تمويل المشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: التحدّيات والفرص

بقلم زينة نشيوات*

لقد سُعِدتُ وتشرّفتُ أخيراً بالمشاركة في “منتدى المشرق الرقمي” الذي رعاه الأمير الحسين بن عبد الله الثاني بالإشتراك مع وزارة الإقتصاد الرقمي والريادة في الأردن ومجموعة البنك الدولي.
لقد اجتذبت قضية مناقشة مستقبل الرقمنة المهمة في المنطقة ما يصل إلى 500 مشارك من المؤسسات العامة والخاصة في 25 دولة. واستضاف المنتدى حفل استقبال مُسبَقاً لكبار الشخصيات وبرنامجاً عامراً لمدة يومين مع 26 فريقاً و69 متحدثاً و40 شركة ناشئة و22 مستثمراً. وكانت النتيجة تنظيماً ناجحاً لمثل هذه المنصة القوية يستحق الثناء.
كان مستوى الحضور من رجال ونساء رفيعاً وغير متوقع، على أقل تقدير. من المؤكد أنها كانت تجربة رائعة حيث كنتُ مُحاطةً بالكثير من الأشخاص المُثقّفين والمُتعلمين والموهوبين والمتطورين والمُغتبطين والمستنيرين والطموحين والمُنخرطين على مدى ثلاثة أيام.
على الرغم من أنه حدثٌ إقليمي، إلّا أنه بلا شك كان عالمياً. لقد قام كلٌّ من رواد الأعمال والشركات، ومسؤولي رأس المال الإستثماري و الحكومي من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا وآسيا وإفريقيا وجميع أنحاء الولايات المتحدة بأداء مهام رائعة.

العودة إلى الأعمال التجارية: ناضجة، غنية وجاهزة

ليس سراً – أن المملكة الأردنية الهاشمية هي على شفا اقتحام البيروقراطية لجلب وجذب مليارات الدولارات وعلى بُعدِ يومٍ واحد من تحقيق ذلك. إن الأحداث التي تجري تتحدّى المشاعر القديمة التي تفترض قلّة الموارد باعتبارها الجاني غير المُقيَّد الذي يمنع التطور السريع في النُظُم الإقتصادية والإجتماعية الحديثة. الحقيقة هي أن هناك وفرة في رأس المال، وقد حان الوقت لفتح هذه الثروة وتخصيصها بشكل فعّال لتحقيق إمكاناتها الكاملة في التأثير.

شراكة بين القطاع العام والخاص

مرة أخرى، يتعلّق الأمر، بقدر ما يتعلّق، بالأفراد والشركات والأجندة الطموحة التي يحددها “منتدى المشرق الرقمي” للمضي قُدماً كما يرمز. إختتم المؤتمر بإصدار “بيان عمان”، الذي أعلن فيه عن خطة الأردن لإطلاق عملية إصلاح تنظيمي واستراتيجية للتحوّل الرقمي بحلول نهاية العام 2019 لتحسين بيئة الأعمال في المملكة. كما تناول البيان إلتزام الحكومة بفتح الشبكة الوطنية للنطاق العريض (برود باند) (7000 كيلومتر من الألياف) للشراكات بين القطاعين العام والخاص.
بالنسبة إلى الأردن، كان الإجتماع من المبادرات العديدة التي تدعمها الحكومة والتي تؤكد التزامها بدعم رواد الأعمال وتمكينهم، وخلق بيئة أعمال مواتية، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص.

دور البنك المركزي

أعتقد مع شركائي وزملائي في “بلاك هوك” (Blackhawk) بقوة أن البنك المركزي الأردني يُمكنه أن يلعب دوراً أساسياً في قيادة الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي سيفتح أبواب رؤوس الأموال.
لنأخذ لبنان مثلاً، وهو بلد مجاور في المشرق العربي، لقد وضع نموذجاً مؤثراً لشراكة القطاعين العام والخاص. في العام 2014، قدّم بنك لبنان (المركزي) التعميم رقم 331 لدعم “إقتصاد المعرفة” اللبناني، وهو أثبت فعاليته على الرغم من الديون الهائلة للبنك المركزي والمناخ الجيوسياسي العاصف في البلاد.
في الواقع، من الواضح أن التعميم 331 الذي يُشجّع البنوك التجارية على الإستثمار في الشركات الناشئة يُعدّ من أكثر المبادرات جرأة وذكاء التي اتخذتها الحكومة اللبنانية حتى الآن. بالنسبة إلى الذين لا يعرفون، فإن البنك المركزي يضمن الآن ما يصل إلى 75 في المئة من قيمة استثمارات البنوك التجارية في الشركات الناشئة. هذه الخطوة فتحت إمكانات قدرها 400 مليون دولار والتي يُمكن إستثمارها في صناديق رؤوس الأموال الإستثمارية أو مباشرة في الشركات الناشئة. من الواضح أن التعميم رقم 331 قد حقق أعلى مستوى من خلال تشجيع تمويل المشاريع.
يُمكن محاكاة هذا النموذج بالمثل في الأردن لفتح بوابات جذب رأس المال الذي لا يُعلى عليه؛ لا سيما وأن االمملكة الهاشمية لديها نصف نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان.

فتح أبواب جذب رأس المال

إن إقامة شراكة بين القطاعين العام والخاص بهذا الحجم لإنشاء تجمعات رأسمالية تُدار باحتراف في الأردن ستخلق أخطبوطاً من الفرص:
1. المزيد من رأس المال: سيؤدي ضخ رأس المال إلى زيادة عدد وتنوع المشاريع التي من شأنها بدورها تمويل وتمكين المزيد من رواد الأعمال.
2. أخذ الشركات الأردنية إلى العالمية: من شأن هذا البرنامج أن يؤسس رؤوس أموال إستثمارية جديدة من أعلى المستويات مع خبرة مؤهلة التي لا تفي بالمعايير المحلية فحسب بل تتمتع بالقدرة على العمل على المستوى العالمي. إن رأس مال أكثر تنافسية على مستوى العالم يعني شركات أكثر تنافسية على مستوى العالم.
3. تجمعات أكبر من رأس المال: سوف تعمل على تطوير وتوسيع نظام رأس المال الإستثماري الحالي بشكل كبير. معظم رؤوس الأموال الإستثمارية في الأردن اليوم مُقيَّدة بشكل أساسي، إلى حد كبير، إلى مرحلة الأصل. هذه الفرصة ستُحدّد رأس المال لتزويد رؤوس الأموال الإستثمارية الجديدة لتنضج وتُطوّر الأصل لشركات المرحلة اللاحقة. ستعمل تجمعات رؤوس الأموال الأكبر حجماً على تسريع وتيرة نمو الشركات التي تموّلها وتوسيع نطاقها، مما يجعلها قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية.
4. رواد الأعمال المُمَكَّنون: من خلال رؤوس الأموال الإستثمارية والصناديق الأكبر، سيكون بإمكان مجموعة جديدة كاملة من رواد الأعمال الوصول إلى رأس المال. ينبغي النظر إلى التحوّل في الديناميات التي ستتبع – النظر إلى الشركات أو رجال الأعمال الذين لا يتوافقون مع مقدمي رؤوس أموالهم ولكن يُجبَرون على الإمتثال لضمان بقائهم المالي. هذا اليأس يؤدي إلى الإحباط الذي بدوره يخنق الإمكانات الفردية وتطور مشروعهم. إن نموذج رأسمال إستثماري قوي سوف يخترق هذا الشلل ويحمي رأس مال الإبتكار، وهو مصدر للثروة الوطنية.
5. الضوء الأخضر للإستثمار الأجنبي: تُعطي هذه المبادرة المدعومة من الحكومة الضوء الأخضر للخارج بأن الأردن مفتوح للأعمال التجارية. كما تُعزّز قبول المملكة ودعمها ثقة المستثمرين، وتحظى باحترام القادة الوطنيين، وستعمل بالتأكيد على تحقيق أهداف الإستثمار الأجنبي المباشر، وربما بين عشية وضحاها.

التطلع قُدُماً

ينبغي الفهم جيداً أنه في نهاية اليوم، يتلخص كل ذلك في الوصول إلى تجمعات رأس المال المُدارة بشكل احترافي، والتي يُمكن أن تُحدِث انحرافاً حقيقياً في السوق. يُمكن أن يكون لديك أذكى رواد الأعمال وأكثرهم تعليماً على هذا الكوكب ولكن من دون دعم رأس المال “الذكي” لهم، فإن مشاريعهم ليست سوى فكرة في مهب الريح. يُعدّ وادي السيليكون مثالاً رئيساً في هذا الصدد. لولا دعم “شارع ساند هيل” (Sand Hill Road) لروح المبادرة وشركات وادي السيليكون في أوائل ثمانينات وتسعينات القرن الفائت، لما كان عمالقة التقنية اليوم موجودين على الإطلاق.
مثلما هي الحال في الولايات المتحدة، فإن إضفاء الطابع الديموقراطي على رأس المال في جميع أنحاء العالم سوف يُضفي الطابع الديموقراطي على الأصول الصناعية ويؤدي بالتالي إلى انفجار في خلق فرص العمل في جميع أنحاء العالم. تحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى هذا أكثر من أي منطقة في العالم. وثورة رأس المال، التي غيّرت أميركا في الثلث الأخير من القرن العشرين، هي فقط مقدمة للثورتين الرئيستين الأخريين في القرن الحادي والعشرين – ديموقراطية تمويل المشاريع والمعارف في جميع أنحاء العالم. توفر هذه الثورات الثلاث، كل منها مدعوماً بالتكنولوجيا الناشئة، أملاً في أن القرن الحادي والعشرين سيكون قادراً على تجنب النزاعات الفظيعة التي عرفها الشرق الأوسط خلال المئة عام الماضية ويصبح عصراً جديداً للتنوير. لن تتاح لأطفالنا فرص ما لم تكن هناك فرص للجميع.

• زينة نشيوات هي شريكة ومُنسّقة للثروة لدى شركة “بلاك هوك بارتنرز” (Blackhawk Partners, Inc)، وهي مكلفة ببناء أصول قيمة للعلامة التجارية، وإنشاء شراكات قوية وتحسينها، وتعزيز فرص الإستثمار التي تعود بالنفع على جميع أصحاب المصلحة.
• كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى