الصراعُ يشتَعلُ بين الصين والولايات المتحدة على تكنولوجيا الشرق الأوسط

في حين أنَّ تصوُّرَ الشرق الأوسط كمنطقة تعتمد أساسًا على الطاقة لا يزال قويًا، إلّا أنَه يَمرُّ بتحوُّلٍ جيليٍّ لتحويلِ اقتصاداته بعيدًا من الاعتمادِ على صادرات المواد الهيدروكربونية حيث تلعب التكنولوجيا دورًا رئيسًا في قيادة هذا الشرق الأوسط الجديد.

المجموعة 42: صفّت جميع استثماراتها في الصين.

محمد سليمان*

تعمل الولايات المتحدة على تغيير نهجها في التعامل مع الوضع التكنولوجي للصين في الشرق الأوسط. تُقدِّم صفقة مايكروسوفت مع المجموعة 42 المعروفة ب”جي 42″ (G42) الأخيرة نموذجًا جديدًا للمنافسة التكنولوجية التي تساعد على تأمين وضمان التقنيات الأميركية مع استيعاب تطلعات شركائها.

إنَّ انخراطَ الصين في الشرق الأوسط يتشابكُ بشكلٍ وثيق مع مُنافَسَتَها العالمية الأوسع مع أميركا، والتي تتطوّرُ على نحوٍ متزايد إلى صراعٍ عميقٍ من أجل التفوُّقِ بين القوى العظمى. لقد أصبحَ الابتكارُ التكنولوجي نقطةَ اشتعالٍ في هذا الصراع، وأدّى التنافسُ إلى اتخاذِ تدابيرٍ تدريجية مُتبادَلة تهدفُ إلى تعزيزِ ما يُشارُ إليهِ عادةً ب”الفصل التكنولوجي” – وهو عمليةُ الحَدِّ من التبعيات غير المُتكافئة، وفي بعض الحالات، تفكيك التشابك بين المجالات التكنولوجية والسيبرانية كُلّيًا. ومع استمرارِ تكشُّفِ تداعياتِ هذه العملية، يجدُ الشرق الأوسط نفسه يتولى تدريجًا دورًا محوريًا، واقعًا في فخِّ التنافس بين بكين وواشنطن.

مع احتدامِ المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، يختارُ بعضُ الجهات الفاعلة الإقليمية جَعلَ توافقه الاستراتيجي بشأن التقنيات الحيوية، مثل الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والأنظمة غير المأهولة، واضحًا – وهو الاتجاه الذي أوضحته صفقة “مايكروسوفت- جي42” في منتصف نيسان (أبريل) الفائت، حيث وافقت شركة التكنولوجيا الأميركية العملاقة على استثمار 1.5 مليار دولار في شركة التكنولوجيا القابضة “المجموعة 42” ومقرها أبو ظبي، وهي لاعبٌ مُتنامٍ في سوق الذكاء الاصطناعي. إنَّ قابليةَ التوسّعِ والحَوكَمة والحواجز التي تتمتّع بها الصفقة تجعلها نموذجًا للحَوكَمةِ يُمكِنُ استخدامه مع دولِ الخليج الأخرى عندما يتعلّقُ الأمرُ بالتعاونِ في مجال الذكاء الاصطناعي.

التكنولوجيا كمُحرّك للشرق الأوسط الجديد

في حين أنَّ تصوُّرَ الشرق الأوسط كمنطقةٍ تعتمد أساسًا على الطاقة لا يزال قويًا، إلّا أنَه يمرُّ بتحوُّلٍ جيليٍّ لتحويلِ اقتصاداته بعيدًا من الاعتمادِ على صادرات المواد الهيدروكربونية. تلعب التكنولوجيا دورًا رئيسًا في قيادة هذا الشرق الأوسط الجديد. لسنواتٍ عديدة، تأثّرَ المشهدُ التكنولوجي في المنطقة بشكلٍ كبير بالتشابكات الاقتصادية والجيوسياسية مع الولايات المتحدة والغرب بشكلٍ عام. ومع ذلك، مع عودة المنافسة بين القوى العظمى والجهود المُتضافرة في الشرق الأوسط لتعزيزِ قَدرٍ أكبر من الاستقلال الاقتصادي والتكنولوجي، تشهد هذه الديناميكيات تحوُّلًا تدريجيًا ولكن عميقًا. لقد أصبحت الصين مُندَمجة بشكلٍ متزايد في النظام البيئي التكنولوجي الإقليمي، الأمر الذي يُثيرُ استياءَ وقلق واشنطن كثيرًا.

وسط التدقيق المستمر من قبل الولايات المتحدة للتأثير التكنولوجي الصيني على الشركاء الرئيسيين في الخليج، جذبت مجموعة واحدة على وجه الخصوص انتباه المسؤولين الأميركيين: “المجموعة 42” أو (G42) الإماراتية. تأسست الشركة الإماراتية القابضة للتكنولوجيا في العام 2018، وتصف نفسها بأنها ملتزمة بتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي ونشره، داخل دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها. تُغطّي شركات المجموعة 42 نطاقًا واسعًا من الصناعات، ولكن تتميّزُ كل واحدة منها بالذكاء الاصطناعي باعتباره جانبًا أساسيًا من الأعمال. على سبيل المثال، تُركّز “AIQ”، وهي شركة تابعة للمجموعة 42، على تطوير وتسويق منتجات الذكاء الاصطناعي لصناعة الطاقة، في حين تُطبّقُ شركتا “بيانات” و”M42″ الذكاء الاصطناعي على الذكاء الجغرافي المكاني والرعاية الصحية، على التوالي. تمتلك “المجموعة 42” أيضًا ذراعًا استثماريًا قويًا، وهي أداة استخدمتها للحصول على حصص وتأمين مشاريع مشتركة مع شركات التكنولوجيا الأجنبية. وتتمتع الشركة بعلاقات واسعة مع كيانات التكنولوجيا الصينية، بما في ذلك الشراكات مع “هواوي” و”BGI Genomics”، مما يثير مخاوف بعض المسؤولين الأميركيين بشأن خصوصية البيانات وأمنها. وقامت الشركة باستثمارات كبيرة في الشركات الصينية أيضًا، بما فيها “ByteDance”، وتدير صندوقًا استثماريًا بقيمة 10 مليارات دولار مع مكتبٍ في شنغهاي.

ينبغي فَهمُ مشاركة “المجموعة 42” مع الصين في ضوءِ عامِلَين أساسيَين: سعي دولة الإمارات إلى الريادة التكنولوجية استعدادًا لعصرِ ما بعد النفط، وظهور الصين كقوة تكنولوجية هائلة قادرة على إنتاج التقنيات الحيوية بتكلفةٍ معقولة ومع استعدادٍ أكبر للمشاركة في الملكية الفكرية وإقامة المشاريع المشتركة. وبدلًا من أن تكونَ هذه العواملُ مدفوعةً بالإيديولوجيا، فإنها تعكسُ استجابةَ أبوظبي العملية للنظام العالمي المُتَغَيِّر والمشهد التكنولوجي المُتَطَوِّر. مع ذلك، ونظرًا للتحوُّلِ السريع في الإجماع بين الحزبَين الجمهوري والديموقراطي في واشنطن بشأن بكين، فإنَّ أيَّ شراكة مع الصين تُعتَبَرُ غير مقبولة وغير مُحتَمَلة في المناخ السياسي الحالي.

استنادًا إلى التسريبات الواردة من واشنطن، يبدو أنَّ هناكَ جهودًا كبيرة جارية لمُعالجة وضع “المجموعة 42”. ينظرُ صنّاعُ السياسات في الولايات المتحدة إلى المجموعة الإماراتية على أنها وكيلٌ لنظامٍ رقميٍّ جديد، حيث أصبحت الصين جُزءًا لا يتجزَّأ من النظام البيئي التكنولوجي لحلفاء واشنطن. ويذهب الاعتقاد أنه إذا لم تتم مواجهة هذا الوضع في وقتٍ مُبكر، فقد تفتقرُ واشنطن إلى القوة أو النفوذ للتأثير في هذا الاتجاه في المدى الطويل. وقد أجرت الولايات المتحدة ودولة الإمارات مناقشاتٍ حولَ هذه القضية، كما يَتَّضِحُ من زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد إلى واشنطن وزيارة وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو إلى أبو ظبي. وبعد هذه المناقشات، بدأت “المجموعة 42” التخلّصَ التدريجي من التقنيات الصينية. وأعلنت شركة “42XFund”، الذراع الاستثماري التكنولوجي للمجموعة 42 البالغة قيمتها 10 مليارات دولار، أنها “صَفَّت جميع استثماراتها في الصين”. وقد لخّصَ المدير التنفيذي للمجموعة 42، بينغ شياو، وجهة نظر دولة الإمارات، قائلًا: “من أجل تعزيز علاقتنا -التي نعتزُّ بها- مع شركائنا الأميركيين، لا يمكننا ببساطة أن نفعل المزيد مع الشركاء الصينيين [السابقين]”.

وكشفت مايكروسوفت أخيرًا عن استثمارٍ بقيمة 1.5 مليار دولار في “المجموعة 42” التي يرأسها أيضًا صاحب النفوذ في الإمارات الشيخ طحنون، وهو يعكسُ المشهد المُتغيِّر للتعاون التكنولوجي العالمي. يؤكّدُ هذا المشروع الكبير على ما هو أكثر من التزام مايكروسوفت الاستراتيجي بالذكاء الاصطناعي – فهو يُسلّطُ الضوءَ أيضًا على خيارِ أبوظبي، حيث تتنقل في منافسة القوى العظمى المحتدمة بين الولايات المتحدة والصين، من أجل مواءمة دولة الإمارات استراتيجيًا مع التكنولوجيا الأميركية. بالإضافة إلى ذلك، تتوافق هذه الخطوة مع التقارير التي تُفيدُ بأنَّ الشيخ طحنون، خلال زيارة ديبلوماسية لواشنطن، أعربَ عن رغبته في تعزيز إطارٍ للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي.

تشير أهمية صفقة مايكروسوفت مع المجموعة 42 بقوة إلى الموقع الإيجابي لدولة الإمارات تجاه الولايات المتحدة على حساب الصين في جهودها المستمرة للتغلب على المنافسة الشرسة بين واشنطن وبكين. في الواقع، تشير الصفقة إلى اختيار أبو ظبي للتوافق مع واشنطن بشأن التقنيات الحيوية من خلال استبدال الأجهزة الصينية والشراكة مع عملاق التكنولوجيا الأميركي مثل مايكروسوفت. وكما ذكرنا سابقًا، تتضمن الصفقة اتفاقية ضمان حكومية دولية “الأولى من نوعها” بين الشركتين، والتي هي في حَدِّ ذاتها نتيجة للتشاور الوثيق -والمُطَوَّل على الأرجح- مع كلٍّ من حكومتَي الولايات المتحدة والإمارات. تُضفي اتفاقية الضمان الحكومية الدولية طابعًا رسميًا على تعهّدِ مايكوسوفت والمجموعة 42 بتعزيزِ إطار الأمان والامتثال للبنية التحتية الدولية المشتركة الخاصة بهما مع الالتزام بالامتثال للقوانين والأنظمة الأميركية والدولية المتعلقة بالتجارة والأمن والذكاء الاصطناعي المسؤول ونزاهة الأعمال. وكجُزءٍ من هذه الصفقة، سينضم براد سميث، نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس شركة مايكروسوفت، إلى مجلس إدارة المجموعة 42، مما يمنحه رؤية أكبر لعمليات المجموعة الإماراتية وخططها ومسارها المستقبلي.

مُخَطّطٌ للمشاركة

خلال شهادتي الأخيرة أمام لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين، جادلتُ بأنَّ هذه الصفقة تخدمُ بمثابة مخطّطٍ أساسي للتعامل مع شركاءٍ آخرين. فهي تُحقّقُ التوازنَ بين حماية التقنيات الحيوية للولايات المتحدة ومساعدة شركائها في تطوير قدراتهم الخاصة. وإذا فشلت أميركا في توفير هذه التقنيات، فقد يلجأ شركاؤها إلى بكين للحصول على ما يرونه ضروريًا لتنميتهم الوطنية. إنَّ النظرَ إلى صفقة مايكروسوفت والمجموعة 42 كمُخَطَّطٍ لمزيدٍ من التعاون يرقى أيضًا إلى اعترافٍ رسمي بالتحوّلِ الرقمي الكبير الجاري في دولة الإمارات ومنطقة الخليج الأوسع، والذي يتجاوز وجهات النظر التقليدية لاقتصادات الخليج. علاوةً على ذلك، فإنه يؤكّدُ توصيتي بضرورةِ وجودِ إطارٍ شاملٍ للمشاركة التكنولوجية مع دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية. وينبغي أن يشملَ هذا الإطار الحوار بشأن التكنولوجيات الحيوية المتعلقة بالامتثال والترخيص. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة أيضًا إقامة تعاونٍ علمي من خلال مجموعاتِ عَمَلٍ وورشِ عَمَل لإنشاءِ أجندةٍ بحثية مشتركة وتمويل المشاريع العلمية المشتركة.

من السابق لأوانه وصف مثل هذه الشراكات التجارية بأنها “تحالف الذكاء الاصطناعي”، لأنَّ الدول، بما في ذلك دولة الإمارات، سوف تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة من خلال البحث عن التقنيات التي تعتبرها حاسمة لأمنها وتنميتها الوطنية. ومع ذلك، فإنَّ قبول حواجز حماية ــ رُغمَ اختلافها تمامًا عن تشكيلِ تحالفٍ كامل ــ يُشكّلُ خطوةً إلى الأمام مفيدة للطرفين في التعاون التكنولوجي بالنسبة إلى الولايات المتحدة ودولة الإمارات وشركاءٍ آخرين في المنطقة.

  • محمد سليمان هو مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط في واشنطن وعضو في ممارسة شركة ماكلارتي أسوشيتس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يركز عمله على التقاطع بين التكنولوجيا والجغرافيا السياسية والأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى