ماذا يجري في العراق؟

بقلم حارث حسن*

ماذا حدث؟

إجتاحت العراق موجة من الإحتجاجات في الأيام الأخيرة. وهي فعلاً إستمرارٌ للإحتجاجات التي بدأت في العام 2011 ووصلت إلى ذروتها في العام الفائت في البصرة. وما سبّب باندلاع هذه الإحتجاجات في المقام الأول هي مطالب إجتماعية واقتصادية، والغضب من سوء الحكم، ورفض الفساد المُستَشري في مؤسسات الدولة، فضلاً عن تحوّلها إلى إقطاعياتٍ للفصائل السياسية وشبه العسكرية.

حتى قبل أن تصل الإحتجاجات إلى وسائل الأخبار العالمية في الأول من تشرين الأول (أكتوبر)، كانت هناك مظاهرات أصغر ومُتقطّعة نُظّمها في الأشهر الأخيرة خريجو الجامعات العاطلون من العمل الذي طالبوا بوظائف في القطاع العام. إن سوء التقدير الذي أبدته حكومة عادل عبد المهدي، مثل إقالة جنرال مشهور للغاية في قوة مكافحة الإرهاب، الذي أصبح شخصية وطنية بسبب دوره في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، واستخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع لتفريق إحتجاجات الأول من تشرين الأول (أكتوبر) في بغداد، أثار غضب المُحتَجين وحفّز آخرين على الإنضمام إليهم.

لماذا ما يجري يهمّ ومُهم؟

إن موجة الإحتجاجات الجديدة فريدة بطريقتين. أولاً، على عكس المظاهرات السابقة التي سيطر عليها في نهاية المطاف الصدريون، الذين لديهم حركة شعبية كبيرة مُنظَّمة، والحزب الشيوعي، الذي كان رائداً في النزول إلى الشارع ضد النخبة السياسية والأحزاب الإسلامية، فإن الإحتجاجات الجديدة هي بلا قيادة. إنها إلى حد كبير مؤلفة من الشباب العاطلين من العمل والعاملين في مهنٍ أقل من مؤهلاتهم الذين يستخدمون وسائل التواصل الإجتماعي كأداة رئيسة للتواصل.

ثانياً، كان هناك تطرّفٌ متزايد في مطالب المُحتجّين (مثل المطالبة بإسقاط النظام) والأعمال التي قاموا بها (مثل مهاجمة مقر الأحزاب السياسية والحكومات المحلية). في حين أن احتجاجات العام الماضي في جنوب العراق قد انخرطت في ممارسات مُماثلة، فقد اتسمت الموجة الأخيرة بلهجة أكثر تشدّداً، وانتشرت إلى أحياء خارج ميدان التحرير في بغداد. وهذا يعكس التعبئة المتزايدة ضد الطبقة السياسية العراقية.

علاوة على ذلك، فإن الإحتجاجات تحدث بشكل أساسي في المناطق الشيعية وتُواصل مساراً تَسارَعَ بعد هزيمة “الدولة الإسلامية” عندما احتلت المطالب الإجتماعية والإقتصادية مكاناً مركزياً في إحتجاجات الشوارع. على الرغم من انتقادهم الشديد للأحزاب الإسلامية، فإن المتظاهرين هم غير إيديولوجيين، ويستخدمون الرموز الوطنية ويربطون القومية وروح الشيعة الثورية بشكل خاص بقضايا العدالة الاجتماعية.

ما هي الآثار المترتبة للمستقبل؟

قد تفقد الإحتجاجات زخمها نتيجة للحملة الأمنية وإغلاق الإنترنت. ومع ذلك، فإن المشاكل الهيكلية التي ولّدت حركة الإحتجاج في المقام الأول سوف تستمر في الوجود وسوف تؤدي إلى مزيد من الإستقطاب الإجتماعي واستقطاب الأجيال.

لقد أصبحت البطالة والفساد وضعف سيادة القانون وعدم المساواة في الدخل حقيقة لا مفرّ منها، الأمر الذي زاد من الإحباط والغضب لدى الشباب العراقي. إن أكثر من 60 في المئة من العراقيين تقل أعمارهم عن 24 سنة، وحوالي 700,000 سنوياً حاضرين لدخول سوق العمل. والعراق أيضاً مُجتمعٌ يُضيف مليون شخص إلى سكانه كل عام، مما يزيد من الطلب على الخدمات والرعاية الإجتماعية والطبية. في أول خطاب له بعد الاحتجاجات، قال رئيس الوزراء عبد المهدي إنه “لا توجد حلول سحرية” لهذه المشاكل. ومع ذلك، فإن الصورة التي تُعطيها مثل هذه البيانات عن عدم القدرة وعدم وجود أمل في حدوث تغيير كبير، هي بالضبط ما حوّل الإحباط إلى غضب مُدَمِّر.

فَشِل عبد المهدي حتى الآن في إدخال أي إصلاحات كبرى. كما أصبح بشكل متزايد رهينة للفصائل السياسية وشبه العسكرية القوية التي عزّزت سيطرتها من خلال الوسائل القانونية وغير القانونية. لذا، من دون تغيير حقيقي في كيفية إدارة السياسة، بدءاً من إصلاح قانون الانتخابات للسماح بالتمثيل العادل، ومن دون إنهاء التقسيم الحزبي لمواقع الدولة ومواردها، هناك أملٌ ضئيل للغاية في إمكانية تحسين الظروف بفعالية.

  • حارث حسن باحث كبير غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، تُركّز أبحاثه على العراق، والطائفية، وسياسات الهوية، والقوى الدينية، والعلاقة بين الدولة والمجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى