عام أميركا للعيش في خطر

ريتشارد هاس*

من المُقَرَّرِ أن تُجري أكثر من ستّين دولة انتخاباتٍ هذا العام، ولكن لن تكونَ أيٌّ منها أكثر أهمّية من الانتخابات التي من المُقَرَرِ أن يتمَّ إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) في الولايات المتحدة. ففي نهاية المطاف، إنَّ ما يحدُث في الولايات المتحدة دائمًا يُخلّفُ تأثيرًا هائلًا في العالم، نظرًا لقوة أميركا ونفوذها الاقتصادي والعسكري والديبلوماسي. تعتَمدُ بلدانٌ أوروبية وفي منطقة المحيط الهادئ-الهندي (وفي الشرق الأوسط) على الولايات المتحدة لضمانِ أمنها، وهو ضمانٌ لم يكن لديها سببٌ للتشكيك فيه لثلاثة أرباع قرنٍ من الزمان.

علاوةً على ذلك، وعلى النقيض من أغلب الانتخابات الرئاسية في التاريخ الأميركي، فإنَّ هذه الانتخابات تفوقُ فيها الاختلافاُت بين المُرَشَّحَين المُحتَمَلَين للحزبَين الرئيسيين أوجه التشابه بينهما. ويُمكِنُ قول الشيء نفسه عن أيٍّ من الحزبَين الذي سيفوز بالسيطرة على مجلسَي الشيوخ والنواب.

لكن ما يجعلُ العامُ المُقبلُ محفوفًا بالمخاطر بالنسبة إلى أميركا وبقيّة العالم هي حقيقةً مفادها أنَّ الديموقراطية الأميركية تواجِهُ عقباتٍ مُتعَدّدة. والواقعُ أنّ المستقبل القريب يتكوَّن من ثلاث مراحل مُتميِّزة، ولكلٍّ منها تحدّياتها ومخاطرها.

المرحلةُ الأولى جاريةٌ بالفعل وسوف تستمرّ حتى يوم الانتخابات في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر). والمشكلة أصبحت واضحة فعليًا: مع إعطاء الأولوية للسياسة الحزبية على السياسات الوطنية، أصبحَ من المستحيل تقريبًا سنّ تشريعاتٍ مهمّة. فقد تم تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا لأنَّ مجلس النواب الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري، على غرار دونالد ترامب، المرشح الرئاسي المُفترَض للحزب، يرفض الموافقة عليها. إنَّ مُقاومةَ العدوان الروسي الناجحة في أوروبا منذ عامين صارَت مُعرَّضةً الآن للخطر.

ويرفضُ الجمهوريون في مجلس النواب أيضًا تمريرَ تشريعٍ من شأنه تحسين الأمن على الحدود الجنوبية للبلاد، في هذه الحالة لأنَّ ترامب يعتقد على ما يبدو أنَّ تدفّقَ المهاجرين يُضعِفُ الدعمَ الشعبي للرئيس جو بايدن. وقد تجعل الديناميكيات السياسية من المستحيل على الولايات المتحدة أن تُحافظَ على سياسات الهجرة، ناهيك عن توسيعها، التي ساهمت كثيرًا في النجاح الاقتصادي للبلاد.

أما المجموعة الثانية المُتَميِّزة من التحدّيات فسوف تتبع يوم الانتخابات. لم يَعُد من المُمكن افتراض الانتقال السلمي للسلطة، وهو السمة المُمَيَّزة للنظام الأميركي. وربما تصبح فترة 75 يومًا بين الانتخابات والتنصيب هي المرحلة الأكثر خطورة في عامٍ خطير. لقد حدثت انتفاضة 6 كانون الثاني (يناير) 2021 العنيفة خلال هذه الفترة.

إنَّ العدَّ الدقيق لأوراقِ الاقتراع والتحقّق منها، والذي يتمُّ أوّلًا على مستوى الولاية ثم على المستوى الوطني، سيكون أمرًا حتميًا. وكما يعلم أغلب القراء، لا يتمّ انتخابُ رؤساء الولايات المتحدة على أساسِ التصويت الشعبي الوطني. تقومُ كلُّ ولايةٍ من الولايات الخمسين بإحصاء وعَدِّ الأصوات التي تمّ الإدلاء بها هناك، وفي جميع الولايات باستثناء اثنتين، فإنَّ الشخصَ الذي يحصلُ على أكبر عدد من الأصوات يحصل على جميع الأصوات الانتخابية للولاية (ما يعادل حجم وفدها في الكونغرس). على سبيل المثال، تمتلك ولاية كاليفورنيا، الولاية الأكثر اكتظاظا بالسكان، 54 صوتًا انتخابيًا، في حين تحصل كل ولاية من الولايات المنخفضة السكان (ومقاطعة كولومبيا) على ثلاثة أصوات. ويجب أن يحصل المرشح على 270 صوتًا من أصوات الهيئة الانتخابية للفوز.

وكما رأينا في العام 2020، فمِنَ المُمكِن أن يتمَّ الطعنُ في النتائج. إنَّ التشريعَ الذي تمَّ إقراره في أواخر العام 2022 ووَقَّعه بايدن ليُصبِح قانونًا يجعل القيام بذلك أكثر صعوبة، ولكن ليس مستحيلًا. سيتمُّ النظر في مثل هذه التحدّيات في جلسةٍ مشتركة للكونغرس (على الأرجح في 6 كانون الثاني (يناير) 2025) برئاسة نائبة الرئيس كامالا هاريس.

بالإضافة إلى ذلك، هناكَ احتمالٌ للعنف السياسي. من المُرَجَّح أن يتمَّ تحديدُ النتيجة من خلال عشرات الآلاف من الأصوات (من بين أكثر من 150 مليون صوت) في حفنةٍ من الولايات. ومن المُمكِن أن تؤدّي النتيجة المُتقارِبة والمُتنازَع عليها إلى اضطرابٍ مدني، خصوصًا إذا أسفرت العملية عن إعادة انتخاب بايدن وخسارة ترامب.

الأمرُ المؤكّد هو أنَّ دولةً مُشَتّتة ومُنقَسِمة حول نتائج الانتخابات سوف تفتقرُ إلى التركيز والوحدة اللازمة للعمل في العالم. وقد يستسلم خصومُ أميركا لإغراءِ استغلالِ الفرصة والضغط من أجل تحقيق الأهداف التي طالَ انتظارها.

التحدّي الثالث والأخير سيبدأ في أوائل العام المقبل في يوم التنصيب، 20 كانون الثاني (يناير) 2025. إذا أُعيدَ انتخابُ بايدن، فسوفَ يَعتَمِدُ الكثير على ما إذا كان انتخابه مقبولًا من قبل أنصار ترامب وعلى الحزب الذي يُسَيطرُ على مجلسَي الشيوخ والنواب. وبوسعِ المَرءِ أن يتخيّلَ سيناريو لا يشهد سوى تغييرات طفيفة حيث يرفض أعضاء الكونغرس الجمهوريون العمل عبر الخطوط الحزبية لتمرير التشريعات اللازمة.

إختبارٌ مُختلفٌ يواجهُ أميركا والعالم إذا عاد ترامب إلى الرئاسة. لقد أعربَ ترامب عن شكوكه في عضوية الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، بل وشجّعَ روسيا على مهاجمة أعضاء “الناتو” الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع. وقد هدّدَ بفرضِ رسومٍ جمركية بنسبة 60 في المئة على الواردات الصينية، في حين تردّدَ أنه تساءلَ عمّا إذا كانَ ينبغي للولايات المتحدة أن تدافع عن تايوان ضد أيِّ عدوانٍ صيني. كما إنهُ يواصلُ إظهارَ ميله للمستبدّين وازدراءَه لحلفاء أميركا الديموقراطيين.

صحيحٌ أنَّ الولايات المتحدة لديها نظامٌ من الضوابط والتوازُنات، ولكنَّ الرؤساءَ يتمتّعون بقدرٍ كبيرٍ من الحرية عندما يتعلّقُ الأمرُ بتعيينِ وفَصلِ الموظّفين ووَضعِ الأجندة السياسية، وخصوصًا إذا كان حزبهم يُسيطِرُ على مجلسَي الكونغرس. وإذا سيطَرَ الجمهوريون على السلطتين التنفيذية والتشريعية، فإنَّ النظامَ الدولي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية والديموقراطية الأميركية ذاتها قد يتعرّضان لضغوطٍ هائلة.

الأميركيون وحدهم هم من يحقُّ لهم الإدلاء بأصواتهم في تشرين الثاني (نوفمبر)، ولكن بقية العالم سوف تشعر بالآثار والارتدادات. ونتيجةً لهذا فإنَّ عامَ العيشِ في ظروفٍ خطيرة في أميركا قد يُصبِحُ بسهولة عامَ الجميع.

  • ريتشارد هاس هو الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، وهو أحد كبار المستشارين في “Centerview Partners ومؤلف كتاب “وثيقة الالتزامات: العادات العشر للمواطنين الصالحين”. كان مديرًا لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية ومستشارًا مُقرَّبًا لوزير الخارجية كولن باول في إدارة جورج بوش (الإبن).
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى