سامي كليب يكشفُ حَجمَ ومَخاطِرَ الكوارث التي تُحيقُ بنا في كتاب

صدر عن دار نوفل في بيروت في أواخر 2022 كتابُ “تدمير العالم العربي – وثائقُ الغُرَف السوداء” للإعلامي اللبناني سامي كليب الذي فاضَ بالمعلومات والاستنتاجات والمواقف المتَّصلة بمآسي العالم العربي.  

غلاف الكتاب

فيصل جلول*

يبدو الصديق والإعلامي الشهير سامي كليب أشبَه برادارٍ لاقطٍ للمعلومات والمواقف التي تندرجُ في نطاقِ اهتماماته العربية والشرق أوسطية. نلاحظ ذلك في حلقاته التلفزيونية في المحطات الفضائية التي عمل فيها. قابل مئات الشخصيات السياسية والثقافية في برنامجه الشهير “زيارة خاصة” على قناة “الجزيرة” وكانت كل مقابلة تستدعي الإحاطة بمعلوماتٍ جديدة لاستخراجِ معلومات غير معروفة من الضيفِ المُستَجوَب.
ومَن لم يقابله في المحطة القطرية حاوره سامي كليب في الإذاعة والتلفزيون الرسمي الفرنسي. وحافظَ على الوتيرة نفسها خلال عمله في برنامج لعبة الأمم في “محطة الميادين” ويواصل نهجه في “قناة الجديد” عبر “برنامج الرئيس” في كلِّ حلقة كتب جديدة وقديمة وتقارير تساعده على طرحِ أسئلته وتقييم أجوبة ضيفه أو ضيوفه.
ثمّةُ مَن يقول أنَّ هذا النهج طبيعي في العمل الإعلامي وهو قولٌ صحيح ويصحُّ أكثر في الإعلام الاستقصائي، وهو الأصل في مهنة الإعلام قبل وبعد الثورة المعلوماتية. أقولُ هذا الكلام استنادًا إلى معرفتي الوثيقة بسامي منذ أكثر من ثلث قرن وأقوله بصفةٍ خاصة بعد قراءتي لكتابه الأخير حول تدمير العالم العربي الصادر عن دار نوفل في بيروت 2022.
يفيض الكتاب بالمعلومات والاستنتاجات والمواقف المتصلة بمآسي العالم العربي. الأُمّية والفساد والحروب الاهلية والمخاطر التي تُحيقُ باللغة العربية. القوى المحيطة بالعالم العربي وادوارها وتأثيرات نزاعاتها على البلدان العربية.
يُخصّصُ حيِّزًا كبيرًا ل”الربيع العربي” ودور قطر في مصر وفي تسليح المعارضة السورية وبخاصة “الإخوان المسلمين”، ويستعرضُ تفاصيلَ ومحطّاتٍ أساسية في الأدوار التي لعبها “الإخوان المسلمون” في سوريا. علاقتهم بالأسد الأب والأسد الإبن. وينشرُ تفاصيلَ محادثات وزير خارجية أميركا السابق كولن باول في دمشق، ومطلبه الصريح بطرد “حركة حماس” وتنظيم “الجهاد الإسلامي” من سوريا وعدم استقبال العلماء العراقيين.
ويُحذّرُ سامي كليب من الدور الذي تلعبه إسرائيل في تطويق العالم العربي من أطرافه، ويُعطي مثالًا صريحًا في هذا الصدد حول العلاقة بين تل ابيب وجنوب السودان وأثيوبيا وأريتريا .
وتحتلُّ “صفقة القرن” حيِّزًا مهمًّا في الكتاب، ويتابع سامي أصولها ليصل إلى تيارِ الإنجيليين النافذ في الولايات المتحدة الاميركية وتأثيره على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. معلومٌ أنَّ الإنجيليين ينتظرون عودة المسيح في منطقتنا وفي فلسطين على وجه الدقة.
ويسلّط الضوءَ على أماكن الوجع العربي في كلِّ مكان وعلى أماكن الحلّ لو أراد العرب ان يستفيدوا من وسائلهم، ومن بين البلدان التي تُعتَبَرُ نموذجًا في هذا المجال كالسودان الذي يُعتَبَرُ اليوم مساحةً للاقتتال والانفصال والفقر والجوع والبؤس مع أنه يملك الوسائل الجبارة التي تتيح له أن يكون سلة غذاء العالم العربي، فهو أشبه بالقارة مع عددٍ ضئيلٍ من السكان بالقياس الى المساحة، وهو يملك الأرض والمياه والنفط والذهب والموقع المهم. هو بلد جائع بسبب إدارته السيئة.
لا يغفل الكاتب عن أيِّ بلد عربي أساسي، فالعراق الحضاري، بل اقدم الحضارات تم اغتياله ونهبت ودمرت متاحفه لتزوير تاريخه، وطورد علماؤه وتم اغتيالهم عالمًا بعد آخر، والراجح أنَّ رقمَ الضحايا تجاوز الألف عالم، وهم كانوا يشكّلون الثروة العلمية العراقية التي لا تُقدَّر بثمن. ويُحذّرُ من هجرة المسيحيين من العراق وسوريا ولبنان التي تجاوزت أكثر من نصف حجمهم في بلاد الرافدين. ويتعدّى الحديث عن مسيحيي العراق إلى مسيحيي سوريا ولبنان والعالم العربي عمومًا.
وفي الكتابِ تفاصيلٌ متعددة المصادر عن الحرب التي شُنَّت على ليبيا والمتورِّطين فيها وينقل رؤية دقيقة حول مطاردة واغتيال العقيد الليبي معمر القذافي، كما ينقل شكوكًا عن بعض مناصريه الذين ما زالوا يعتقدون أنَّ جثة العقيد التي رآها العالم عبر أجهزة التلفزة ليست جثته وإنما جثة أحد مرافقيه الذي يشبهه، والذي كان يتجوّل بزيّه من اجل التعمية وإخفاء تحركات القذافي. ولا ينسى سامي ذكر علاقة القذافي بفرنسا ومشاريعه الأفريقية التي ما كانت تتناسب مع مصالح الفرنسيين.
لا يقتصرُ كتاب “تدمير العالم العربي” على عرضِ أزمات العرب وفشلهم في حلّها لأسبابٍ كثيرة من بينها قصور البحث العلمي والمعرفي في بلدانهم، فهو يلقي الأضواء على تجارب جديدة من بينها ما يسميه ” “ثورة الأمير محمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية” التي تشملُ توسيع هامش الحرية للمرأة السعودية وفتح أبواب المملكة للحداثة الثقافية والفنية وإعادة النظر في جوهر الوهابية واعتباره الداعية محمد بن عبد الوهاب داعية كسائر الدعاة وليس رسولًا تُقدَّسُ أطروحاته واجتهاداته خصوصًا أنه ظهرَ في فترة تأسيس الدولة السعودية الأولى، وكان هو وأنصاره من الذين يجيدون القراءة وسط جهلٍ طاغٍ في المنطقة. ويعتقد سامي كليب أنَّ نجاحَ مشروع التحديث الذي يقوده الأمير السعودي الشاب سيترك تأثيرًا كبيرًا ليس فقط في الخليج وإنّما في العالم العربي بأسره.
وفي مثالٍ آخر، يطرحُ سامي كليب خطوات عملية للخروج من أزمة الإعلام بعد أن يصفَ أداءُ الإعلام العربي بالكارثة ومن بين ما يقترحه: الاستماع إلى جميع وجهات النظر. إعتمادُ وثيقة شرف إعلامية تنطوي على معايير أخلاقيةــــ عدم استضافة دعاة الفتن والترهيب. تعزيز مناخات الحوار وسط الإعلاميين العرب. اعتماد إجراءات عقابية وتأسيس مجلس اعلامي عربي للسهر على تطبيق وثيقة الشرف العربية واحترام القواعد الأخلاقية للمهنة… الخ
إنَّ استتباعَ الإعلاميين العرب وتحويلهم إلى أبواقٍ من شأنه أن يزيدَ الفتن اضطرابًا والنزاعات الأهلية تعقيدًا والانقسامات بين الدول العربية اتساعًا، والأخطر من ذلك أنه يُسَلّم صناعة الراي العام العربي إلى فئة تُدمّر الوعي العربي وتَحُولُ دون إيصال العرب إلى برّ الأمان المنشود.
يحمل كتاب سامي كليب عنوانًا فرعيًا ” وثائق الغرف السوداء” ما يعني أن عرضه واستنتاجاته ومواقفه الواردة في الكتاب مَبنيّة على وثائق ثابتة ومعلومات صحيحة وافدة من مصادر المعنين بعالمنا العربي في الداخل والخارج. ومن بين الوثائق المنشورة، محضر جلسة تاريخية بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك الأردني الحسين بن طلال حول العلاقة بين المملكة والثورة الفلسطينية عام 1970، وتمني ناصر على الحسين بأن يعالجَ الأزمة مع الفلسطينيين بالصبر بانتظار تطورات جديدة حول استعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في الخامس من حزيران/يونيو 1967. سيعتمد الملك الأردني النصائح المصرية لكنه سيواصل بعد وفاة الزعيم المصري تصفية الوجود الفلسطيني المسلح في ما تبقّى من الأراضي الأردنية، وسينتقل المسلحون من الأردن الى لبنان.
إذا كانت الوثائق هي قاعدة الكتاب المعلوماتية، فإنه يستخدم تقنياتٍ معروفة في مجال البحث السياسي ومن بينها تقنية تحليل المحتوي للتأكيد على اتجاه سياسي وبخاصة في تحليله لخطاب الأمير محمد بن سلمان.
ما يرويه سامي كليب في كتابه الجديد “تدمير العالم العربي ــــ وثائق الغرف السوداء” لا يبعث على الإحباط على الرُغم من المعلومات والمعطيات العارية والصادمة التي تنتشر بين دفتيه. فالحقيقة وحدها هي الطريق الوحيد الذي يساعدنا على الخروج من النفق العربي المظلم والذي طال ظلامه.

  • فيصل جلول هو كاتب وصحافي لبناني مُقيم في باريس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى