا أكبر مستهلك بمعدل 1486 كيلو غراماً للفرد سنوياً مقابل 1095 كلغ للفرد في سلطنة عُمان و872 كلغ في السعودية و852 كلغ في قطر و634 كلغ في الكويت و453 كلغ للفرد في البحرين، متوقعاً نمو الإستهلاك الغذائي في المنطقة بمعدل سنوي مركّب يبلغ 3.1% خلال السنوات الثلاث المقبلة، مشدداً على ضرورة سعي دول المنطقة لتنويع مصادر وارداتها والسعي بفعالية إلى عقد شراكات مع الدول الأخرى والمنتجين الآخرين الذين يرغبون في أن يصبحوا جزءاً من الحلّ الخاص بالأمن الغذائي.
وفي هذا المجال علّق وزير الزراعة السعودي الدكتور فهد بالغنيم، في 24 تشرين الاول (أكتوبر) 2014، بأن “الأمن الغذائي في المنطقة من أولويات جميع القادة، وهناك جهد كبير لتذليل المعوّقات في سبيل الرفع من إنتاجية الزراعة في العالم العربي”، مؤكداً على أن المملكة تنتهج إستراتيجية لتأمين الغذاء، عبر زيادة حجم إستثمارات القطاع إلى أكثر من 6.6 مليارات دولار، مشدداً على أن “القطاع الزراعي يمثل إحدى أهم الآليات المناسبة لتحقيق أهداف التنمية الزراعية المستدامة للمساهمة الفاعلة في تحقيق الأمن الغذائي من خلال الوصول إلى مستويات مرتفعة من الإكتفاء الذاتي”.
ويبدو أن معادلة إنتاج الغذاء ليست في يد الخبراء وحدهم، ولكنها تحتاج إلى إرادةٍ سياسيةٍ تقف في وجه نفوذ الدول الكبرى التي تسيطر على سوق الغذاء، وتتحكم بالتالي في مصير الشعوب الأخرى كي لا تملك قرارها.
وهذا ما يقودنا إلى ما تطرق إليه الباحث السوداني الدكتور الصادق عوض بشير في كتابه “تحديات الأمن الغذائي العربي” والذي تم عرضه في مناسبة يوم الزراعة العربي في 27 أيلول (سبتمبر) 2014: “إن الوطن العربي لا يملك المخزون الإستراتيجي الكافي من الغذاء، الذي يجنبه الكوارث الطبيعية والتقلبات المناخية والضغوط السياسية، الناجمة من إستخدام بعض القوى الكبرى للغذاء كسلاحٍ سياسي لتحقيق بعض أهدافها في العالم العربي، فمَن لا يملك غذاءه لا يملك قراره، ومَن لا يملك قراره لا يملك مصيره ويجد نفسه شاء أم أبى ضحية لعبة الأمم”.
ويُعطي مثالاً يتمثّل بإعانات القمح الأميركي المُقدَّمة إلى مصر، ففي العام 1994 فُرِضَ على مصر زراعة الفراولة كسلعةٍ للتصدير، على حساب زراعة القمح المحصول الغذائي الرئيسي في البلاد. والفراولة معروفةٌ بشراهتها لمياه الري، فماذا كانت النتيجة؟ إضطرت مصر إلى إستيراد ستة ملايين طن من القمح، ولم تستطع تصدير سوى سبعة أطنان فقط من الفراولة.
ويضيف: “إن سر صمود الأمن الإستراتيجي يكمن في الأمن الغذائي، في منطقةٍ جغرافيةٍ (الشرق الأوسط) تُعتبَر من أكثر وأهم مناطق العالم عرضةً للتهديد والأطماع والغزو والتدخلات الأجنبية، وذلك بسبب موقعها الإستراتيجي ومواردها ومخزونها من النفط والغاز”. ويرى كثيرٌ من المراقبين أن هناك تغييراً مذهلاً بدأ يَتَكَشَّفُ في أسواق الغذاء العالمية، وصفوه (بصدمة النفط التي تؤثر على الطعام في العالم. وهنالك من يرى أن هذه الدول قد تَجِدُّ في إستثمار أموالها في بناء الأبراج السكنية والتجارية العالية أو أسواق الأوراق المالية أو المضاربات في البورصات، ما يعود عليها بجدوى إقتصادية أفضل من الإستثمار في الإنتاج الزراعي والحيواني، والذي يمكن شراؤه من الخارج.
فالوطن العربي يملك الكثير من الموارد الطبيعية، ومقوّمات إنتاج الغذاء بشقيه النباتي والحيواني، ولكن هذا الغذاء أقلُ بكثيرٍ من الإحتياجات الفعلية، (بإستثناء الأسماك واللحوم الحمراء والبيض والألبان)، بل هو أقلُ بكثيرٍ من إمكاناته المتاحة، على الرغم من قلة سكانه مقارنةً بدولٍ أخرى تساويه أو تقل عنه في المساحة، أو تتفوق عليه في عدد السكان.
في كل الأحوال، فإن تحقيق الإكتفاء الذاتي من طريق شراء السلع الغذائية بدلاً من إنتاجها، سيظل سيفاً مسلطاً على رقاب الدول العربية. وربما تشكّل مجموعة الحلول التي دعا إليها تقرير ( افيد) المخرج المناسب لهذه الأزمة، والتي تتمحور حول زيادة كفاءة الري ورفع معدلات إنتاجية الأراضي- وهي اليوم من أدنى المعدلات في العالم-، والتعاون الإقليمي للإستفادة من الميزات الطبيعية والبشرية المتفاوتة في الدول العربية. فيما تنطلق الحلول بحسب منظمة الاغذية والزراعة الفاو من مسألتين أساسيتين: “البحث والتطوير في تحسين الأداء الزراعي وتوجيه موارد الدولة لتنمية البنية الأساسية الريفية”. وهذه الحلول تدخل في إطار نظام إصلاحي وتخطيط عمراني سليم ترافقه إستثمارات مجدية، لأن الأمن الغذائي هو من بين قضايا الأمن الكثيرة التي نفتقدها في منطقتنا العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى